مدار الساعة - قالت دولة قطر إنه لن يمكنها بمفردها تلبية جميع احتياجات أوروبا من الغاز في حالة حدوث نقص بسبب الأزمة الأوكرانية الروسية، وذلك بعد إعلان واشنطن إمكانية قيام الدوحة بتزويد أوروبا بالغاز في حال حدوث غزو روسي لأوكرانيا.
وأكد وزير الطاقة القطري، سعد الكعبي، ذلك، الثلاثاء 1 فبراير/شباط 2022، لموفضة الطاقة في الاتحاد الأوروبي كادري سيمسون، لكنه أبلغها في الوقت نفسه أن بلاده مستعدة لمساعدة أوروبا "عند الحاجة".
لماذا لن تستطيع قطر تلبية جميع احتياجات أوروبا من الغاز الطبيعي بدلاً من روسيا؟
ترسل روسيا ما يقدَّر بنحو 230 مليون متر مكعب من الغاز إلى أوروبا كلَّ يوم، يسافر نحو ثُلُثها غرباً عبر أوكرانيا. لكن خبراء السوق منقسمون حول ما إذا كان من المرجَّح أن تعطِّل روسيا جميع صادرات الغاز إلى أوروبا، أو تلك التي تعتمد فقط على أنابيب الغاز الأوكرانية. ويشكِّك آخرون فيما إذا كان الكرملين سيشدِّد الخناق، على الإطلاق، على صنابير الغاز الروسية.
وبالنسبة لقطر، فهي تنتج حالياً 77 مليون طن سنوياً من الغاز الطبيعي المُسال، وهي متعاقدة مع مشترين في آسيا وأوروبا والكويت وشركات الطاقة الكبرى التي يمكنها اختيار مكان إرسال كل شحنة.
وتقول الدوحة إنها تستهدف الوصول إلى 126 مليون طن سنوياً في السنوات الخمس المقبلة. وهذا من شأنه أن يترك نحو 75 مليون طن سنوياً من الغاز الطبيعي المُسال بدون عقود لتُباع لعملاء جدد أو حاليين، ما يعزز قوة رافعة الطاقة في قطر.
لوضع هذا في السياق، فإن 75 مليون طن تعادل ما يقرب من 100 مليار متر مكعب من الغاز، وهو أمرٌ مثيرٌ للإعجاب عند الأخذ في الاعتبار أن قدرة الغاز الطبيعي المُسال الجماعية في أوروبا تقع في حدود 240 مليار متر مكعب سنوياً.
وحول الطاقة الاحتياطية، يقول الوزير القطري "الكعبي"، إنه لا يمكن تلبية جميع احتياجات الاتحاد الأوروبي من الغاز من قِبل جهة واحدة دون الإخلال بالإمدادات إلى مناطق أخرى حول العالم، مشدداً على أن "أمن الطاقة في أوروبا يتطلّب جهداً جماعياً من العديد من الأطراف".
وسبق أن أعلنت قطر أنها تعمل بالفعل ضمن طاقتها الإنتاجية القصوى، بينما رأى خبراء أن أوروبا لا يمكنها الحصول على إمدادات طارئة إلا إذا وافق الزبائن الكبار في شرق آسيا، وضمن ذلك اليابان وكوريا الجنوبية، على تغيير مواعيد بعض شحناتهم، وأكد الكعبي حرص بلاده على الوفاء بالتزاماتها التعاقدية مع هذه الدول.
مشكلة الطاقة الاحتياطية
أما المشكلة الثانية، فهي مسألة مقدار الغاز الذي يتم ضخه بالفعل من الأرض. وتعتمد قطر على حقل غاز الشمال أو "حقل فارس الجنوبي" وهو حقل غاز طبيعي يقع في الخليج العربي، تتقاسمه كل من قطر وإيران، وهو أكبر حقل غاز بالعالم حيث يضم 50.97 تريليون متر مكعب من الغاز، لكن التسليم لا يزال يتطلب استثمارات دولية في الحفر والناقلات والمحطات، كما تقول صحيفة "التايمز".
ويقول روبن ميلز، الرئيس التنفيذي لشركة Qamar Energy، وهي شركة استشارية مقرها الخليج، لصحيفة The Times البريطانية: "جميع مصانع الغاز الطبيعي المسال على مستوى العالم تعمل بأكبر قدر ممكن من السعة، لذلك هناك قليل جداً من الطاقة الاحتياطية".
وكانت وكالة رويترز قد نقلت يوم الثلاثاء 1 فبراير/شباط 2022، عن مصدر مطلع، أن قطر أبلغت الاتحاد الأوروبي أنه "ينبغي للتكتل الحد من إعادة بيع الغاز خارجه"؛ حتى يتمكن كبار الموردين من توفير مصدر الطاقة هذا، في حالة نشوب صراع بين روسيا وأوكرانيا ومنع حدوث أزمة على المدى القصير.
وقال المصدر لـ"رويترز" إن قطر طلبت التوصل إلى تسوية لتحقيق يجريه الاتحاد الأوروبي بخصوص العقود القطرية طويلة الأمد للغاز؛ حتى يكون الاتحاد الأوروبي أقل اعتماداً على المبيعات الفورية وأكثر تعويلاً على العقود طويلة الأجل لتعزيز أمن الطاقة لأعضائه.
قطر تبحث عن عقود طويلة الأمد مع أوروبا
لهذا السبب تقول قطر إنها إذا أرادت تقديم مزيد من الغاز إلى أوروبا، فإنها بحاجة إلى مساعدة في إقناع الدول الآسيوية، أكبر عملائها، بالموافقة على تحويل إمداداتها. ومن بين هؤلاء اليابان وكوريا الجنوبية، الحلفاء الغربيون الذين قد يسعدهم تقديم المساعدة، وكذلك الصين، التي من المحتمل أن تفعل ذلك، ولكن فقط بثمن كبير.
على مدار سنوات، كانت الدول الأوروبية تشتري إمداداتها من السوق "الفورية"، مستفيدة من انخفاض الأسعار، لكن الآن الظروف قد اختلفت، والموردون لديهم الميزة.
وقَّعت الدول الآسيوية في الغالب عقوداً طويلة الأجل -20 أو 25 عاماً- بدلاً من استخدام السوق الفورية مثل الغرب، ما يعني أنها دفعت مؤخراً أسعاراً أعلى، وهذا ما سيتعين على أوروبا الآن دفعه لتحويل مسار ناقلات الغاز المسال من الشرق إلى الغرب.
لطالما أرادت قطر من أوروبا توقيع عقود طويلة الأجل معها أيضاً، وتعتقد الدوحة أن الأزمة الأوكرانية أثبتت الحاجة إلى ذلك. وقال مصدر غربي رفيع المستوى لصحيفة "التايمز": "قطر تبحث عن عقود طويلة الأجل؛ لمواجهة العواصف الطبيعية أو السياسية"، مضيفاً أن الاعتماد المستمر على العقود قصيرة الأجل لن يكون مستداماً لأمن الغاز الطبيعي المسال في أوروبا على المدى الطويل".
وتخطط قطر بالفعل لزيادة السعة في حقل الشمال بأكثر من النصف بحلول عام 2027، وهي ترى الآن فرصة لتأمين العملاء لدفع ثمنها. بالطبع سيكون لذلك تأثير آخر. فكلما زاد ضمان الاتحاد الأوروبي لشراء الغاز القطري، قلَّت الحاجة من روسيا. ويعتقد البعض أن هذا سيكون بمثابة خطر على ازدهار روسيا على المدى الطويل لدرجة أن بوتين نفسه لا يريد تحمُّله.
وكانت الولايات المتحدة قد أثارت إمكانية قيام قطر، أحد أكبر منتجي الغاز في العالم، بتزويد دول أوروبا بالغاز، في حين شكلت الأزمة الأوكرانية محوراً رئيسياً في اجتماع عُقد الإثنين، بين الرئيس الأمريكي جو بايدن وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. حيث عبَّرت واشنطن عن قلقها من أن روسيا ربما تحضّر لغزو أوكرانيا، وطلبت في الأسابيع الأخيرة، من قطر ومنتجين رئيسيين آخرين للغاز دراسة ما إذا كان بإمكانهم توريد غاز إضافي لأوروبا إذا تعطلت إمدادات روسيا.
خيارات عديدة أمام أوروبا لكن قطر تظل على رأس القائمة
يقول تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، إن ليبيا قد تكون أيضاً قادرةً على المساعدة، في ضوء إنتاجها القوي من الغاز وقربها من أوروبا. لكن من المرجَّح أن يتركَّز الحديث الآن على قطر، أحد أكبر مُنتِجي الغاز في العالم وثاني أكبر مُصدِّر للغاز الطبيعي المُسال بعد أستراليا. تُعَدُّ قطر حليفاً غربياً قوياً في الشرق الأوسط، وقد زوَّدَت المملكة المتحدة ودولاً أوروبية أخرى بالغاز الطبيعي المُسال لسنوات.
كما يمكن للولايات المتحدة نفسها أن تلعب دوراً مباشراً في تعزيز إمدادات الغاز بأوروبا أيضاً. غادرت شحناتٌ قياسية من الغاز الطبيعي المُسال الولايات المتحدة مُتَّجِهةً إلى الموانئ الأوروبية خلال الشهر الماضي، ولدى الولايات المتحدة حافزٌ قويٌّ طويل الأجل لتشجيع أوروبا على التخلِّي عن اعتمادها على روسيا -ومشروع خط أنابيب نورد ستريم 2- لصالح احتياطيات الغاز الصخري الخاصة بها.
وتُعَدُّ روسيا أكبر مورّد للغاز في أوروبا، حيث يتدفق ثُلُث هذا الغاز عبر خطوط أنابيب الغاز الأوكرانية إلى دول عبر القارة. كانت تدفُّقات الغاز الروسي أقل بمقدار الربع عن المعتاد خلال العام الماضي، لكن القادة الأوروبيين يخشون الآن من أن الغزو الروسي لأوكرانيا قد يؤدِّي إلى كارثة طاقة إذا قُطِعَت صادرات الغاز.
وقال مسؤولو البيت الأبيض، الأسبوع الماضي، إن إدارة بايدن تستعد لوضع اللمسات الأخيرة على صفقةٍ "لضمان أن تكون أوروبا قادرةً على اجتياز الشتاء والربيع"، من خلال التوسط بين الدول الرئيسية المُنتِجة للغاز لإرسال الغاز الطبيعي المُسال بواسطة الناقلات إلى أوروبا، وذلك رغم التحديات التي ستواجه هذه الخطط الطارئة.