مدار الساعة - محاولات إصلاح العلاقات بين السعودية وإيران تسير على قدم وساق بهدف الوقوف على أرضية مشتركة رغم المعوقات، فكيف تلعب الصين دوراً رئيسياً في تلك المحاولات؟ وما مستقبل الانفراجة بين الرياض وإيران؟
كانت اللقاءات المباشرة بين السعودية وإيران قد بدأت سراً على الأراضي العراقية العام الماضي، في إطلاق لتحول جذري في مسار العلاقات بينهما في ظل عدم وجود علاقات دبلوماسية بين الرياض وطهران منذ عام 2016 وتهديدات الحرب المتبادلة والحرب بالوكالة أيضاً في أكثر من جبهة.
ورصد موقع Responsible Statecraft الأمريكي أسباب ومستقبل الانفراجة في العلاقات بين السعودية وإيران، في تقرير تناول أيضاً دخول الصين على خط تلك الانفراجة وتداعياتها المتوقعة على الشرق الأوسط ككل ونفوذ واشنطن في المنطقة أيضاً.
رؤية 2030 للاقتصاد السعودي
هناك عوامل متعددة دفعت الرياض إلى محاولة التهدئة وإصلاح العلاقات مع طهران، منها مساعي السعودية الرامية إلى الحدِّ من اعتمادها على صادرات النفط وتنويع اقتصادها، إذ إن ذلك يعني خلق أنماط جديدة من الشراكات والمنافسات الإقليمية. فقد أخذت طموحات المملكة في أن تكون مركزاً إقليمياً للتجارة والسياحة العالمية تدفعها إلى إعادة النظر في علاقتها المتوترة منذ فترة طويلة مع إيران.
وفي الأسابيع الأخيرة من عام 2021، اجتمعت منظمة التعاون الإسلامي في إسلام أباد للبحث في سبل معالجة الأزمة الإنسانية المتفاقمة في أفغانستان. وفي أثناء ذلك، أخذ تطورٌ بارز في السياسة الإقليمية تظهر ملامحه بهدوء على هامش القمة، فقد التقى أمير حسين عبد اللهيان وزير الخارجية الإيراني، فيصل بن فرحان آل سعود وزير الخارجية السعودي، ليصبح هذا الاجتماع في إسلام أباد هو الخامس في سلسلة من المحادثات المباشرة بين كبار المسؤولين السعوديين والإيرانيين في الفترة الأخيرة.
وفي غضون ذلك، أعرب محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، عن أمله في أن "تؤدي المحادثات مع إيران إلى نتائج ملموسة لبناء الثقة وإحياء العلاقات الثنائية"، وقال إبراهيم رئيسي، الرئيس الإيراني، إنه لا توجد عقبات تمنع استئناف "العلاقات الدبلوماسية" مع المملكة.
ويُبرز هذا التحول في السياسة الخارجية السعودية ما يعتري المملكة من مخاوف إقليمية سياسية واقتصادية، ورغبتها في إعادة تقويم العلاقات مع العالم الإسلامي. كما يُشير إلى الدور الرئيسي المتصاعد لقوتين وسيطتين: هما باكستان والصين.
فعلى مدى السنوات العديدة الماضية شعرت الرياض أنها مكبَّلة من الناحية الاقتصادية والسياسية في ظل طموحات نظرائها الإقليميين، ولا سيما الإمارات. وهذه المخاوف تبدو مخاوف وجودية للسعودية، لأن بقاء النظام الملكي يعتمد على قدرته على تأمين الاستقرار الاقتصادي والسياسي للشعب السعودي، بحسب تحليل الموقع الأمريكي.
التقارب مع "العدو"
وفي هذا السياق، فإن الحرب بالوكالة مع إيران في اليمن تقف عقبةً كبيرة أمام طموحات ولي العهد السعودي في أن تصبح بلاده مركزاً مالياً إقليمياً. إذ باتت المملكة تشعر مؤخراً بأن جيرانها يفوقونها براعةً ودهاء في مناوراتهم السياسية والدبلوماسية.
فالإمارات، على وجه الخصوص، يتزايد دورها أهميةً في الدبلوماسية الإقليمية، بعد أن قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بالإضافة إلى عملها على تنمية قوتها الناعمة بعيدة المدى مع تركيا وإعادة تشكيل الجغرافية السياسية للقرن الإفريقي.
أما السعودية فمنشغلةٌ عن كل ذلك بحربها باهظة الأثمان في اليمن، لا سيما وقد بلغت تكلفة الحملة العسكرية السعودية ضد الحوثيين المدعومين من إيران نحو 265 مليار دولار.
وإذا كان يمكن للسعودية، من الناحية النظرية، تطوير علاقتها مع إسرائيل، فإن هذا الاقتراح يبدو بعيد التحقق في ضوء المطالبة السعودية طويلة الأمد "بخروجِ إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلتها في عام 1967". والأهم من ذلك، أن الشعب السعودي نفسه لن يقبل أبداً بالتقارب الكامل مع تل أبيب، فهم يعتبرون إسرائيل أكبر تهديد للأمن الإقليمي. كما أن السعودية أدركت حاجتها إلى اجتذاب التأييد من العالم الإسلامي في عمومه، وهو هدف يتعذَّر تحققه إذا ظلت معادية لإيران على النحو السائد في الفترة الماضية.
لطالما كان العداء سمة أساسية من سمات العلاقة بين السعودية وإيران، إلا أن الاجتماع الأخير في إسلام أباد يشير إلى نوع من الدفء المحتمل في العلاقات ما دام يتماشى مع الأهداف الاستراتيجية الأوسع نطاقاً للسعودية.
ومع أن السعوديين لطالما عزفوا عن فكرة التعاون مع إيران، فقد تتنامى لديهم ببطء قناعة بأن التقارب مع طهران يرفع من رصيد السمعة الحسنة للمملكة إقليمياً. والأهم من ذلك، أن التعاون بين الرياض وطهران يمنحهما سيطرة أكبر على أسعار النفط، فالبلدان يمتلكان 35.5% من احتياطيات أوبك النفطية.
لماذا تلعب الصين دور الوسيط؟
تستضيف بكين، في الفترة من 10 حتى 14 يناير/كانون الثاني، تجمع نادر لوزراء خارجية أربع دول خليجية هي السعودية والكويت وعُمان والبحرين، بالتزامن مع زيارتين لوزير خارجية تركيا وإيران لبكين. ورغم عدم نشر الخارجية الصينية تفاصيل ولا برنامج تلك الزيارات، إلا أن التوسط بين السعودية وإيران أحد أهم أجندة تلك التجمعات، بحسب وسائل إعلام صينية.
التقارب بين الرياض وطهران من المتوقع أن يؤدي إلى إعادة تشكيل النظام السياسي الحالي في المنطقة، وأن ينتج عن هذا الوضع أطراف فائزة وأطراف خاسرة. وفي حين أن الولايات المتحدة لديها الكثير لتخسره، فإن الصين قد تجني كثيراً من المكاسب.
ففي الوقت الذي حاولت فيه الولايات المتحدة المضي قدماً في استراتيجيتها "المتمحورة حول آسيا" وفك ارتباطها الوثيق بشؤون الشرق الأوسط، انتهزت الصين هذا التوجه الأمريكي وجعلته فرصة لبناء نفوذها في المنطقة. وقد استعانت الصين في ذلك بمختلف الوسائل الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية، ومنها إبرام صفقات صواريخ باليستية مع السعودية وتوقيع اتفاقية تعاون مدتها 25 عاماً مع إيران.
ولما كانت السعودية وإيران هما الشريكان التجاريان الرئيسيان للصين في الشرق الأوسط، فإن استقرار العلاقات بين الخصمين سيكون مفيداً لمصالح بكين في المنطقة. ولهذا السبب، تضطلع الصين، ومعها باكستان، بدورٍ حيوي في تيسير السبل لانفراج العلاقات السعودية مع إيران.
بالإضافة إلى أن المحادثات المستمرة بين إيران والسعودية تخدم خطة بكين الشاملة ذات النقاط الخمس في الشرق الأوسط، والتي تتضمن العمل على الوصول إلى "حل سياسي للقضايا الساخنة، وتعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط".
الصين، التي حضرت القمة الأخيرة لمنظمة التعاون الإسلامي، عيَّنت ممثلها الأول في لجنة الممثلين الدائمين في المنظمة في يونيو/حزيران الماضي. وبعد أشهر من تعيين السفير الصيني تشين وي تشينغ، تحدث وزير الخارجية الإيراني عبر الهاتف مع يوسف العثيمين، الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، لأول مرة منذ 4 سنوات.
ماذا عن مستقبل الانفراجة بين السعودية وإيران؟
الأرجح أن يستمر الطرفان، الرياض وطهران، في تحسين العلاقات في العام الجديد، لأن ذلك يصب في مصلحة الدولتين. فالنظام الإيراني، الذي تشير التقديرات إلى أنه يعاني عجزاً شهرياً قدره مليار دولار في الميزانية، قد يُضاعف التدهور الاقتصادي حوافزَه للتقارب مع السعودية. ومن الجانب الآخر، فإن السعودية لا تملك إلا بدائل محدودة لتحقيق أهدافها الاقتصادية.
فقد كشف تقرير لشركة Capital Economics، وهي شركة مستقلة للدراسات المالية، أن المملكة، التي كانت تستحوذ في يوم من الأيام على نحو 30% من صادرات النفط العالمية، باتت حصتها من هذه الصادرات لا تتجاوز نحو 12%، وأن احتياطات السعودية البالغة 444 مليار دولار بالكاد تكفي إنفاق المملكة لعامين بالمعدل الحالي.
والصين هي الشريك التجاري الأكثر أهمية للسعودية بحجم تجارة سنوية يقارب 80 مليار دولار. ووقعت الصين مؤخراً اتفاقية لبناء مشروع للطاقة المتجددة في إطار رؤية ولي العهد السعودي لتحقيق انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2060، وقدّم السعوديون طلباً للحصول على ترخيص تداول مباشر في بورصة شنغهاي.
ولم تمنع العلاقات الاقتصادية الواسعة مع السعودية الصين من الاستثمار أيضاً في إيران، عدو الرياض، إذ تضمن اتفاقية تعاون مدتها 25 عاماً مع طهران بقيمة 400 مليار دولار وقعتها الدولتان في العام الماضي للصين مكاناً مميزاً في إيران. وفي الواقع تنظر طهران إلى الصين وروسيا بصفتهما بديلاً ضرورياً للعلاقات مع الغرب حتى لو وُقِّع اتفاق نووي جديد.
والخلاصة أنه إذا فشلت المملكة في بلوغ أهدافها من "رؤية 2030″، فإن ذلك قد يكون له تداعيات كارثية على ولي العهد والاقتصاد السعودي. وإذا اتخذنا 2021 مؤشراً، فإن التوقعات تشير إلى أن انفراج العلاقات بين السعودية وإيران ليس وشيكاً فحسب، بل هو أمر حيوي لكلا الخصمين.
عربي بوست