أبرز ما تعانيه الحكومة اليوم, هو تكلس مفاصل الادارة الوسيطة, مما يعني انقلاب القرار, فبدل ان تستجيب الحكومة او السلطة التنفيذية, لما يأتيها من اسفل, عليها ان تبادر الى معرفة ما يحتاجه المجتمع, وتعمل على تنفيذه, وهذا ارهاق لصانع القرار التنفيذي, الذي بات عليه الانشغال بالتفاصيل الاحتياجية, التي هي من واجبات المعنيين بالتراتبية الادنى, ولذا وجب اعادة الاعتبار الى الجولات الميدانية, التي استهلها رئيس الحكومة الى اقليم الشمال امس, وحتى لا تتحول هذه الجولات الى كرنفالية موسمية, يجب تثقيفها ووضعها في سياقها الاداري والسياسي.
ومن ابسط قواعد التثقيف, ان صناعة القرار السياسي اسرع ان تمت محليا, فعندما ينتشر حراك الحكومة على عدد اكبر من الوحدات الادارية, المحافظات, فإنها تكون اكثر قدرة على اكتشاف مواضع الخلل والاختلال, تحديدا ضعف المسؤولين او الوكلاء المحليين للحكومة في الاطراف, فهم الذين رفعوا منسوب الغضب والاحتقان, اما لعجزهم عن نقل الصورة او لضعفهم في فهمها واما لمحاباة في توزيع الخدمات والعوائد, او لكل ما ذكر, فكل المفاصل تعاني من تكلس.
الاقتراب من الناس يعني ان الحكومة اكثر اهتماما بمصالحهم, ويعني اكثر, انها تجسر فجوة المعرفة بحاجاتهم الضرورية, تلك الفجوة التي عززت انهيار الثقة بسبب انعدام المعرفة, وهذا يجعلها اقدر على المحاسبة والمساءلة, لكل الوكلاء المحليين, مما يرفع مستوى شرعية اية حكومة, ويحسن نوعية الديمقراطية, التي نقف على بعد مسافة قصيرة من اول اختباراتها, فالانتخابات المحلية والبلدية على بعد شهر تقريبا, وجولات الحكومة تعني ان القرار المحلي بات في عين الاهتمام, وهذا سيعزز الاقبال على الصناديق وسيعزز اكثر وصول وكلاء شعبيين محليين لديهم الافق للعمل المجدي.
الاختبار الحقيقي للجولات الميدانية, هو الخطوة التالية, فإذا شاهد الجمهور غدا آليات العمل قد انطلقت في اقليم الشمال, فإن باقي الوحدات الادارية ستنتظر الجولة القادمة, بل ستكون جاهزيتها للجولة اكثر مأمونية من حيث الاستعداد والاستقبال, واذا نجح العقل الحكومي, في زرع فكرة التنافسية بين الوحدات الادارية, بحيث تستقبل السلطة التنفيذية المقترحات بجدية وبعلمية, فإننا سنجعل من الجولات الميدانية, مؤتمرات عامة شعبية تمنح الثقة وتعزز الديمقراطية والشرعية, والتنافسية تأتي من احساس الجمهور بجدية القرار والاستجابة للمقترحات القادمة من القاعدة, فهي الاقدر على تحديد الاحتياجات اذا اجدنا اختيار الوكيل المحلي.
اعمق ازمة محلية اليوم, هي انخفاض الضبط وارتفاع حجم العمليات, ولعل نموذج الكهرباء وانقطاعها, في الفترة السابقة قد كشف هذا الاختلال, فالمؤسسات الخدمية, تعاني من حجم عمليات هائل, وبالمقابل تعيش في بحبوحة من قلة المحاسبة ولعل الانسب انعدام الضبط, فلا محاسبة ولا مساءلة, فنحن لم تحقق ما يسمى في العالم بثقافة المؤسسة, اي منظومة الرقابة والمحاسبة الرسمية؟, التي تجعل من التنافسية بين المؤسسات الرسمية مضبوطة على ايقاع الخدمة الواجبة, وليس على ايقاع الخدمة التفضيلية, اي ان مقدم الخدمة يتفضل على الناس بتقديمها.
نعاني فعلا وقولا من انحسار شرعية خدماتية, ونعاني اكثر من تردي نوعية الديمقراطية الشعبية, وعلى الحكومة ان تسارع في تحسين وتجويد مفاهيم الجولات الميدانية قبيل الانتخابات المحلية والبلدية, حتى ترفع منسوب الامل لدى الناس, ونجعلهم اكثر رغبة في الاقبال على انتخاب وكلائهم, والاهم من ذلك كله, ان نجعلهم موقنين بأنهم سيدفعون ثمن اختياراتهم, فالرغبة والقدرة على تقديم الخدمة متوافرتان لدى السلطة التنفيذية, وعلى الجمهور تجويد خياراته, وهذا هو المقصود بحيوية السلطة التنفيذية.
omarkallab@yahoo.com
الرأي