مدار الساعة - بينما يراقب العالم العلاقات الروسية الأوكرانية المتوترة، حيث تقف الجارتان على شفا حرب، تساءل البعض عن الأسلحة في "مقبرة الدبابات السوفييتية"، حيث توجد آلاف الدبابات المتبقية من إرث الاتحاد السوفييتي في مدن أوكرانية مختلفة.
إلا أنه عندما اندلع صراع في العام 2014، حينما استغل الكرملين فراغ السلطة في كييف وضمَّ شبه جزيرة القرم ونشب صراع عسكري، كانت أوكرانيا تعاني نقصاً شديداً في الدبابات، مثل الآن، مع التوترات المشتعلة.
السبب في ذلك أن معظم الدبابات المصفوفة بجوار بعضها خارج الخدمة في المخازن وأمام المصانع، فبعضها صدئ وأخرى ممزقة وملتوية، وغيرها نبتت الأشجار والنباتات لتغطيها، لكن عدداً آخر من هذه الدبابات يمثل عموداً فقرياً حالياً للجيش الأوكراني، بفضل الدبابات التي معظمها من طراز T-64s وهو طراز حديث، وذلك لأنها بمثابة مصنع كبير لقطع الغيار.
في أواخر الثمانينات، ومع استمرار الحرب الباردة، كان لدى الاتحاد السوفييتي ما يقدر بنحو 53 ألف دبابة قتال رئيسية، وكان لا يزال بإمكان مصانع الدبابات السوفييتية إنتاج آلاف الدبابات سنوياً حتى أواخر العام 1991، أو عام حل الاتحاد السوفييتي، حتى إن مصنع Malyshev Tank Factory في مدينة خاركوف أنتج وحده 800 دبابة في العام الأخير لاكورونيا السوفييتية.
بعد تفكك الاتحاد السوفييتي كانت أوكرانيا تمتلك بين 5 آلاف إلى 7 آلاف دبابة، ورغم هذا العدد الهائل من الدبابات التي بقيت في أوكرانيا، فإنها لا تملك الآن سوى أعداد محدودة تقدر بين العشرات والمئات.
الدبابات المتبقية من إرث الاتحاد السوفييتي لم تتم صيانتها خلال ما يزيد عن 30 عاماً، كما أكد الخبير العسكري ومدير شركة الاستشارات Defense Express Serhiy Zhurets لصحيفة Kyiv Post الأوكرانية الناطقة بالإنجليزية، وأضاف: "لو خصصت الحكومة أموالاً لصيانة الخزانات كان من الممكن الاحتفاظ بنحو 10 دبابات في حالة جيدة لكن ليس أكثر".
وبالفعل انخفض عدد الدبابات الأوكرانية العاملة في الفترة بين عامي 1995 إلى 2014 من حوالي 5000 إلى حوالي 1100 فقط، فيما قدرت وزارة الدفاع الوطني الكندية خسارة أوكرانيا بحوالي الربع، أو 220 دبابة بحلول أغسطس/آب 2014، سواء تم الاستيلاء عليها أو تدميرها في الحرب بالشرق.
كما أنه بسبب ارتفاع تكاليف الصيانة باعت أوكرانيا أو أوقفت قوتها الكاملة من دبابات T-72 الأكثر حداثة، ما يعني حوالي ألف دبابة تصدأ في مناطق التخزين وربما لا تكون قابلة للاستخدام مرة أخرى. علاوة على ذلك باعت أوكرانيا مئات الدبابات في سوق الأسلحة الدولي، ما جعلها التاسعة بين أكبر مصدّري الأسلحة في العالم بين 2010 إلى 2014.
ولا ننسى هنا الثقافة السوفييتية الراسخة حتى الآن المتمثلة في السرية العسكرية، إذ قال أولكسندر سوشكو، مدير مركز السلام والتحول والسياسة الخارجية، وهي مؤسسة فكرية في كييف لصحيفة Globe and Mail الكندية، إن صادرات الأسلحة كانت الصناعة الأكثر سرية في أوكرانيا، وأضاف: "الجيش أخفى كل الإحصاءات تماماً"، بالإضافة إلى الفساد بين المسؤولين، لذلك لا يوجد جرد موثق لأعداد الدبابات منذ التسعينات.
لكن المسؤولين الأوكرانيين يرفضون وصف "مقبرة الدبابات"، إذ قال نائب مدير مصنع كييف للمركبات المدرعة فولوديمير فورونين لصحيفة Kyiv Post: "ساحة الخردة أو مقبرة الدبابات ليست الكلمات الصحيحة لوصف أماكن تخزين الدبابات، نحن نسميها منطقة لوضع ممتلكات الدولة الزائدة عن الحاجة".
كان عدد الدبابات المتبقية من الاتحاد السوفييتي هائلاً بالنسبة لأوكرانيا المستقلة، التي لم تستطع الاحتفاظ بالعديد من آلات الحرب في حالة جيدة، إذ تكلف صيانة دبابة في حالة الاستعداد للمعركة حوالي 2000 ساعة في اليوم، لأنها تحتاج إلى التزييت والتنظيف بشكل منتظم، لذلك تم اللجوء للحل الأسهل بالتخزين.
لكن هناك مشكلة أخرى أن تخزين بعض الدبابات ليس مؤمّناً بدرجة كافية لمنع بعض الأطفال من القفز من فوق الأسوار واللعب بين آلات الحرب المهجورة، ولا المشردين من الدخول أحياناً بحثاً عن قطع صغيرة يُمكنهم حملها وبيعها كقطع معدنية.
ثم مع بدء حرب 2014، بدأت أوكرانيا تأخذ بعض هياكل الدبابات من مواقع التخزين وتصلحها وتركب لها محركات وأسلحة جديدة، ورغم إمكانية استخدام هياكل الدبابات القديمة فإنها تحتاج إلى عمالة كبيرة، وتكلف الكثير، لدرجة أن بعض المراقبين يعتقدون أن بعض عمليات الإصلاح قد تكون أكثر كلفة من شراء دبابات أخرى.
وقت الحرب أيضاً بدأت بعض مصانع السلاح الأوكرانية إنتاج دبابات جديدة، مثل مصنع الدبابات Malyshev الأوكراني الذي أنتج دبابات Oplot-M، وقدرت أرقام الدبابات المصنعة 25 دبابة، لكن بعض منتجي الأسلحة مثل سيرهي بينكاس، نائب رئيس شركة Ukr Oboronprom رأى في بيع الدبابات الجديدة وتصليح القديمة بمقابلها خطة ذكية، إذ قال: "تصدير دبابات Oplot أكثر كفاءة من استخدامها في الحرب، نظراً لأن سعرها في الخارج 4.9 مليون دولار، ويُمكن إصلاح 10 دبابات من طراز T-64s بهذا المقابل.
توجد أسلحة أخرى تعتمد عليها أوكرانيا على مدارج مطار بوريسبيل الدولي في العاصمة الأوكرانية كييف، حيث توجد أنظمة صواريخ جافلين (FGM-148 Javelin) المضادة للدبابات، والصواريخ المحمولة على الكتف.
هذه الصواريخ هي دعم تحظى به أوكرانيا من بعض الدول الغربية (الولايات المتحدة وبريطانيا ودول البلطيق) التي تدعمها ضد جارتها روسيا، ومن المفترض أن هذه الصواريخ يمكنها مساعدة القوات الأوكرانية على تدمير الدبابات الروسية المتقدمة، كما تقول مجلة Foreign Policy الأمريكية.
كما دعمت الولايات المتحدة أوكرانيا بالمساعدات العسكرية لسنوات عديدة حتى الآن، ومنذ عام 2014 خصصت الولايات المتحدة ما يصل إلى 2.5 مليار دولار للدعم العسكري لأوكرانيا.
وتزود واشنطن كييف بالأسلحة وترسل مدربين لتدريب الجيش الأوكراني. وتلقت أوكرانيا 350 مليون دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية في عامي 2017 و2018، بالإضافة إلى 250 مليون دولار في عام 2019، وكذلك 300 مليون دولار في عام 2020. وبدأت كييف في تلقي أنظمة صواريخ جافلين المضادة للدبابات بعد أن وافقت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على بيع أسلحة فتاكة إلى كييف، بحسب تقرير لوكالة الأنباء الروسية "تاس".
كذلك دعمت بريطانيا أوكرانيا بشحنات من الأسلحة خلال الأسابيع الأخيرة، وتقول مجلة Economist البريطانية، إن في 17 يناير/كانون الثاني 2022، أعلن بين والاس، وزير الدفاع البريطاني، أن المملكة المتحدة قامت بتزويد أوكرانيا بأنظمة أسلحة دفاعية خفيفة مضادة للدروع"، وأظهرت صور من أوكرانيا طائرات النقل البريطانية ممتلئة بالجيل التالي من الصواريخ الخفيفة المضادة للدبابات (NLAW).