ما إن تحدثت في رؤيا – نبض البلد – عن عطلة الحصيدة، وردود الفعل تتوالى، مصدقة أو غير مصدقة !!
ويهمني أن أوضح أن المدرسة ازدهرت في العصر الزراعي، وأخذت دورها: مدخلات – عمليات – مخرجات من العصر الصناعي ، لكن القيم الزراعية ما زالت تحكم المدرسة، فسلطة المعلم مثلا قيمة زراعية، حيث الأسرة ممتدة يحكمها الجد أو الابن الأكبر .
والطاعة قيمة زراعية أيضا ومن العهد الزراعي، وإن ثبات المواسم قيمة زراعية .
فالامتحان مثلا حصاد، والتدريس زراعة البذور، وتجمعات الطلبة هي بيادر، وتصنيف الطلبة هو غربلة ... الخ
وكانت الدراسة موسما واحدا وليس فصلين كما هو الآن ، إنما كانت السنة فصلين يقسم بينها عطلة نصف السنة والتي غالبا ما تسمى عطلة الشتاء، فيها يقبع الطلبة في منازلهم اتقاء البرد، ثم تليها عطلة الربيع ، حيث يعمل الطلبة مع أهاليهم في تعشيب الزرع وتنقيته من الشوائب، أو حيث يسهم الطلبة في مكافحة أسراب الجراد التي تبيض بعد سقوط المطر، وتواصل دورة حياتها.
فكان الأردن في الخمسينات والستينات في حالة طوارئ تذكرنا بالكورونا الحالية، حيث تعطل المدارس، ويستدعى المعلمون والطلبة للعمل في مكافحة الجراد .
وأخيرا ، تأتي عطلة الصيف، التي توظف طلبة لموسم الحصاد، والبيادر حيث يحتاج الأهل كل مواردهم البشرية للعمل في الحصاد، وحماية " مزارع البطيخ والفقوس والبيادر وغيرها.
إذن : عطلة الحصيدة ليست نكتة ، بل هي ضرورة زراعية مجتمعية، تتآزر جهود أفراد الأسرة لتأمين مصدر العيش الوحيدة لها .
طبعا يصعب إنكار أن العطلة مفيدة تربويا، حيث توفر الراحة الجسدية للطلبة وربما النفسية، ولكنها كانت مفيدة في ربط الطلبة بالحياة والعمل .
ففي المجتمع الزراعي من الضروري أن تمتلك اتجاهات حب الزراعة وليس مجرد مهاراتها !!
وكانت عطلتا الربيع والصيف ربطا للطلبة بالعمل والحياة ، فالعطلة الصيفية كانت تمتد حتى شهر أكتوبر، تشرين أول حيث يشترك الأبناء في قطاف الزيتون قبل بدء السنة الدراسية.
وعلى ضوء ذلك فإن مبررات العطلة الصيفية بتمامها تفقد الكثير بعد التغير الاجتماعي والاقتصادي ، حيث
لا حصيدة، ولا ما يحصدون أو من يحصدون !!
ذهب الحصاد اليدوي وبقيت العطلة في معظم أقطار العالم.