كتب النائب السابق علي السنيد:
من اهم مظاهر العمل الديموقراطي صيانة حرية التعبير ، وان لا يتهم احد او يجرم بناء على رأيه، وهذا يقتضي ان يكون رجال الحكم حراس أمناء لهذه الحرية، ومدافعين اشاوس عنها مهما بلغت، حتى وان طالتهم بنقدها المبرح، وتعرضوا الى نقمتها ، واصطلوا بلهيب نارها الى ان تنضج الحريات من خلال الممارسة الحرة، وليس تحت طائلة الاعتقال الذي يؤجج الصراع السياسي في المجتمع، ويصبح اكثر حدة، ويمنع التطور الطبيعي لممارسة الحريات العامة . ولذلك فرجال الحكم المستقبليون هم الأكثر انفتاحا على الرأي العام، واحتراما لحرية التعبير.
وان فتح المجال لكافة الآراء لان تأخذ طريقها الى الرأي العام يجعله اكثر انفتاحا، ونضجا، ومتسامحا في نهاية المطاف، ومقيما منصفا مع مرور الزمن لما هو اكثر تناسبا مع المنطق والواقع، ويصبح القبول الشعبي هو معيار استمرار الأفكار من عدمه . اما قمع الآراء وتحويلها الى قضية امنية فهذا يعطيها بعدا رمزيا ، و تأخذ حيزا في الواقع المعاش هذا بغض النظر عن مدى صلاحيتها، وإمكانية تطبيقها على ارض هذا الواقع.
ولذا من المصلحة العامة ان تترك الآراء ترد على الآراء، وان يصبح المجتمع مفتوحا على كل رأي، وان لا تصادر حرية احد مهما بلغ رأيه، وان تكون مؤسسات الدولة شفافة، وان تتاح المعلومة للرأي العام من خلال الاعلام ، وعندما يترافق ذلك مع عملية ديموقراطية صحيحة تنبني مع عقل المجتمع وتطوره السياسي، وبما يمكن الاردنيين من التعبير الاسمى عن ارادتهم الحرة في أي انتخابات تجرى على ارض المملكة يفرز الشعب عند ذلك ممثليه الحقيقيين الى المؤسسات الدستورية، ويصبحون المعبرين دستوريا عن إرادة الشعب، والأكثر مصداقية لدى الرأي العام.
والأردنيون يميلون بطبعهم الى التوازن، ولا يتطرفون في فهمهم وحياتهم العامة ، ولكن الضغوط التي كانوا عرضة لها باستمرار في السنوات الأخيرة في مجال العمل العام، ومنعهم من التعبير الحر عن ارادتهم الوطنية في اكثر من انتخابات ، والتي ترافقت مع أوضاع معيشية صعبة نجمت عن قصور غالبية الحكومات في أداء مهام ومتطلبات عملية الحكم الجسام، ولكون غالبية الحكومات مارست الحكم بطريقة فوقية ولم تنزل الى الشارع و تصل الى الناس واوجاعهم واولوياتهم الحقيقية، ولم تستطع الرد على استفساراتهم وما يشغلهم وطنيا، وكل ذلك أدى الى تصاعد وحدة في خطاب العامة بات يلمسه كل من يتابع وسائل التواصل الاجتماعي، وبدأنا نفقد سمة الوداعة والبساطة في سجايا الانسان الأردني الذي بدا صاخبا ومتوترا في مزاجه العام، وكانت الحكومات التي فشلت في التواصل مع الأردنيين، وامتلاك الالية المناسبة في مخاطبتهم وحكمهم تستنزف من رصيدهم الوطني، وتقطع بكل قسوة أواصر الرابط المقدس مع وطنهم.
والفراغ الذي حدث في التمثيل، وفشل التمثيل لاكثر من مرة يملأه اليوم التصاعد في حرية التعبير، وهذا اذا روعي التصرف السليم في التعامل معه يمنع انفجار القاعدة الشعبية، ويتعامل مرحليا مع الظرف السياسي الى ان تحكمنا رؤية وطنية اكثر حصافة في التعامل مع متطلبات واقع الأردنيين وظروفهم الراهنة. والدولة التي تضيق بالرأي العام تكون بنيتها السياسية هشة، وهي تخالف تطورات الزمن.
ولذلك فان حماية حرية التعبير واجب وطني، وحق دستوري، ويجب ان تتظافر جهود مؤسسات الدولة جميعها لإنجاحه، وعدم المساس به، وان تفزر الدولة رجالاتها على أساس من احترام حرية الأردنيين في التعبير عن ارادتهم الحرة، وكل من يضيق بالرأي، ولا يتسع للاخر لا يخدم الدولة في هذه المرحلة الخطرة.
والدولة كلما انفتحت، وكانت مرنة، وتمكنت من استيعاب كل الآراء، وسمحت للاعلام للعمل بكل حرية ، وفتحت الافاق امام مواطنيها كلما امتصت ازماتها ، وكانت اقدر على المرور من بين الألغام، وتطورات الاحداث.
والأكثر قدرة على التعامل مع متطلبات المستقبل الملحة هو اتاحة المجال للناس للتعبير عن ارادتهم الحرة، وتطلعاتهم الوطنية من خلال ممثليهم في البرلمان، وان تصبح الأغلبية البرلمانية برامجية، وليست اغلبية تصويتية، وبالتالي تحقيق متطلب الحكومات البرلمانية الذي يمثل الحل ليكون الشعب مسؤولا عن سياسات هذه الحكومات بحكم مسؤوليته عن انتخاب نوابه. ولعلنا نضع قدمنا على اول الطريق في الديموقراطية التي هي نظام حكم متكامل، وليست مظاهر او رتوش ذلك النظام.