مدار الساعة - "عقيدة بايدن" هذا الأمر هو الذي تفتقده السياسة الأمريكية خاصة تجاه الشرق الأوسط، وكانت هذه دوماً مشكلة السياسة الأمريكية تجاه المنطقة.
فمن أجل أن نفهم القوى الفعلية التي تصيغ السياسة الخارجية الأمريكية، من المُلزم لنا أن ننحي جانباً الفكرة الفاتنة، والمضللة، التي تقول بأن "عقيدة" من نوعٍ ما تقدِّم دليلاً مفيداً لتفسير قرارات أي رئيسٍ أمريكيٍ أو أية إدارةٍ أمريكيةٍ، أو للتنبؤ بهذه القرارات، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
يقول الموقع: "لنضرب مثالاً بـ(عقيدة أوباما). فهذه العقيدة التي صيغت استناداً إلى التأملات التي وردت على ذهن رئيسٍ يكافح لإضفاء مسحة منطقية على ردود أفعاله تجاه ثورات الربيع العربي في 2011، ما هي إلا فكرة خيالية تطرح قصةً ذات أثرٍ رجعيٍ لقراراته التي اتُّخذ جانبٌ كبيرٌ منها بصورة ارتجالية، بل اتُخذِّت أحياناً بسرعة أثناء الانشغال بأمورٍ أخرى".
عقيدة بايدن في الشرق الأوسط تعتمد على الارتجال
التحديات التي تواجه الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط تتضمن الاتفاق النووي مع إيران والحرب المستعرة في اليمن وقضايا حقوق الإنسان والجمود في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ولكن يتواصل منطق الارتجال في عهد بايدن مثل عهدي أوباما وترامب. فالنهج الذي تتبعه إدارة بايدن في تعاملها مع إيران أو أمن الخليج أو قضية الديمقراطية أو "عملية السلام" بين فلسطين وإسرائيل، لا يمكن أن يُعزى إلى عقيدة من نوعٍ ما، ولا يمكن أن يُعزى حتى إلى "استراتيجية" من نوع ما، وهي أشبه شيء بالعقيدة.
ولمّا كان مستشارو بايدن في مواجهة أحداثٍ مفاجئةٍ، ومجموعةٍ لا تُعد ولا تُحصى من الأطراف العالمية والإقليمية المتشابكة تشابكاً متزايداً، وصعوبات السياسة المحلية والسياسات البيروقراطية التي لا حصر لها، اتَّبَع هؤلاء المستشارون التقليدَ المُتّبعَ منذ عهدٍ طويلٍ المتمثل في التخبط وحسب.
تأكدت هذه النقطة من خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس بايدن في 19 يناير/كانون الثاني، والذي انطوى على رواية واضحة (وإن كانت بالأحرى غير مقنعة سياسياً) للجهود التي يبذلها البيت الأبيض لإدارة أزمة أوكرانيا: وهو موقف دق ناقوس الخطر في عديد من العواصم الأجنبية، لكنه وجد ترحيباً بكل تأكيد في العاصمة الروسية موسكو.
كيف يرى المثقفون العرب سياسة بايدن تجاه المنطقة؟
وفي كفاحهم من أجل التعامل مع هذه الصورة الفوضوية، جادل بعض المثقفين العرب بأن سياسات الإدارة مدفوعةٌ بإدراكٍ للاختبارات الجيوسياسية الجديدة والناشئة، التي تأتي الصين على رأسها.
بالنسبة للمثقفين العرب يصعب سبر أغوار الفكرة التي تفيد بأن قوةً عظمى لا تزال قوية، لكنها آخذة في التدهور، تتصارع (وأحياناً تتعثر) مع تحديات يومية.
بيد أن الإمساك بزمام الأمور كلها فيما يتعلق باستيعاب ما يمكن أن يسمى "لا عقيدة" بايدن، يحتاج إلى إدراك أن الأصوب بالتأكيد هو عقلنة التوقعات وخفض سقفها فيما يتعلق بالدوافع المفترضة، والخطط، والأهداف التي تحرك سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
بايدن منشغل بالصين وكافأ خصوم أمريكا بالشرق الأوسط
بينما كان المحللون العرب يتأملون السنة الأولى لبايدن في منصب رئيس الولايات المتحدة، فإنهم قدّموا مجموعةً من التأويلات، تبرز اثنتان منها، من خلال ترديد شواغل الوضع الراهن فيما يتعلق بالسعودية والإمارات وإسرائيل ومصر.
تقول المجموعة الأولى من هذه التأملات إن سياسات إدارة بايدن تعكس تمحوراً استراتيجياً متعمداً حول آسيا، والصين على وجه الخصوص. وتوضح أن هذا التغيير كافأ مثيري الشغب الإقليميين، مثل سوريا وإيران (ووكلائهما) وفي الوقت ذاته عاقب أصدقاء واشنطن في الشرق الأوسط.
أما المجموعة الثانية من هذه التأملات، فإنها تفسر سياسات أو عقيدة بايدن بايدن تجاه المنطقة من خلال الحديث عن بروز نوعٍ جديدٍ من عقلية الحرب الباردة التي تركز على الصين. لكن هذه المجموعة ترى أن ما يحدث تحريفٌ خطيرٌ أو متشائمٌ للانقسامات الجيوسياسية المتحولة في الساحة العالمية، وهو تحريفٌ يشتت الانتباه عما هو في واقع الأمر سياسة انعزالية أمريكية جديدة مدفوعة في الأصل بالصعوبات والتحديات السياسية والاقتصادية داخل الولايات المتحدة.
تقترح هذه الرؤية أن أفضل خدمة يمكن أن يحصل عليها الشرق الأوسط هي اهتمام أقل، وليس أكثر، من واشنطن.
أمريكا لن تستطيع ممارسة منهجها ضد الاتحاد السوفييتي مع الصين
انطلق المنظور المؤيد للوضع الراهن في سلسلة من المقالات التي نُشرت في مؤسسة الأهرام الصحفية في القاهرة. يجادل الكاتب طارق عثمان بأن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان بشَّر بالفكرة الرئيسية المُحركة لسياسة بايدن الخارجية، التي تقول على وجه التحديد بأن خوض "الحروب بدون سبب واضح وبلا نهايات واضحة صار شيئاً من الماضي". كان لا بد لهذه السياسة، المصممة من أجل "نظام عالمي جديد"، أن تؤدي إلى انكماش القوات العسكرية الأمريكية في أوروبا، بل حتى إلى "اختفائها" من الشرق الأوسط. إذ إن فك الارتباط بـ"غالبية الملفات التي لا تحمل تداعيات دولية" يتضح في عملية مستمرة منذ عقدٍ من الزمان غيرت خلالها الولايات المتحدة "تمركزها الاستراتيجي" في شرق آسيا، التي تجسد "المسرح الذي سوف يشهد أول مرحلة من مواجهتها الاستراتيجية مع الصين".
يضيف عثمان أن هذا التغيير "يختلف كثيراً عن أي شيء شهدته الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة". ويوضح أنه مختلفٌ لأن "التدهور داخل الولايات المتحدة" مثلما يوجد في يومنا الحالي يعني أنها لا تستطيع جمع الموارد التي حشدتها لهزيمة الاتحاد السوفييتي.
ومع ذلك، يقول إن إدارة بايدن لا تريد تتبع سياسة "الاشتباك" مع الصين لإدارة الوضع الراهن فحسب، بل إنها تسعى وراء استراتيجية "رابحة" لقمع "بعض من النجاحات التي حققتها الصين بالفعل" في أجزاء من المحيط الهادئ. ويردف قائلاً إن "درجة شدة المواجهة الاستراتيجية الأمريكية الصينية" التي أسفرت عنها هذه السياسة سوف تتحدد بدرجة كبيرة من خلال "حسابات الصين وطريقتها في إدارة العملية".
وفي مزيد من الإسهاب حول هذا الموضوع بعد أسبوع، وتحديداً في مقال نُشر في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، سلَّط عثمان الضوء على التوتر بين المصالح الاقتصادية العالمية للصين وبين نهج المعاملات الذي كانت تستخدمه على مدى العقد الماضي مع فكرة بكين الكبرى التي تهدف للصعود والآخذ في التوسع والمدفوع بالأيديولوجية.
ويختتم قائلاً إن قوة الدفع التي ستسود من بين هاتين القوتين العظميين قد يعتمد تحديدها على الطريقة التي ستتخذ بها البلاد الأخرى- وليس أقلها أهمية اليابان والهند- موقعها بين الولايات المتحدة وخصمها الصيني ذي الطموح المتزايد.
عقيدة بايدن
كتب عثمان مقالته الثانية بعد حوالي أسبوعين من القمة الافتراضية بين بايدن والرئيس الصيني شي جين بينغ. يتخذ حسين هريدي نظرة أقل تشاؤماً في مقاله الذي كتبه في موقع الأهرام الإنجليزي. وذكر في المقال أن بايدن أكد خلال حديثه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2021، أن الولايات المتحدة لا تسعى لخوض حرب باردة أخرى مع الصين، وجادل هريدي بأن هذه "الروح" البراغماتية سادت على ما يبدو خلال قمة نوفمبر/تشرين الثاني التي جمعت بايدن وشي. ومع ذلك، أشار إلى أنه في تقرير نُشر قبل الاجتماع، قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إن الصين تواصل "تنميتها الشاملة، بما في ذلك النمو الاقتصادي وتعزيز قواتها المسلحة، والاضطلاع بدورٍ أكثر حزماً في الشؤون العالمية".
واستدعى تقرير البنتاغون استجابةً من القادة السياسيين الأمريكيين مثل النائب الجمهوري مايك روجرز، العضو البارز في لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأمريكي. قال روجرز إن "الصين تشكل تهديداً حقيقياً ووشيكاً". وسواء كان يبالغ أم لا، يقول هريدي إن هذا التصريح يبين أن "السلام والأمن الدولي خلال نصف القرن القادم" سوف يعتمد على مسار العلاقات الأمريكية الصينية.
تأتي الرؤيتان الواردتان في السطور السابقة حول الصين على النقيض من الجدلية الأكثر إثارة للحذر لكنها وجيهة، التي عبر عنها الكاتب حازم صاغية في مقاله المنشور في النسخة الإنجليزية من صحيفة الشرق الأوسط. إذ يعرب عن خوفه من أن التنافس بين الأيديولوجية ومصالح الدولة (ولا سيما في المجال الاقتصادي)، مقترناً بالاندفاع الشمولي لرئيس الصين وحلفائه السياسيين المحليين، سوف يستأصل أي أثر للحرية داخل البلاد، وفي الوقت ذاته سيضع الصين على طريق مواجهةٍ كبرى مع الغرب.
إنها تتجه للانعزالية الجديدة
في مقاله الذي يعلق خلاله على أول سنة لبايدن في منصب الرئيس، يدّعي الكاتب الصحفي المصري عبد الحليم قنديل قائلاً: "تَشَكَّل وعي بايدن وإدراكه وتاريخه في عالم ما بعد الحرب (العالمية) الثانية، الذي نجحت واشنطن في كسب معركته بإرهاق وسقوط الاتحاد السوفييتي السابق".
ويفترض أن هذه الخبرات تشكل عبئاً على كاهل الرئيس الجديد لأن واقع الأمر يشير إلى أن النصر الذي حققته الولايات المتحدة إبان الحرب الباردة "لا يبدو ممكناً تكراره مع الصين وروسيا المتحالفتين المتكاملتين"، إذ إن "الصين الزاحفة اقتصادياً وتكنولوجياً ذاهبة إلى القمة بسرعة هائلة"، وهو ما يخلق حقائق عالمية جديدة "أهمها أن أمريكا لم تعُد في وضع القوة العظمى الوحيدة، ولا حتى في وضع القوة العظمى الأولى".
ولذا يحذر قنديل قائلاً إن إدارة بايدن لا ينبغي لها اللجوء إلى الحيل البالية ذاتها، كالتظاهر "بزعامة ما تسميه (العالم الحر) وترميم الشروخ المتسعة عبر الأطلنطى مع الاتحاد الأوروبى، وعقد قمم كاريكاتيرية تحت عناوين الديمقراطية وحقوق الإنسان".
وتواصل دعم المستبدين العرب
عرض مروان بشارة نقاشاً مشابهاً. إذ قال إن بايدن برغم "شغفه بالديمقراطية وحقوق الإنسان وتصميمه عليهما"، فقد واصل "استرضاء حكام ديكتاتوريين مثل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي". لكن التناقضات الكامنة في السياسة الخارجية الأمريكية ليست مقصورة على الشرق الأوسط. برغم كل الأحاديث حول التعددية والمشورة، تشير تحركات الإدارة في أفغانستان ومناطق أخرى إلى "عدم اكتراثٍ تجاه أوروبا" وينعكس ذلك الآن في اتساع الفجوة "بين الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين حول كيفية التعامل مع روسيا".
ومع ذلك، حتى إذا كان بايدن يتمسك بـ"عقلية الحرب الباردة" من خلال "تأطير تنافس القوى العظمى الحالي بأنه تنافس بين الديمقراطية والاستبدادية"، يؤكد بشارة أن الصين وروسيا "على عكس الاتحاد السوفييتي تعدان جزءاً لا يتجزأ من النظام العالمي الحالي المُشيد في الغرب". ويستنتج أنه من المؤكد أن ما تريده إدارة بايدن لا يختلف عما يريده خصومها: السعي وراء مصالحهم الذاتية. ومن ثم فإن بايدن لا يختلف كثيراً عن سلفه في منصب الرئيس دونالد ترامب. ويضيف أن "التزامه بجعل أمريكا أكثر موثوقية واحتراماً حول العالم فشل فشلاً ذريعاً مثل التزام ترامب بـ(جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى)".
نتائج الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط ظهرت في الحسكة
إن هذه الصور المتناقضة للسياسة العالمية الأمريكية وارتباطها بحقائق الشرق الأوسط تشير إلى استنتاجاتٍ سياسيةٍ مختلفةٍ للغاية. تجادل المجموعة المؤيدة للوضع الراهن بأن التركيز المفترض للولايات المتحدة على الصين (إن لم يكن هوساً) لم يقتصر أثره على جعل إدارة بايدن تتجاهل أصدقاءها في المنطقة، بل جعلها تضر مصالحها الذاتية ضرراً بالغاً.
ولذلك تجادل الكاتبة والباحثة السياسية دانيا قليلات الخطيب بأن انسحاب الولايات المتحدة "من الشؤون العالمية، ولا سيما من منطقة الخليج"، أنتج سياسة "صراع مُجمَّد" فتحت الباب أمام تصعيد الصراع بين أطراف متعددة تسعى لملء الفراغ، مما ينتج "سياسة فوضى". وتذكر أن أحدث مثال على هذه الديناميكية كان الهجوم الذي نفذه تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في 20 يناير/كانون الثاني ضد السجن الذي يحرسه الأكراد في مدينة الحسكة بسوريا.
وتشير إلى أن هذه الأحداث عندما تقع، فإن المرء قد يتوقع عادةً أن السياسات يمكن أن "تُعطَّل وتُعدَّل". صحيحٌ أنه ليس هناك تأكيد على أن هجوم الحسكة سوف يزعزع تفضيلات الإدارة لسياسات الوضع الراهن في الشرق الأوسط، فإنها تستنتج برغم ذلك أن "الولايات المتحدة سوف تتحرك عند نقطة ما".
والإيرانيون يهينون واشنطن
وفي مقال آخر، تجادل دانيا الخطيب بأنه مع "تحرك بؤرة (السياسات العالمية) نحو منطقة أوراسيا، في ظل وجود تحالف روسي صيني محتمل" وبينما تخسر الولايات المتحدة "رويداً رويداً مكانها على المسرح العالمي"، فإن طهران وموسكو تستشعران بحركة الرياح خلف شراعاتهما. ولذلك في المفاوضات النووية في فيينا يرفض الإيرانيون "التحدث مباشرة إلى واشنطن. فكم هذا مهين؟" وتوضح دانيا أنه من أجل معالجة هذا الموقف، ينبغي لإدارة بايدن "أن تبدأ بإظهار التزاماً راسخاً تجاه حلفائها وحزماً عندما تواجه خصومها".
وبالمثل، تسأل الصحفية والمحللة السياسية اللبنانية بارعة علم الدين إذا كانت واشنطن "مستعدة لما يتطلبه الأمر للتعامل مع احتمالية إحراز طهران تقدماً في القدرات النووية؟". وفي ظل التقارير التي تشير إلى وجود "ارتباك أمريكي سياسي شامل في حال فشل المفاوضات"، تشك بارعة في أن البيت الأبيض سوف يخرج من ضبابية السياسة الخارجية هذه من خلال إرسال إشارات بوجود استعداد موثوق لاستخدام القوة العسكرية.
تكمن أوجه الضعف الرئيسية في التحليلات الواردة أعلاه في أنها بينما تسلط الضوء على التحولات الدراماتيكية التي تتكشف في الساحة الدولية، فإنها تلمح إلى أن الولايات المتحدة لا تزال تحتفظ بالموارد العسكرية والاقتصادية الضرورية لتشكيل السياسات العالمية. وعلى النقيض من هذا، فإن هؤلاء المحللين الذين يرون أن ارتكاز الولايات المتحدة حول عقلية "الحرب الباردة" في آسيا ليس إلا انعزاليةً جديدةً في ثوب التعددية، لا يصدقون هم أنفسهم أن بايدن لديه الوسائل- أو حتى الرغبة- في "إعادة أمريكا".
وفي كل الأحوال، فإن الاتهامات الخانقة لإدارة بايدن التي يعرضها المحللون الرافضون للوضع الراهن لا تطرح طريقة واضحة أو بسيطة للسياسة الخارجية الأمريكية.
دوافع سياسة إدارة بايدن تجاه المنطقة
تحمل التحليلات السابقة فرضيةً تفيد بأن البيت الأبيض تحت إدارة بايدن يستدل بفكرة جامعة، وهي على وجه التحديد تقول بأن التغيرات في النظام العالمي تتطلب إعادة تنسيق السياسة الخارجية الأمريكية. ينتقد البعض هذه التغيرات ويملؤهم الأمل بأن الولايات المتحدة سوف تستيقظ، فيما يبدو آخرون غير متأكدين مما إذا كانت البلاد قادرة على فعل شيء أو إذا كانت ينبغي لها ذلك.
وغذّت إدارة بايدن فرضية عملية التغيير في السياسة الأمريكية هذه. بدءاً من الرئيس ووصولاً إلى مرؤوسيه، فإن التصريحات الرسمية حول السياسة تعرض بوضوح ما أطلق عليها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن "سياسة خارجية من أجل الشعب الأمريكي" تربط التحديات الدخلية باستراتيجية مشاركةٍ- يمكن أن تكون ذات قيادة أمريكية- بعد إعادة تنشيطها.
ويدعي أن هذه الاستراتيجية تأتي استجابةً للحقيقة التي تقول إن "عديداً من البلاد تقدم إلينا نحن الولايات المتحدة تحديات خطيرة، بما في ذلك روسيا وإيران وكوريا الشمالية"، وتركز في الوقت ذاته على "التحدي الذي تشكله الصين، الذي يعد مختلفاً".
ويضيف أن الصين، لأسباب وجيهة، تعد "البلد الوحيد الذي يملك القوة لفرض تحدٍّ خطير أمام جميع القواعد والقيم والعلاقات التي تجعل العالم يعمل بالطريقة التي نريده أن يعمل بها، لأن هذه الطريقة تخدم في نهاية المطاف مصالح الشعب الأمريكي وتعكس قِيَمَه". ولذا فإن الصراع مع الصين هو صراع من أجل الطريقة الأمريكية.
الصورة الخاصة بالسياسة الخارجية الأمريكية، تبدو مصممة خصيوصاً إلى نوع ما من إطار العمل الاستراتيجي الذي يُفترض أنه يقود السياسات الأمريكية. لكن التحديات القائمة منذ عهد طويل والناشئة، التي تشكل الدبلوماسية الأمريكية والسياسات الأمنية نادراً ما كانت نتاجاً لعقائد أو استراتيجيات، مهما كانت درجة دقتها أو تعدد أبعادها، فالمقتضيات السياسية الدبلوماسية والبيروقراطية في واشنطن وما هو أبعد منها، تتطلب أفكاراً كبيرة، حتى في ظل تحديها من قبل الحقائق المتغيرة غير الواضحة التي تستند إلى الأسس المتعددة لأي منطقة في العالم.
يرى الموقع الأمريكي أنه "لدى بايدن ومستشاريه رؤية للعالم، وهي رؤية أفضل بكثير من السنوات الأربع التي سبقت قدومهم والتي شهدت فوضى في السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وإن ما يوازن بين الأولويات والقيم المتشبعة هو نوع من اللا عقيدة، التي تفعل ذلك بطرقٍ يمكن أن تكون مفيدة، ويمكن في أوقات أخرى أن تكون محبطة، أو بكل وضوح يمكن أن تكون محرجة فحسب".