مدار الساعة - لا تنجح الحميات الغذائية القاسية دائماً في الإتيان بثمارها، وربما تجعل من يتبعونها يشعرون بالسوء تجاه أنفسهم، وهذا ما يعتقده بعض العلماء أيضاً، بأنها لا تحقق شيئاً إلا استثارة شهيتك لتناول المزيد من الطعام، وتبطئ الأيض، بل وتصعب عليك خسارة الوزن في المستقبل.
فإذا كانت الحميات الغذائية القاسية تجعلك تشعر بالسوء فربما حان الوقت لتجرب تدريب مخك للتخلي عن الأفكار القديمة المرتبطة بإحصاء السعرات الحرارية، وحرمان نفسك من الأطعمة المفضلة، وقياس النجاح بالأرقام التي تظهر على الميزان، لكن ليس عن أفكار امتلاك جسد صحي ورياضي بكل تأكيد.
إذ يشجع عدد من الباحثين المتخصصين في ضبط الوزن عبر اتباع نهج جديد لتناولٍ صحيٍّ للطعام يستند إلى "علم المخ" والإدراك الواعي لكيفية تناول الطعام التي يُمكنها كبح جماح شهية الطعام وإعادة صياغة عاداتنا المرتبطة بالأكل.
قال الدكتور جودسون بروير، الأستاذ المساعد في العلوم الاجتماعية والسلوكية بكلية الصحة العامة بجامعة براون لصحيفة The New York Times الأمريكية، الذي درس ممارسات الأكل الواعية: "النماذج المتعلقة بقوة الإرادة لا تنجح، يجب عليك أن تبدأ في معرفة الطريقة التي يعمل بها عقلك".
تأثير الحميات الغذائية القاسية
تروج كثير من برامج الحميات الغذائية القاسية لأنظمتها باعتبارها أنظمة غير تقليدية تضمن نتيجة سحرية، لذلك يحدث إحباط من عدم خسارة الوزن، وهو ما يؤثر على متبع النظام الغذائي على عدة أصعدة، ويشمل هذا المخ أيضاً، وتحديداً على الذاكرة والوظيفة التنفيذية، ما يؤدي إلى أفكار غذائية مهووسة ويحفز زيادة الكورتيزول، وهو هرمون التوتر.
تأثير الحميات الغذائية القاسية – iStock
كما قد تؤدي الحميات التقييدية وخسارة الوزن السريعة إلى تغييرات دائمة قد تبطئ الأيض لديكم، وتغير الهرمونات التي تنظم الجوع، وتعيق جهود الحفاظ على الوزن. وقد أفادت الدراسات بأن أي جسم خسر وزنه عن طريق الحمية الغذائية يستجيب للغذاء والتمارين استجابة مختلفة عن أي جسم لم يتبع حمية غذائية، وبأن عضلات الأشخاص الذين يتبعون حمية غذائية قد تحرق سعرات حرارية أقل من المتوقع أثناء التمرين.
هذا يفسر لماذا قد يتناول متبعو الحميات الغذائية المزمنة سعرات حرارية أقل ممن حولهم، لكنهم لا يخسرون الوزن برغم هذا.
كيف تدرب مخك على عادات تناول الطعام بعيداً عن الحميات القاسية؟
اختبر الدكتور بروير، وهو طبيب نفسي لعلاج الإدمان، عدداً من الممارسات العقلية لمساعدة الأشخاص في التوقف عن التدخين وتقليل الأكل العاطفي، وأسس كذلك تطبيقاً يسمى Eat Right Now يستخدم التمارين العقلية لمساعدة الأشخاص على تغيير عادات الأكل لديهم.
وجدت دراسة أجريت على 140 امرأة يعانين من زيادة الوزن أن التدريب العقلي قلل الأكل المرتبط بالشهية بنسبة 40%. ووجدت مراجعة أخرى أجراها علماء في جامعة كولومبيا أن التدريب على تناول الطعام بطريقة واعية وبديهية ينتج عنه في الغالب ما لا يقل عن فائدة واحدة للأيض وصحة القلب، مثل تحسن مستويات الجلوكوز وخفض الكوليسترول وتحسن ضغط الدم.
تدريب العقل بديل الحميات الغذائية القاسية - iStock
تدريب العقل بديل الحميات الغذائية القاسية – iStock
بشكلٍ أبسط، فإن سلوكيات تناول الطعام، مثل تناول المقرمشات أو رقائق البطاطا أثناء شرود الذهن، أو تناول الحلوى بنهم، تكون في الغالب نتيجة حلقات العادات التي تعززت مع مرور الوقت، وهي التي تسبب مشكلة زيادة الوزن بالأساس.
لهذا، يكون الحل في إعادة ترتيب هذه العادات، على سبيل المثال، إذا تناولنا الآيس كريم فقط خلال الاحتفالات، يتعلم الدماغ أن يربط الآيس كريم بالشعور الجيد مع الاحتفالات، هذا يعني أننا لن نتناوله مثلاً عندما نشعر بالضغط العصبي أو الغضب.
ومع مرور الوقت نستطيع اكتساب عدد من العادات المختلفة عن تلك التي تدفعنا للأكل عندما نشعر بالملل او الغضب أو الضغط العصبي أو التعب بعد العمل، أو حتى عندما نشاهد التلفاز فحسب.
قال الدكتور بروير: "ما يخدع في حلقات العادات أنها تصير أوتوماتيكية بدرجة أكبر، ومع مرور الوقت فإنك لا تختار حتى هذه الأفعال بوعي".
يُمكنك في البداية تدريب مخك وممارسة الوعي فيما تتناوله عن طريق التمهل والتفكير فيما تتناوله من الطعام ولماذا تتناوله.
حاول ألا تركز على فقدان الوزن، أو تقييد الغذاء، أو إقصاء طعامك المفضل من حميتك الغذائية، يكمن هدفك في البداية في التركيز على مذاق الطعام وقوامه، وكيف تشعر قبل تناوله، وأثناء تناوله، وبعد تناوله، حتى تكون عادات طعام واعية.
يُمكنك أيضاً أن تبدأ باختيار أحد سلوكيات تناول الطعام الذي تود تغييره. ربما ترغب في تناول المقرمشات بكمية أقل خلال اليوم، أو تقلل تناول الطعام في الخارج، أو تقلل الوجبات الخفيفة التي تنغمس فيها بإفراط مثل البسكويت أو البطاطا المقلية أو شرائح البطاطس أو الآيس كريم.
أيضاً من المهم أن تفكر فيما يحفز هذا السلوك، هل هي عاطفة ما، مثل الغضب أو الضغط العصبي أو مكافأة نفسك بمتعة ما؟ أو ربما يكون موقف ما، مثل مشاهدة التلفاز أو التسوق لشراء مستلزمات البقالة عندما تكون جائعاً.
وقبل أن تأكل اسأل نفسك بعض الأسئلة، ما الذي سوف أحصل عليه من هذا؟ كيف أشعر عند تناول هذا الطعام؟ فكر في الشعور الذي انتابك آخر مرة تناولت فيها هذا الطعام. هل استمتعت به؟ هل انتهى بك الأمر بتناول المزيد منه؟ هل تشعر بالشبع بطريقة غير مريحة أو مثيرة للغثيان؟ هل شعرت بالذنب لاحقاً ووجهت اللوم إلى نفسك لتناوله؟
إذ إن التفكير في الشعور الذي يجعلك لا تشعر بهذا الطعام قبل تناوله وأثناء تناوله وبعد تناوله، يحدّث المعلومات التي لدى عقلك بشأن الجدوى الحقيقية لهذا الطعام. ويمكن لذلك أن يساعدك في التخلص من سيطرة طعام ما عليك.
ستحتاج وقتاً لذلك لا تيأس
يمكن أن تستغرق وقتاً حتى تتعلم استحضار الإدراك الواعي إلى ما تتناوله من طعام، لذا تحلّى بالصبر. في واحدة من الدراسات استغرق الأمر من المشاركين ما لا يقل عن 10 إلى 15 محاولة -واستغرق الأمر 38 محاولة أخرى مع أناس كثيرين- كي يبدأوا في إعادة تشكيل سلوكيات الأكل لديهم.
وعموماً من النصائح المرتبطة بتغيير العادات وضع حافز، حتى تستطيع المثابرة إلى أن تحقق هدفك، والحافز هنا سيكون تكوين عادات صحية دون الحاجة لاتباع الحميات الغذائية القاسية.
أيضاً، من المهم ألا تتعجل النتيجة، لأن بناء العادات يحتاج إلى وقت وصبر، وعموماً فإن التدرج في اكتساب عادة سيكون أسهل من أن تفاجئ نفسك بتغييرات كبيرة على نمط حياتك لن تستطيع تحملها لفترة طويلة.
من المفيد للغاية أن تقوم بربط عادتك الجديدة التي تحاول التأقلم معها بعادة قديمة موجودة مسبقاً. على سبيل المثال إذا كنت معتاداً على تناول الفطور يومياً قبل الذهاب إلى العمل، وترغب في الالتزام بالتمارين الرياضية، فحدِّد موعد التمارين الرياضية؛ بحيث تكون قبل وجبة الإفطار.
أهم شيء لتشكيل عادة واعية هو تذكر ما تشعر به وأنت تمارسها، وأن تكون على دراية بما تفكر فيه وتشعر به طوال الوقت، ويمكنك ذلك عن طريق الاحتفاظ بمفكرة ورقية أو كتابة الأفكار على مذكرة جوالك.
عموماً يعتقد علماء النفس أن الفشل في متابعة عادة جديدة لأننا لا ندرك ما نفكر فيه ونشعر به، وننشغل بضغوط الحياة ولا ندرك في أي لحظة تحديداً استغنينا عن أهدافنا، لكن الوعي هو مفتاح التغيير الدائم كما نصح موقع Psychology Today في نصائحه لتغيير العادات.
تدريب العقل هذا قد يساعد في تجاوز بعض الأمراض المتعلقة بالجهاز الهضمي أيضاً مثل القولون العصبي.