اخبار الاردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات احزاب وظائف للاردنيين رياضة أسرار و مجالس مقالات مختارة مقالات تبليغات قضائية مناسبات جاهات واعراس مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة كاريكاتير رفوف المكتبات طقس اليوم

بنو عباد في إشبيلية

مدار الساعة: وكالة اخبارية مساحتها الكلمة الصادقة
مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/15 الساعة 15:12
مدار الساعة,عمان,

مدار الساعة - مملكة إشبيلية

تُعَدُّ مملكة إِشبِيلِية أهمَّ دول الطوائف كلها، وأعظمها شأنًا وأقواها عدَّة وشكيمة، فمع تفوُّقها العسكري والسياسي وموقعها الجغرافي، فقد علا فيها شأن العلم والعلماء، والأدب والأدباء؛ وهذا ما جعل ملوكها أشهر الملوك، وشعراءها أفحم الشعراء.
وإذا كنا سنتحدَّث عن مملكة إِشْبِيلِيَة فيجدر بنا أن نتحدث عن بني عبَّاد الذين صنعوا من إِشْبِيلِيَة مملكة تَفَوَّقت على دول الطوائف الأندلسية، واستطاعت التغلُّب على قُرْطُبَة، وأسقطوا حكم الحموديين فيها، وعلا كعبهم[1] في بلاد الأندلس حتى خطب ودَّهم أمراؤها وأعيانها.
نسب بني عباد
بنو عباد من العرب الداخلين إلى الأندلس، وهم ينتمون إلى لخم، وكان قد دخل رهط من اللخميين بلاد الأندلس، كان منهم عطاف بن نُعيم وهو جدُّ العباديين، دخل الأندلس مع طالعة بلج بن بشر القشيري، وهو لخمي النسب صريحًا، وأصله من عرب حمص بأرض الشام، ولما دخل الأندلس نزل بقرية قرب إِشْبِيلِيَة، وقد تناسل ولده بها مدَّة من الزمان، ثم انتقلوا إلى حمص (وهي إِشْبِيلِيَة)، وكان جند الشام يسمون إِشْبِيلِيَة حمص؛ لقوة الشبه بينها وبين حمص الشام، من حيث الطبيعة والإقليم[2].
وبنو عباد قيل: إنهم ينتمون إلى النعمان بن المنذر بن ماء السماء. فهم لخميون أصليون، وكانوا بنسبهم يفتخرون على غيرهم، ويمتدحهم بذلك شعراؤهم، وفي ذلك يقول شاعرهم ابن اللبانة: [الخفيف]
مِنْ بَنِي الْمُنْذِرِينَ وَهْوَ انْتِسَابٌ *** زَادَ فِي فَخْرِهِ بَنُو عَبَّادِ[3]
فِتْيَةٌ لَمْ تَلِدْ سِوَاهَا الْمَعَالِي *** وَالْمَعَـــالِي قَلِيلَةُ الأَوْلادِ[4]
وكانت لأسرة بني عباد مكانة وحظوة لدى خلفاء وأمراء بني أمية؛ خاصة الحكم المستنصر، وابنه هشام المؤيد، وحاجبه المنصور محمد بن أبي عامر، فكانت فيهم الإمامة والخطابة والقضاء[5].
وخير مَنْ أجاد وأبلغ في وصفهم وبيان حالهم الوزير الكاتب الفتح بن خاقان الإشبيلي في قوله: هذه بقيةٌ منتماها في لَخْم، ومرتماها إلى مَفْخَرٍ ضَخْم، وجَدُّهم المنذر بن ماء السماء، ومَطْلعهم من جوِّ تلك السماء، وبنو عباد ملوك أَنِسَ بهم الدهر، وتنفَّس منهم عن أَعْبَق الزهر، وعمَرُوا ربع المُلْك، وأمروا بالحياة والهلك، ومُعْتَضِدُهم أحد من أقام وأَقْعَد، وتبوَّأ كاهلَ الإرهاب واقْتَعد[6]، وافترش من عِرِّيسته[7]، وافترس من مكائد فريسته، وزاحم بِعَوْد[8]، وهَزَّ كُلَّ طَوْد، وأخْملَ كل ذي زيٍّ وشارة وخَتَل بوحي وإشارة، ومعتمدهم كان أجود الأملاك، وأحد نَيِّرات تلك الأفلاك»[9].
القاضي ذو الوزارتين أبو الوليد إسماعيل بن عباد
وقد سطع نجم بني عباد في إِشْبِيلِيَة منذ سقوط حكم العامريين واعتلال الخلافة الأموية ثم سقوطها، وذلك أواخر القرن الرابع وأوائل القرن الخامس الهجريين، ونتج عن ذلك توالي الفتن وكثرة الانقلابات، وقد تألَّق نجم بني عباد في أعقاب الفتنة، على يد جدهم أبي الوليد إسماعيل بن عباد، وقد استطاع بحكمة ودهاء أن يجمع خيوط السياسة في يده، ويجمع حوله أعيان ورؤساء إِشْبِيلِيَة؛ لمكانته في نفوس أهلها، فقد ولي الشرطة لهشام المؤيد، ثم ولي الإمامة والخطابة بالجامع الأعظم، كما ولاَّه المنصور بن أبي عامر قضاء إِشْبِيلِيَة، وظلَّ بها يرقب الأحداث على كثب، ويعمل ليوم ينفرد فيه بالسلطة لنفسه وولده من بعده كما انفرد غيره بممالكهم، ويستأثر بحُكم مدينة من أعظم مدن الأندلس[10].
كان أبو الوليد إسماعيل بن عباد عميد الأسرة وكبيرها؛ وكان يتمتَّع بصفات الزعامة ومؤهلات القيادة، فكان يُنفق مِنْ ماله وآوى كثيرين ممن فروا من قُرْطُبَة عند احتدام الفتنة، وكان معلومًا بوفور العقل وسبوغ العلم والدهاء وبُعد النظر[11]، واستطاع أن يحمي مدينة إِشْبِيلِيَة من سطوة البرابرة النازلين حولها «بالتدبير الصحيح، والرأي الرجيح، والنظر في الأمور السلطانية»[12].
وهكذا استتبَّ الأمر في يد القاضي ذي الوزارتين إسماعيل بن عباد، ثم لما مرض ندب الأمر من بعده لابنه أبي القاسم محمد ليشغل القضاء، واقتصر هو على تدبير الرأي في إِشْبِيلِيَة، وظلَّ كذلك إلى أن أتاه أجله سنة 414هـ[13].
القاضي أبو القاسم محمد بن إسماعيل بن عباد
هو المؤسس الفعلي لدولة بني عباد، أبو القاسم محمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن قريش بن عباد بن عمرو بن أسلم بن عمرو بن عطاف[14].
كان سلطان الحموديين في ذلك الوقت يتردَّد بين قُرْطُبَة وإِشْبِيلِيَة، فلما قُتل علي بن حمود في أواخر سنة 408هـ تولَّى الخلافة من بعده أخوه القاسم بن حمود، وبعد سلسلة من الصراعات الداخلية على السلطة بين القاسم بن حمود وابن أخيه يحيى بن علي، ترك القاسم بن حمود قُرْطُبَة وقصد إِشْبِيلِيَة سنة 412هـ، وهناك بُويع له وتلقَّب بالمستعلي، ثم عاد ثانية إلى قُرْطُبَة في ذي الحجة سنة 413هـ، وجُدِّدَتْ له البيعة. وكان القاسم بن حمود وهو في إِشْبِيلِيَة قد قَدَّم القاضي ابن عباد على قضاء إِشْبِيلِيَة[15]، وكان القاضي ابن عباد يشعر من جانبه أن استمرار سلطان الحموديين يُهَدِّد رئاستهم ويُنذر بالقضاء عليها، فلمَّا استدعى المستعلي ليتولى الخلافة ثانية في قُرْطُبَة، اجتمع رأي أهل إِشْبِيلِيَة على ثلاثة من الزعماء؛ هم: القاضي أبو القاسم محمد بن إسماعيل، والفقيه أبو عبد الله الزبيدي، والوزير أبو محمد عبد الله ابن مريم، فكانوا يحكمون في النهار بالقصر، وتنفذ الكتب تحت أختامهم الثلاثة، إلا أن القاضي ابن عباد استطاع أن ينفرد بالسلطة لنفسه.
ثم حدث أن ثار أهل قُرْطُبَة على القاسم بن حمود ففرَّ إلى إِشْبِيلِيَة وطلب فتح أبوابها له، إلا أن زعماء المدينة وعلى رأسهم القاضي أبو القاسم ابن عباد اتفقوا على إغلاق أبوابها، وأخرجوا وَلَدَ القاسم المستعلي ومَنْ فيها من أهله، واتَّفق أهل إِشْبِيلِيَة اتِّقاء عدوان القاسم المستعلي على أن يُؤَدُّوا له قدرًا من المال وينصرف عنهم، وتكون له الخطبة والدعوة ولا يدخل بلدهم، ولكن يُقَدِّم عليهم مَنْ يحكمهم ويفصل بينهم، فقدَّم عليهم القاضي ابن عباد، وبذلك انفرد ابن عباد بإِشْبِيلِيَة، وأصبحت رئاسته عليها شرعية وفعلية[16].
وبعد أن أصبحت إِشْبِيلِيَة ولاية شرعية للقاضي أبي القاسم بن عباد؛ فهو قاضيها وحاكمها معًا، راح يسعى لتوطيد حُكمه وتوسيعه، وهذا لا يكون إلا بحاشية مخلصة له وبجنود يتفانون في خدمته والدفاع عنه؛ فأكثر من شراء الرجال الأحرار والعبيد، واقتناء أنواع السلاح والعُدَّة والعتاد، إلى أن ساوى ملوك الطوائف، وزاد على أكثرهم بكثافة سلطانه وقوة جيشه وعتاده، ولم يكن القاضي ابن عباد على غفلة من تدبير الحموديين والبرابرة ضدَّه؛ فهو يعلم تربُّصهم به، وطموحهم في امتلاك إِشْبِيلِيَة ثانية، كما أن طموح القاضي أبي القاسم بن عباد لم تكن على حدود إِشْبِيلِيَة فقط؛ بل اتجه للتوسُّع خارج حدود مملكته ناحية الغرب؛ للارتباط الإقليمي بين إِشْبِيلِيَة وغرب الأندلس، إضافة إلى خلوِّها من المنافسين الأقوياء[17].
ظهور الخليفة هشام المؤيد
وكان من أشهر أعمال القاضي أبي القاسم بن عباد أثناء ولايته إعلانه ظهور الخليفة هشام المؤيد، وتجديد البيعة له خليفة بإِشْبِيلِيَة، وأنه قد عثر عليه حيًّا وذلك سنة (426هـ=1035م)، ولم تكن هذه الخطوة التي خطاها القاضي ابن عباد عبثًا؛ فهو كان يرمي من ناحية إلى دحض دعوى الحموديين بالخلافة؛ وذلك بظهور الخليفة الشرعي، ومن ناحية أخرى يُريد أن يُضفي الشرعية على حُكمه وتدبيره وتوسعاته خارج حدود إِشْبِيلِيَة؛ فهو يتوسَّع بأمر الخليفة الشرعي للأندلس كلها.
وقصة هشام المؤيد هذا يكتنفها الغموض، وتضاربت الروايات في شأنه واختلفت في تحديد مصيره، والروايات الأندلسية يظهر منها أن القاضي ابن عباد أظهر شخصًا زعم أنه هشام المؤيد، وتُظهر الروايات أن هذا الرجل يُشبه هشامًا المؤيد شبهًا كبيرًا، وأنَّ هذا الدعيَّ كان اسمه خلف الحصري، وتذكر الروايات أن هشامًا المؤيد لما فرَّ من الفتنة كتم أمره، واستقرَّ بقرية من قرى إِشْبِيلِيَة، وعمل مؤذِّنًا بأحد مساجدها، ولما وصل أمره إلى القاضي ابن عباد جمع ولده وخاصَّته وخدمه وعبيده، وقَبَّلُوا الأرض بين يديه، وألبسوه لباس الخلافة، وخُوطب بالخلافة، وبايعه الناس، ونودي في المدينة: يا أهل إِشْبِيلِيَة؛ اشكروا الله على ما أنعم به عليكم؛ فهذا مولاكم أمير المؤمنين هشام قد صرفه الله عليكم، وجعل الخلافة ببلدكم؛ لمكانه فيكم، ونقلها من قُرْطُبَة إليكم، فاشكروا الله على ذلك[18].
وبعد أن أخذ القاضي ابن عباد البيعة لهشام بإِشْبِيلِيَة بعث بالكُتب إلى أنحاء الأندلس لأخذ البيعة للخليفة الشرعي للبلاد، فلم يعترف به أحدٌ سوى الوزير أبي الحزم بن جهور، مع علمه بكذب دعوى ابن عباد، ولكن بيعته كانت لغرض الدنيا ودفع دعوى الحموديين في الخلافة ومطامعهم في أملاكها على نحو ما ذكرنا سابقًا[19].
وبهذا قامت دولة بني عباد بإِشْبِيلِيَة، والذي يُعَدُّ القاضي أبو القاسم محمد بن إسماعيل بن عباد هو المؤسس الحقيقي لها، والتي كان لها شأن كبير بين ملوك الطوائف في الأندلس، وقد عظم مُلْك ابن عباد وقويت شوكته إلى أن تُوُفِّيَ سنة (433هـ=1042م).
وللقاضي ابن عباد مقطوعة شعرية تشير إلى رغبة قديمة في الحكم، تقول: [الطويل]
وَلا بُدَّ يَوْمًا أَنْ أَسُودَ عَلَى الْوَرَى *** وَلَوْ رُدَّ عَمْرٌو للزَّمَانِ وَعَامِرُ
فَمَا الْمَجْدُ إِلاَّ فِي ضُلُوعِيَ كَامِنٌ *** وَلا الْجُودُ إِلاَّ مِنْ يَمِينِيَ ثَائِرُ
فَجَيْشُ الْعُلا مَا بَيْنَ جَنْبِيَ جَائِلٌ *** وَبَحْرُ النَّدَى مَا بَيْنَ كَفِّيَ زَاخِرُ[20]
[1] علا كعبهم؛ أي: ازدادوا علوًّا وشرفًا وظَفَرًا وحظًّا. ابن منظور: لسان العرب، مادة كعب 1/717، والمعجم الوسيط 2/790.
[2] ابن الأبار: الحلة السيراء، 2/34، 35، وابن عذاري: البيان المغرب 3/193، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص152، ومحمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/23-33.
[3] في حاشية الحلة السيراء كتب ما يلي: في الأصل:
من بني المنذر بن ماء السماء وهو انتساب زاد في فخره بنو عباد
وهو واضح الانكسار، وقد صوبه دوزي على هذا النحو, وهو صحيح.
[4] ابن الأبار: الحلة السيراء، 2/35.
[5] ابن عذاري: البيان المغرب 3/193، 194، ولسان الدين ابن الخطيب: أعمال الأعلام ص152.
[6] اقتعد: ركب واتخذها قعودًا له. الجوهري: الصحاح، باب الدال فصل القاف 2/525، وابن منظور: لسان العرب، مادة قعد 3/357، والمعجم الوسيط 2/748.
[7] العِرِّيسة: الشجر الملتف يكون مأوى للأسد. الجوهري: الصحاح، باب السين فصل العين 3/948، وابن منظور: لسان العرب، مادة عرس 6/134، والمعجم الوسيط 2/592.
[8] العَوْدُ: الجمل المُسِنُّ وفيه بقية، وفي المثل: زاحِمْ بعَوْد أو دَعْ. أَي: استعن على حربك بأهل السنِّ والمعرفة؛ فإنَّ رأي الشيخ خير من مَشْهَدِ الغلام. الجوهري: الصحاح، باب الدال فصل العين 2/514، وابن منظور: لسان العرب، مادة عود 3/315، وانظر: أبو الفضل أحمد بن محمد الميداني: مجمع الأمثال 1/320.
[9] الفتح بن خاقان الإشبيلي: مطمح الأنفس ومسرح التأنس في ملح أهل الأندلس 1/22، 23.
[10] ابن عذاري: البيان المغرب 3/194.
[11] ابن الأبار: الحلة السيراء، 2/35، 36.
[12] ابن عذاري: البيان المغرب 3/194، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص152.
[13] ابن عذاري: البيان المغرب 3/194، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص152.
[14] ابن الأبار: الحلة السيراء 2/34، وابن عذاري: البيان المغرب 3/198، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص153.
[15] ابن الأبار: الحلة السيراء 2/36، وابن عذاري: البيان المغرب 3/195، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص153.
[16] الحميدي: جذوة المقتبس 1/24-32، وابن بسام: الذخيرة 1/481-485، وابن الأبار: الحلة السيراء 2/36، وابن عذاري: البيان المغرب 3/195، 196، 314، 315، ولسان الدين ابن الخطيب: أعمال الأعلام ص133، 153، والمقري: نفح الطيب 1/432، وعنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/33، 34.
[17] ابن بسام: الذخيرة 3/15، 16، وابن الأبار: الحلة السيراء 2/37، 38، وابن عذاري: البيان المغرب 3/196، 197، ولسان الدين ابن الخطيب: أعمال الأعلام ص153، وعنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/35.
[18] ابن عذاري: البيان المغرب 3/197-200، ولسان الدين ابن الخطيب: أعمال الأعلام ص154.
[19] ابن عذاري: البيان المغرب 3/198-201.
[20] ابن الأبار: الحلة السيراء 2/38.
مدار الساعة: وكالة اخبارية مساحتها الكلمة الصادقة
مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/15 الساعة 15:12