،،،
بقلم الدكتور رافع شفيق البطاينة،،،
ما حصل في مجلس النواب من اشتباكات وملاسنات وعنف لفظي وجسدي قبل يومين يعبر بما لا يدعو مجالا للشك أن الديمقراطية ما زالت ناشئة لدينا، ولم تتجذر وتترسخ في سلوكنا بالرغم من مرور أكثر من ثلاثة عقود على استئنافها منذ عام 1989، وهذا يعيدنا الى المربع الأول من الحياة السياسية، ما يعني أن التنمية السياسية فشلت في نشر ثقافة الديمقراطية، وأن تغرسه في فكر الشباب علما وثقافة وسلوكا يوميا، ومن ثم نشره بين أفراد المجتمع الأردني عامة ، وهذا ما تتحمل وزره وزارة الشؤون السياسية " التنمية السياسية سابقا"، التي قفزت عن هذه الثقافة وتجاهلتها وهمشتها، وانتقلت مباشرة الى ملفات تمكين المرأة والشباب، والأحزاب السياسية، قبل أن تنتهي من هذا الملف الديمقراطي الذي بدونه لا يمكن أن تؤسس لحياة سياسية وحزبية وبرلمانية، على الرغم أن الديمقراطية هي البنية التحتية والأساس المتين الذي تستند عليه أركان الديمقراطية من أحزاب وبرلمان ومؤسسات المجتمع المدني، فالتوعية الديمقراطية ونشر ثقافتها يجب أن تستمر طوال الحياة، وأن تبدأ مع كل جيل يولد بدءا من مرحلة الطفولة حتى نهاية عمر الشباب لتنمو معه هذه الثقافة وتترسخ في فكره وسلوكياته، وفق برامج وخطط عملية تدريبية، تبدأ من الأسرة مرورا بالمدرسة وانتهاءا في الجامعة، ثم يبدأ ممارستها عمليا في الحياة الحزبية والسياسية ومؤسسات المجتمع المدني، وصولا إلى البرلمان، لكن ما نلاحظه أن العنف المجتمعي بدأ يسيطر على الساحة الأردنية في مختلف المواقع، في البيت، والمدرسة والشارع، حتى وصل الى المؤسسات العامة، وعلى رأسها المؤسسات الديمقراطية، يبدوا ان جائحة كورونا كان لها الأثر السلبي الأكبر على تراجع ثقافة الحوار الديمقراطي بسبب ما عاناه الشعب الأردني من الحجر المنزلي ومنع التجول لفترات طوال، مما انعكس سلبا على حياة الناس المعيشية والاقتصادية، بسبب تزايد رقعة البطالة، وتوسع شريحة الفقر، نتيجة الركود الاقتصادي التي عانت منه الدول، فانعكس على تردي مستوى الوضع الإقتصادي للمؤسسات التجارية والصناعية، فأفضى إلى إقدام تلك المؤسسات على الاستغناء عن عدد كبير من الأيدي العاملة، أو قيام تلك المؤسسات بتخفيض رواتب العاملين لديها الى النصف تقريبا، فكل هذه المعطيات أدت الى تأثيرات نفسية فخلقت التوتر لدى غالبية المجتمع الأردني، ولذلك لا بد من العودة الى البدء بخطة توعوية لتعزيز لغة الحوار الديمقراطي كبديل للغة العنف المجتمعي، تتزامن مع تطبيق مخرجات وتوصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وأن يسيرا جنبا إلى جنب بالتوازي وصولا الى مجتمع يؤمن بالديمقراطية للحوار لحل قضاياه، تبدأ من الأسرة إلى المدرسة مرورا بالجامعات وصولا الى الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، وخلاف ذلك سيطغى العنف على لغة الحوار ويستفحل ويصبح ثقافة مجتمعية وسلوكا يصعب بعد ذلك معالجته فيكون الوطن هو الخاسر الأول والأخير، وهذا العلاج يقع على عاتق وزارة التنمية السياسية التي يبدوا أنها هرمت سياسيا، واصبح أداؤها تقليديا يتجه نحو رعاية النشاطات الاحتفالية والبروتوكولية، وبحاجة الى تجديد دماؤها بفكر جديد، وإدارة حديثة تنسجم مع مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية الناظمة للحقوق السياسية، حمى الله الأردن وقيادته الحكيمة وشعبه الوفي من كل مكروه.