أخبار الأردن اقتصاديات دوليات مغاربيات خليجيات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مقالات مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

عبدالهادي راجي يعاتب بشر الخصاونة ويطلب من فايز الفايز: الرحيل

مدار الساعة,مقالات مختارة,وزير المالية,رئيس الوزراء,وزارة المالية,وزارة الخارجية,الضمان الاجتماعي
مدار الساعة ـ
حجم الخط

قال رئيس الوزراء، في معرض حديثه عن أزمة الرأي إنها شركة، وبالتالي الحكومة غير ملزمة بالتدخل في شؤونها..

حسناً هنالك فارق كبير بين الشركة وبين الإرث.. (البي بي سي) مثلاً شركة، ولكنها مملوكة من قبل وزارة الخارجية البريطانية، وتعبر عن إرث بريطانيا العظيم.. وتعبر عن قيم المملكة، وهي رافعة (الكومنولث) البريطاني.. والأهرام شركة، لكن هل تسمح الحكومة المصرية بتصفيتها أو رفع يدها عنها؟..
(الأم بي سي) شركة.. والجزيرة شركة، وصحيفة البيان الكويتية شركة.. بالمناسبة الشركة تقبل التصفية وتقبل الخسارة، لكن الإرث لا يصفى.. والهوية لا تقاس بالمنفعة أو الضرر..
هنالك أشياء في الدولة، تقاس بمنطق الإرث الوطني.. ولا تقاس بمنطق الربح أو الخسارة، منزل الشهيد وصفي التل كان ملكا للورثة وللراحلة سعدية الجابري زوجة الشهيد، لكن عائلة التل لم تقم ببيع البيت أو تصفيته.. مع أن قيمته السوقية عالية جدا، بل تم تحويله لمتحف وطني يروي سيرة البلد.. وقصة البارود والنار.. منزل حابس المجالي أيضا كان من الممكن هدمه وتحويله إلى (مول).. لكن الدولة يومها قررت تحويله إلى متحف يحكي قصة الجيش.. وقصة المشير وبطولاته والمعارك التي خاضها..
هل من الممكن أن نحول صرح الشهيد إلى شركة؟ هل من الممكن أن نحول متحف الأردن إلى شركة؟..
حسناً دولة الرئيس..
مجلة العربي الكويتية، تعلمنا منها في الطفولة الفكر.. وكنا نقرأ فيها مقالات راكان المجالي، وكبار الكتاب العرب.. والكويت لم تتعامل معها في إطار الربح أو الخسارة بل تعاطت معها على أنها واجهة الكويت الثقافية والمعبرة عن روح البلد التي احتضنت اليسار واليمين وكل الأحزاب الشيوعية وكل المثقفين العرب.. الكويت لم تكن تبحث عن أرباح في مجلة العربي، بل كانت تقدم إرثها للعالم وتمارس التنوير الذي هو جزء من حضورها في المشهد..
الرأي هي إرث الأردنيين، هل ينسى جيلنا بدر عبدالحق.. حتما لا! ولن ننسى سليمان عرار أو الحاج جمعة حماد.. ولن ننسى كتابات فهد الريماوي، لن ننسى أن هذه الصحيفة صاغت ميثاقا وطنيا وحدويا بعد أيلول.. حين انخرط فيها اليسار وأقصى اليمين، حتى ينتجوا لوحة جديدة في البلد قائمة على التسامح وتجاوز الجراح والأزمات.. والرأي هي التي حملت الموقف الأردني بعد العام 91.. للعالم العربي ودافعت عن قوميتنا، وعن دورنا.. والرأي هي الصحيفة التي كان يطل عبرها حكام العالم العربي والرؤساء فيه ليبعثوا برسالتهم.. للشعب الأردني.. والرأي هي التي صدّرت الكفاءات لكل هذا المحيط..
أوجعتني جدا حين قلت عنها شركة، لقد كتبت فيها أجمل ما كتبت عن الجيش والصحراء والحب وجدائل زينة.. وكيف يكون طعم الوطن مثل طعم السكر في الفم.. أوجعتني لأني تعلمت فيها أيضا.. فن الاختلاف وفن الصراع.. وفن الوقوف بعد كل صفعة كنا نتلقاها.. وبعد كل أزمة، وبعد كل تهميش واقصاء.. الرأي هي حلم وصفي التل وعرق سليمان عرار، وتعب راكان المجالي.. هي لم تكن حبرا على الورق بقدر ما كانت ضمير دولة وعيون شعب كامل..
أنا لا أعمل في شركات.. أنا أعمل في دولة واعمل لأجل وطن، ولو كانت الشركات حلمنا لسافرنا للخليج في بدايات الألفية، وشروطنا في الوظيفة هناك كانت أفضل من شروط غيرنا.. لأننا كنا نملك المبادئ في حين أن غيرنا كان يتقلب بين الأحزاب.. وبين الدولارات ويقدم ألف ولاء وينسى وطنه..
الرأي ليست شركة، والرأي ليست مؤسسة تجريب.. نحن لم نخلق كي يمارس علينا البكاء والنحيب، كي يصبح خبز أولادنا وسيلة استجداء.. وكي تصبح أحلامنا حالات تسول لدى الضمان الاجتماعي ولدى وزارة المالية.. وكي تصبح أغلى أمنياتنا صرف الراتب في اخر الشهر..
نحن الذين بنينا البلد، وأقولها بكل غرور وصلف.. أهلنا من قاتلوا وأهلنا من دافعوا وأهلنا من صنعوا التاريخ.. وتلك راياتهم وصفحات كتبهم.. نحن لم نكن من الذين عبروا.. ولم نمر مرور الكرام من التاريخ، فهل نقابل بكل هذا النكران..
أنا لا أعمل في شركة.. أنا اعمل في مؤسسة تعبر عن ضمير وطن ووجع شعب.. وأنا لا أقبل على نفسي، أن نركن للحزن مع كل آخر شهر.. وتصبح أعلى طموحاتنا هي الراتب.. ورضا وزير المالية، أو رضا الحكومة..
اعرف أن جيلنا هزم تماما.. وها أنا بعد أكثر من عشرين عاما اكتشف أني اعمل لصالح شركة، وكنت اظن أني اعمل لصالح ضميرنا الوطني ودولتنا..
لقد قلت لصديقي فايز الفايز، لنلملم أوراقنا يا رفيق ونرحل.. لم يتبق لنا غير الرحيل..
Abdelhadi18@yahoo.com
الراي
مدار الساعة ـ