مدار الساعة - حددت رسالة جلالة الملك عبدالله الثاني لشعبه، المعالم الرئيسية لتطور البلاد في مختلف مناحي الحياة، وهي تعد توجيها ملكيا لاحداث نقلة نوعية في أداء القطاع العام، الذي يعتبره جلالة الملك، أهم حقول التنمية التي لا تستقيم الحياة بمعزل عنها.
وبين خبراء أردنيون في الشأن الداخلي، أنه على الرغم من تأكيدات الحكومات المتعاقبة منذ العام 1999 على أولوية ملف تطوير القطاع العام واصلاحه، إلا أن هذا المحور عانى من عدم الاستمرارية وتفاوت الأداء.
وكان جلالة الملك عبدالله الثاني وبمناسبة عيد ميلاده الستين، وجّه رسالة إلى أبناء الوطن وبناته تناول فيها ملامح مستقبل الأردن في إطار رؤية وطنية شاملة عابرة للحكومات يشارك فيها الجميع، مؤكدا جلالته، أن هذه الرؤية تتطلب جهوداً مكثفة تبني على مواطن القوة وتعالج نقاط الضعف، في التخطيط والتنفيذ، بما يرفع سوية الأداء في مختلف القطاعات، ويوفر الفرص والخدمات لكل الأردنيين.
المستشار والخبير في الإدارة عبدالله عبيدات، أشار إلى أن الرسالة الملكية تحدّثت عن بعد استراتيجي عميق في الإدارة العامة وهو الرؤية العابرة للحكومات، والنظر الى الأمام بأهداف واضحة ومرسومة.
ولفت عبيدات إلى أن الاردن ينعم بأغلى نعمة وهي الأمن والأمان ليتصدّر وفقا للمؤشرات الدولية المركز السادس عشر عالميا، موضحا أن ذلك شاهد على نجاح المؤسسة العسكرية والأمنية في بناء استراتيجياتها والتخطيط والتنفيذ، وهو ما يرتبط بالفكر الاستراتيجي والتوازن بين مختلف القطاعات، ودقة التنفيذ والانضباط، وتوزيع المهام واعتماد جميع القطاعات باختلاف صنوفها على بعضها اثناء الحركة بشكل دقيق، والتنسيق العالي الذي يتم التدريب عليه في مختلف المناورات والسناريوهات والانضباط في تحقيق المهام الموكلة بدقة.
وقال إن هذا الشكل من العمل في رسم الاستراتيجيات والخطط والتنفيذ هو ما تحتاج اليه مؤسسات القطاع العام، لافتا إلى أن الأردن يعاني من ضعف تنسيق قطاعي بين المؤسسات في نفس القطاع، وأن رسم الاستراتيجيات وخطط التنفيذ أصبحت صورية تنتهي أولوياتها بانتهاء اهتمام المسؤول في مرحلته.
وأضاف: ” أن تحقيق هذا الهدف يتطلب نجاح هذا النهج في الفكر الاستراتيجي من خلال التركيز على تحقيق هدفين إلى ثلاثة أهداف في كل مرحلة، والعمل على السببية والاثر للمؤشر ثم استثمار الفوز للانتقال الى مرحلة أخرى، فبلدنا آمن وهو من أهم عوامل الجذب للاستثمار الخارجي والداخلي في قطاعات تكنولوجيا المعلومات والزراعة والسياحة والطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي”.
وشدد عبيدات كذلك على أن النجاح في تنفيذ الخطط الاستراتيجية وتحقيق الأهداف، يتطلب عاملين حاسمين هما المعلومات والاتصال السريع بين مختلف القطاعات، فضلا عن إيجاد مسرعات تذلل العقبات بعد الكشف عنها باطار تشاركي مع المواطن.
وأوضح أن جميع الإدارات الحكومية أنشأت وحدات لتطوير الأداء المؤسسي، وهو ما يمكنها من القيام بدور نقاط اتصال وتنسيق عال، ومن العمل بشكل افقي مع بعضها كمراكز اتصال وفرق مشتركة لبناء الاستراتيجيات في داخل القطاع الواحد تتبع لجهة مركزية واحدة لمتابعة تقدم مستوى الأداء الحكومي.
ولفت إلى أن المؤسسات الاردنية تكتظ بالعقول النيرة التي تمتلك الكثير من الأفكار والحلول التطويرية في المؤسسات العامة، فلا بد من تأسيس حواضن للابتكار الحكومي، وإيجاد جهة محددة تقدم الدعم والرعاية للموهوبين في القطاع الحكومي، وتتبنى أفكارهم الإبداعية حتى ترى النور.
وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأردني قد أشار في تقرير له عن حالة البلاد 2020 إلى أن القطاع العام يعاني من التضخم سواء في حجم الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية، وهذا له العديد من الاثار السلبية ابرزها: الازدواجية والتداخل في تنفيذ العديد من المهام ضعف التنسيق بين الجهات المعنية، وضعف التكاملية في تحقيق الاهداف القطاعية المشتركة، وأن هناك العديد من الهيئات والمؤسسات تقوم بدورها دون الاعتماد على خطة استراتيجية متكاملة.
من جهته، بين النائب السابق الدكتور هايل ودعان الدعجة، أن الرسالة الملكية تعد تشخيصا للحالة الأردنية وما تعاني من ثغرات ومشاكل، بغية النهوض بالقطاع العام وتطويره.
ولفت إلى أن الرسالة الملكية ابرزت مكامن الخلل ممثلة في ضعف العمل المؤسسي الذي يشوب القطاع الاداري في الدولة، والتلكؤ في تنفيذ الخطط والبرامج والتمترس خلف البيروقراطية واعاقة التغيير وغيرها من الامراض الادارية على حساب اصحاب الكفاءات والمؤهلات العلمية والعملية وعدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
وأشار إلى أن الرسالة أظهرت عددا من الحلول منها ضرورة التخطيط المؤسسي السليم ووضع رؤية وطنية واضحة المنهجية والاهداف، وخطط وبرامج متكاملة وشاملة وتكريس نهج المساءلة والمحاسبة بحق المقصرين في اداء واجباتهم.
وأوضح أن الرسالة أشارت إلى أنه لا مكان لمسؤول يهاب اتخاذ القرار بجرأة وبلا تردد خوفا وهربا من تحمل المسؤولية، في الوقت الذي لا بد فيه من حماية المسؤول الجريء والمجتهد والمبادر، لضمان تحقيق التغيير الايجابي المطلوب والمنشود والانفتاح على الافكار والخبرات والتجارب العالمية.
وقال الدعجة :” إنه من أجل أن نعيد للإدارة الأردنية وهجها وتميزها، فلا بد من توفير قيادات إدارية مؤهلة تتحلى بصفات الشخصية القيادية وتمتلك قدرات ومهارات تمكنها من الاضطلاع بدورها في تحسين أداء القطاع العام وتطويره، وفق آلية تعيين علمية وموضوعية فاعلة، على أن يترافق ذلك الحرص على بناء القدرات القيادية وتطوير الموارد البشرية وتنميتها وعقد البرامج التوعوية والدورات التدريبية وورش العمل المتخصصة في مختلف مجالات تطوير القطاع العام “.
ودعا إلى عدم إغفال ضرورة الزام الوزارات والدوائر الحكومية ومؤسسات القطاع العام من المشاركة في برامج مركز الملك عبد الله الثاني للتميز وجوائزه للنهوض في أدائها، لما لهذا المركز من اهمية ودور في ترسيخ ثقافة التميز ومأسستها في الجهاز الحكومي ، لتحفيزه والارتقاء بأدائه الى مستويات متقدمة وطموحة.
نائب المدير التنفيذي في مركز الملك عبد الله الثاني للتميز المهندس هيثم القعقاع، أشار إلى أن رسالة جلالته تتضمن أسس التميز والتطوير المعتمدة في العالم.
وأوضح القعقاع وهو خبير في التميز وتطوير الاداء الحكومي، أن جلالته ركّز في رسالته على التخطيط والتنفيذ، فليس المطلوب فقط تخطيط لحظي وانما تخطيط قصير ومتوسط وطويل الامد، بحيث يكون هنالك خطط شاملة ونوعية عابرة للحكومات، فضلا عن استكمال الحكومات المتعاقبة الانجاز وفق هذه الخطة باعتبارها المرجعية المعتمدة لعمل الحكومات.
وأضاف، أن جلالته ركز على دور القيادات في اتخاذ القرارات بجرأة ضمن الانظمة والضوابط وإحداث التغيير المطلوب.
وبين أن جلالته قد أشار إلى عدم اقتصار تطوير الخطط على المؤسسات الحكومية، وإنما ستكون باتباع نهج تشاركي مع المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني عند اعداد هذه الخطط لتحقيق النمو الشامل المستدام.
وركز جلالته على الابداع والتميز، فهما يخلقا القيمة المضافة لأي حكومة، ذلك أن الأردنيين لديهم الابتكار والقدرات الفردية التي تمكنهم من تحقيق التطوير المنشود، بحسب القعقاع.
ولفت إلى أن جلالته قد أشار إلى تطوير الخدمات والعمليات التي تتم داخل المؤسسات، مؤكدا على السير نحو حكومة بلا ورق، بحيث يصبح تقديم الخدمات الحكومية بشكل الكتروني مما يرفع من مستوى الحوكمة والشفافية عند تقديمها.
وأكد القعقاع أن رسالة جلالته بمثابة نهج ودليل للمسؤولين، ومرجعية تطويرية عالمية المستوى، اذ شملت اهم محاور التطوير من دور القيادات والاستراتيجية والموارد البشرية والعمليات والخدمات التي تقدم الى المواطن، بلغة واضحة ومبسطة للجميع، وتعتبر من أفضل الممارسات المتعلقة بتحقيق الاداء الحكومي المتميز التي يتم اتباعها في دول مجاورة وعلى المستويين الاقليمي والعالمي.
أستاذ تحليل السياسات الإدارية والمالية العامة في جامعة اليرموك الدكتور رفعت الفاعوري، دعا إلى التركيز على مشروع نهضوي له علاقة بمنظومة الشفافية والمساءلة والتمكين والتأهيل والهيكلة وإعادة الهيكلة، والتشريعات وتبسيط الاجراءات حتى نخرج الى نافذة الاستثمار.
ذلك أن الرسالة الملكية تؤكد على أهمية العمل المؤسسي، يتم فيه اتباع اليات التقييم والمتابعة والمساءلة وتعزيز منظومة النزاهة الوطنية، ومأسسة عملية التخطيط الاستراتيجي، مع وجود اهداف قابلة للقياس، ومحاسبة المقصرين ودعم المبدعين، بحسب الفاعوري.
المستشار والمدرب في مجال تنمية الموارد البشرية زياد الناطور، بين أن الرسالة الملكية تحمل في مضامينها اطارا فكريا شاملا للسير قدما نحو التغيير، حيث تناول فيها جلالته ملامح مستقبل الأردن ضمن رؤية وطنية شاملة عابرة للحكومات يشارك فيها الجميع.
وبين أن من بين مرتكزات الرسالة الملكية فيما يتعلق بالتطوير المؤسسي، تكاتف الجهود بالوقوف على مواطن القوة ومعالجة نقاط الضعف في التخطيط والتنفيذ، بما يرفع ذلك من سوية الاداء في مختلف القطاعات ويوفر الفرص في الخدمات لكل الاردنيين.
وأضاف أن من بين المرتكزات اطلاق الامكانيات لتحقيق النمو الشامل والمستدام والذي يكفل مضاعفة فرص العمل للشباب، وكذلك التركيز على مرحلة التطوير باعتبارها مرحلة اساسية تكمل مسيرة الاباء والاجداد وتتجاوز التحديات برؤية واضحة وارادة صلبة وتخطيط مؤسسي سليم.