اخبار الاردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات احزاب وظائف للاردنيين رياضة أسرار و مجالس مقالات مختارة مقالات تبليغات قضائية مناسبات جاهات واعراس مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة كاريكاتير رفوف المكتبات طقس اليوم

جدتي

مدار الساعة: وكالة اخبارية مساحتها الكلمة الصادقة
مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/01 الساعة 01:45
مدار الساعة,منح,

زمان قبل (40) عاما كنت طفلاً, وقد التحقت للتو بمرتبات الأول الابتدائي... كان لي وظيفة محددة, وهي أن أرافق جدتي إلى مجالس العزاء والفرح، حاملاً (بطانية).. وحين تجلس جدتي, أضع (البطانية على قدميها)... وحين تنهي واجب العزاء بعد أن تقوم بتدخين علبة (كمال) كاملة, أحمل (البطانية).. وأرافقها للمنزل.. بالطبع إذا كان الظلام قد حل, فوظيفتي تكمن في تحذيرها من الحجارة والحفر.. وتقديم كتفي للاتكاء عليه.

ليست جدتي فجميع العجائز في القرية كن هكذا, يحملن (البطانية) معهن في الشتاء لأجل تغطية الأرجل... فيما بعد أدركت أن أقدام جدتي تبرد كثيراً, وربما لهذا الأمر علاقة بالعمر.. فحين يتقدم الإنسان في العمر.. تنقص التروية القلبية في الأقدام وربما الأطراف ويشعر بالبرد.. وبالتالي يحتاج لغطاء يمده فوق القدمين وخصوصاً في أيام الشتاء الباردة.
اسم جدتي: (ختمة القرالة) – رحمها الله- وقد تشرفت في طفولتي بأن أكون حامل (البطانية) لها حين تذهب لأداء واجب العزاء, وأيضاً علمتني أن افرك لها الأقدام حين يشتد البرد, وأن اشتري لها السجائر.. وأنا كنت المسؤول عن معرفة مواعيد المسلسلات البدوية, والمسؤول الأول والأوحد عن التلفاز وإشعاله والقيام بإغلاقه.. والأهم أن جدتي كانت تركز كثيراً في المسلسلات البدوية، وبالتالي لا بد من توفير اجواء الراحة لها... لكن الغريب أنها وحين ينتهي المسلسل كانت تسألني: (مجحم ويش صار معو).. واعيد سرد الأحداث لها, كأنها لم تشاهد شيئا?.
في الطفولة.. كلنا نحن الذين عشنا في قرى الجنوب والشمال والوسط, كنا نحس بأن الجدة أحن من الأم والأب, ونحس بأننا الأغلى على قلبها, ونتلذذ بخدمتها... وهي من تمنحنا كل شيء, ياما (حشت) جدتي في جيوبي (البرايز).. وحين كنت أتعرض لعقاب شرس أهرب إليها, وهي تخرج وتشتم كل من ضربني.. كائنا من كان... حتى معلماتي, هاجمتهن وحذرتهن من الاقتراب مني أو الصراخ علي.. لقد قامت بغزو المدرسة يوماً, حين شاهدت دموعي, وشكوت لها من قسوة المعلمة.
في الثلجة الأخيرة.. تذكرت جدتي, وجهها وذاك الوشم الذي كان يغطي خدها.. تذكرت كفها والخاتم الذي كانت ترتديه, وتذكرت كيف كنت في الصباح أتناول معها الإفطار المفضل لها.. وهو التمر مع السمن البلدي... كانت تغرس خبزتها في السمن وتكتفي.. كي تترك لي التمرات.. عاشوا على الزهد لكنهم كانوا اثرياء جداً في الحياة فالحب الذي منحوه لنا عجزت عنه الدنيا قاطبة..
في الثلجة الأخيرة قلت إني تذكرت جدتي.. لأني صرت أطلب من أولادي (بطانية) حتى أضعها على أقدامي.. وكلما وضعتها, جاءت لي بوجهها العذب.. وكنت اسأل نفسي هل كبرت لهذه الدرجة؟...
في زمن جدتي كان الحزن يداهمها فقط, إن قام (عقاب) بطعن (ضافي) في المسلسل البدوي.. وتفرح حين تكتشف أن (ضافي) لم يمت.. بالمقابل في مسلسلاتنا نحن كل يوم نطعن... والمشكلة أن هذا المسلسل لا يتوقف أبداً.
Abdelhadi18@yahoo.com
الرأي
مدار الساعة: وكالة اخبارية مساحتها الكلمة الصادقة
مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/01 الساعة 01:45