بقلم نور الدويري
يرى الكثيرون أن الحياة الحزبية الأردنية فُعلت بشكل حقيقي بعد عام ١٩٨٩ كنتيجة طبيعية لإرتدادات هبة نيسان، في حين أن الحياة الحزبية في الأردن لم تبدأ بالشكل الحقيقي بعد، ولا يمكن إعتبار التسلسل التاريخي للحياة الحزبية في الأردن صورة لممارسة الأحزاب كما يجب أن تكون عليه فعلا، ولم يشهد الأردن نشاطا حزبيا حقيقيا إلا في نشاطات الحزب القومي الإجتماعي، و الحزب الوطني الإشتراكي وظهور الإخوان المسلمين، اي ما بين أعوام ١٩٣٨ وحتى ١٩٥٦، علما أن الأخيرة تأرجحت في ما يمكن أن يطلق عليه تضمينات العمل الحزبي الديمقراطي، لتبدأ نكبة الحياة الحزبية الأردنية فيما بعد.
ولم يكن إقرار قانون الأحزاب بعام ١٩٩٢ كافيا لنشوء حياة حزبية متكاملة، ليظل الأردن يعيش محاولات تحزبية لكنها بقيت محصورة في إنضاج كتل سياسية محدودة، وظهر ذلك بشكل جلي للعيان بعدم قدرة الأحزاب على إفراز قياديات جديدة، ومهيئة بشكل كامل.
وظل وسم تشبيهات المعارضة رسم محبب للحزبين، في جدلية فكرية صارخة أن المعارضة تعني الإنقلاب على الدولة في تأكيد واضح أن قشور المعارضة كما قشور الأيديولوجيات المنقولة من الغرب للشرق لم تنقل بشكل واعي كامل وظلت حبيسة إبتزاز المصالح! على حساب مكونات الدولة، الشعب أحدى هذه المكونات.
في تأكيد أن الحياة الحزبية في الأردن لم ترقى للديمقراطية الحقيقية بعد، رغم مساعي عامة وخاصة، لأن الأصل في قيام الأحزاب في العالم تتمثل في تحقيق رغبة مجتمعاتها أو أنساق إجتماعية محددة لتنصهر في الدولة وتصل لمركز قيادي ينجز أهداف الحزب، ويراقب شرعية الحكومات، والسلطات، بما يكفل توافقية مكونات الدولة ويرنو بالدولة لمستوى سياسي قيادي في المنطقة التي حولها أو إقليمها أو تعزز طموحا دوليا بشكل أكبر، مع كفالة أعتناقهم أيديولوجيات مركزية، توجب بالعموم أن تصب في الهدف العام لقيام الدولة .
ولم ينجح أي حزب في الأردن بفهم هذه العقلية الفكرية إلا الإخوان المسلمين آخذين من العقيدة الدينية الفكر العاطفي المؤثر بالمجتمع عموما، رغم أن العاطفة في السياسة قد تساهم في تشكيل حشد، ولا تشكل موقفا كاملا بالضرورة، والتجارب في المنطقة بحشد الوازع الديني ثم عدم تمكين التأييد خير مثال، لتبقى حفريات الأيديولوجيات القديمة معتنقة في الأحزاب الأردنية دون التقدم قيد انملة ، ليذبل معظمها في عز ريعان عمره.
ليتم الدفع بالأجيال الأردنية الشابة، والطامحة خلال العقود الثلاثة الأخيرة من عدم الإنضمام للأحزاب لإنعدام الإيمان بأجندات تلك الأحزاب، ثم خوفا من وزر ضغط الأجهزة الأمنية والتي يمكن أن تفقدهم مصادر دخولهم، ثم تحولهم لملاحقين، في ربط غريب أن الأحزاب بالضرورة يجب أن تشكل خطرا على الدولة!!!
لتفقد الدولة فرصة ذهبية في تهيئة جيل سياسي شاب متمكن، مع ترسيخ لنمطية الحياة الحزبية القائم على شخوص محددة، ودوائر فكر مغلقة، وبرامج مكتوبة لا حياة عملية فيها، تجيد لغة النقد، و/أو نبش القبور، و/أو الضعف العام في جسدهم الحزبي، فلا يجيدون لغة التحليل والتصحيح، وأن تقاطع بعضها مع مصالح الدولة، مشكلة بذلك قوى شد عكسي منفر لا جاذب للفكر الشباب الأردني سياسيا، ولا يقبل الدم الجديد، أو غير البرجوازي، ولا يمنح المرأة سياسيا الدور الكافي!.
فلم يكن ذلك كافيا لإرفاد السوق السياسي بقيادات تحمل عبء المرحلة الصعبة بما يكفي، ونضج بعض الشباب والشابات الأردنيات سياسيا بشكل مستقل وإنسيابي، رغم عدم وجود حواضن لهم، وتجاهل الدولة لوعيهم السياسي !!.
اليوم طرحت اللجنة الملكية قانون أحزاب، وإنتخاب جديدين ومن الواضح أن الأمور تسير بإتجاه قبول القانونين، ليبقى التساؤل هل نحن فعلا أمام نشوء حياة حزبية حقيقية تسمح بولادة قيادات جديدة؟ لاسيما شبابية ونسائية ومنح فرص متساوية؟، وأن لا تمارس الدولة قلقها المستمر إزاء الحزبين وأهدافهم؟، وهل سنرى أصلا حياة حزبية عاملة لا مكتوبة تخدم مصلحة الوطن العليا وتحافظ على مكونات الدولة؟
ما نحتاجه اليوم لقيام حياة حزبية يبدأ في تصحيح المسار الفكري السياسي، بتوضيح ماهية المعارضة الإصلاحية وقوة الموالاة الواعية، وان تضمين الكفين في عقل واحد ممكن، وأن الحاجة السياسية اليوم مقرونه بفهم مصطلحات التنمية الإقتصادية واستدامتها، وأن كل ذلك لن يقوم بدون إصلاح إداري، وجهود تطوير إجتماعي عام .
كما يجب أن نخرج من عباءة حزب الفكر الواحد، وضرورة خلق أحزاب مستقلة إنتمائيا فتستقطب نوعيات فكرية تخده أهداف الحزب بغض النظر عن الايدلوجية او النمط الفكري للحزبي أو الفرد المستهدف.
لأن الحاجة الأردنية اليوم تلزم أن تنمو تيارات، وأحزاب ذات أيديولوجيات متنوعة منتقاة بنوعية فكرية لا ضرر ولا ضرار من تقاطع أهدافها لزما مع الدولة، ففي عمر الدولة الأردنية الحساس اليوم يجب أن نعي أن المصلحة الوطنية العليا لبقاء مكونات الدولة (الارض،الشعب،الملك) هي صمام أمان يدفع بوجودية الأردن للمئة عام قادمة وأكثر.
كما لا يجب أن لا نغفل ضرورة إزدواجية العشائرية بالأحزاب كونهما مكونان متممان لبعضهما لممارسة حياة سياسة فضلى، لاسيما أن تجربة السبعين بإقتلاع قوة الأحزاب والدفع لظهور قوة العشائر، ثم في التسعين بقلب الصورة، لم تشكل في كلا الحالتين سوى فوضى سياسية نعيش تداعيات فراغها اليوم، ثم تنامي القلق من مستقبل الأردن في المنطقة، وأن حرية المعتقد الديني أو الفكري في الحزب الواحد بات لازما إحترامه، وأن العشيرة يجب أن تقوم بدورها إتجاه الدولة لدعم الهدف الأساسي والذي يتجلى في حماية الجبهة الداخلية للأردن.
وإن قبول دعم قيادات جديدة، وأسماء شابة صار لازما، لأن عصر الديناصورات السياسي في الأردن يلفظ أنفاسه الأخيرة، ولا يمكن ترك الساحة فارغة أكثر من اللازم.
ربما نشهد في قادم الأيام حياة حزبية حقيقية ترقى لأن يقال أن لدينا أحزاب فعلا، فالخيرة ليس بعدد أحزاب موجودة صوريا، ومتعطلة عمليا، بل بنوعية أحزاب تعي أن المعارضة بناءة لا هادمة، وقابلة لتشاور لا للعدمية، وأن الموالاة لا خلاف فيها وعليها، وان الكفين معا توازن، وان الانتقاد يقرن بالحل الممكن، وأن الولاء للأردن بمكوناته يجب ان يعزز وان الهوية لا قلق عليها طالما أن الأرض أردنية والفكر تنموي ووطني لا يقبل الإنحراف.