مدار الساعة - أقامت مؤسسة عبد الحميد شومان في عمّان الأربعاء الماضي حفل إشهار لكتاب "هدنة لمراقصة الملكة" للشاعر سلطان القيسي، الكتاب الجديد الصادر عن دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع، وهو المجموعة الشعرية الثالثة للشاعر، بعد "أؤجل موتي" و"بائع النبي".
وفي مستهل الفعالية قدم الشاعر العراقي عبود الجابري إضاءة نقدية على نصوص الكتاب، فقال إن القيسي يركز في كتابه الجديد على الصورة الشعرية فيعنى بها عناية شديدة، كما أنه يبتعد بلغته عن التعقيد لصالح السلاسة، كما عرج على الحديث عن استخدام الرمزية في كتاب "هدنة لمراقصة الملكة" استخداما حسنا، وتطويع معاناة الشرق الأوسط لتصبح شعرا.
أما كلمة الناشر فقدمها مدير الدار الفنان والكاتب محمد العامري، وقال فيها إن القيسي يختار مسارات صعبة للشعر، ولا يرضى الذهاب في تلك الطرق السهلة، ما يجعله يصل إلى مواقع غير مقصوفة من قبل باللغة والشعر.
وقرأ سلطان القيسي من كتابه عدة نصوص تنوعت بين العاطفي والغنائي والشخصي، والعام، إذ توزع العام بين السياسي والتاريخي والمأساوي، دون الوقوع في الطرح المباشر للقضايا، ودون تغريبها عن الواقع في المجاز.
من النصوص:
(قطار أليسا السريع)
أقف بين جيشين،
جيش انتهى للتوّ من ربط سفنه بشاطئ المتوسط،
وآخر حجبت رماحُ خيّالته الشمس عني، بعد أن قطع عُمْرَ العراق، ووصل حديقة بيتي الصغيرة.
إنهم يشربون الآن من خرطوم مررته بين نبتاتي النيّئة ويدوسونها،
فيما أقف في غرفة الجلوس، وأعدّل ببيونتي، كما يليق بِحَكَمٍ يقف بين مصارعَيْن!
أمرّر إصبعي على لوحة «القديس جورج» وهو ينتقم من التنين،
ويمرّ ببالي قطار أليسار السريع، من «صُوْر» إلى حلمٍ شيّق على هضبة قرطاج؛
لماذا غادرتِ بلادنا مسرعةً يا مولاتي؟
لماذا سحبتِ حريرك من أعمارنا، وتركتِها على حدّ أسياف الملوك، ومتِّ بعيدا بسيفِ شبقِ مَلِكِ الأمازيغ؟
يغيب صوتها، وراء نقيق المعاول على البرونز في أريحا،
وسكرات صبايا حلب، وهن يذكرن مآثر القدّيس الذي لا يجيء.
الجيش البرتقالي يقطع الطريق من الشاطئ إلى مكّة بكعوب عالية وغنج كافٍ لإيقاظ القرشيين الذين ماتوا في زمان الفتح.
وببيونتي تضيق،
والتنين ينهض من تحت رمح القديس،
الذي تحوّل إلى «سيلفي ستيك»
ابتسما
والتقطا صورة جديدة،
فيما الْتحم الجيشان بعناق طويل،
بين خيام الغساسنة والمناذرة
(مقام شرق أوسطي)
في الشرق،
في الشرق الأوسط طبعا،
حيث الصبايا، بقاماتهن المتوسطة، يحاولن التقاط سحابات أحلامهن،
وحيث الرجال يركضون بدمائهم الحارة وراء الضجر،
الذي يرمي الحصى على الشبابيك طوال الليل.
هنا،
بدا حبُنا طيبا، وجريحا، وصامتا، وغوغائيا،
ومتبجحا، ويضرب بأسياف الأسلاف الطيبين،
الذين فتحوا الأندلس، وبنوا شُققا مع الأمازيغ،
واستعادوا الصليب من الروم، والخيمة من الفرس.
بدا حبُنا طيبا وفخورا بجيناته التي توقعه دائما في عاطفته الساذجة، وفي الهتاف للضحية والجلاد في لحظة واحدة.
في الشرق،
في الشرق الأوسط طبعا،
حيث البنات، في حالة انتظار دائم،
ينتظرن الحب؛ فالمبادرة منقصة
وينتظرن دورهن في الحديث؛ فمقاطعة الرجال من صفات الرجال
وينتظرن أن ينتهي الآخرون من تناول الطعام؛ لأسباب كثيرة يعزوها المحللون لاختلاف الهرمونات باختلاف الجنس
وينتظرن الدورة الشهرية؛ لينتظرن ذهابها
وينتظرن "العريس"، وينتظرن "الولد".
الولد،
الذي سينتظرنه طويلا بعد الولادة،
كلما شبّت معركة في حديقة الدار،
أو على حدود البلاد،ومرات كثيرة، يعود شهيدا،
لكنهن ينتظرنه بعد ذلك أيضا..
في الشرق،
في الشرق الأوسط، تزوجت
لدي امرأة ببشرة بيضاء، وعينين كعيني يسوع المسيح، عسليتين، وقلب كثير الخدوش كالكشتبان،
تحفظ وصايا أمي دون أن تمليها،
وتنجب أولادا بدماء حارة يلحقون الضجر بالعصي،
ويلبسون الجينز ويلعنون أميركا ليل نهار، ومتعلقون مثلي بموسيقى الروك والبلوز، والهوت جاز، والطرب الشرقي الأصيل،
على حد سواء..
هنا،
تزوجت، ولم أعد أذكر من العرس، سوى زغرودة أمي،
وهي تختلط بموسيقى أوروبية،
ونحن ندخل القاعة والحياةَ التي تتسلق جدران "الأبارتهايد" بجد نملة،
في الشرق الأوسط،
هنا.