مدار الساعة - غيَّرت الجائحة التي ضربت العالم قبل نحو عامين، ديناميكيات قطاعات اقتصادية كثيرة، واحد من أبرزها هو قطاع العقارات، الذي يعد أحد المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي العالمي. فكيف كان أداء هذا القطاع خلال عام 2021، وما الذي يخبئه له العام الجديد 2022؟
كيف كان أداء قطاع العقارات في عام 2021؟
أجَّج التعافي من الوباء إقبالاً على هذا القطاع خلال 2021، لكن الإصابات المتزايدة تشكل تهديداً بفرض مزيد من القيود على الحركة. ويعد التعافي في قطاع العقارات عالمياً غير متكافئ، لكن الاستثمارات وصلت إلى مستوى قياسي: أكثر من 755 مليار دولار في الربع الثالث من العام 2021: أي زيادة بنسبة 50٪ عن العام 2020، بحسب تقرير لموقع euronews.
وكانت أصول المستثمرين متنوعة في هذا القطاع، إلا أن القطاع السكني لا يزال هو الأكثر نشاطاً، قبل المكاتب؛ إذ يمثل 29٪ من المعاملات.
وأصدرت "نايت فرانك"، شركة الاستشارات العقارية المستقلة مؤشر الأسعار العالمية لتتبع أداء 55 سوقاً رئيسياً عقارياً حول العالم، في سبتمبر/أيلول الماضي، وبناء على نتائج التقرير، تواصل الطفرة السكنية التي سببها الوباء بارتفاع الأسعار بمعدل سنوي بلغت نسبته %9.2 عبر 55 دولة وإقليم حتى يونيو 2021. في حين وصل معدل نسبة الارتفاع السنوية في 10 من اقتصاديات الدول المتقدمة إلى %12.
تصدرت تركيا الترتيب السنوي بأعلى نسبة ارتفاع سنوية بلغت %29.2، حيث شملت القائمة مجموعة من الدول ذات الاقتصادات الرئيسية كنيوزلندا بنسبة ارتفاع سنوية بلغت %25.9 والولايات المتحدة (%18.6) وأستراليا (%16.4) وكندا (%16) وروسيا (%14.4).
في المقابل، شهد سوقان انخفاضاً سنوياً في الأسعار حتى يونيو/حزيران 2021، وهما الهند وإسبانيا. وهي بذلك أقل الأسواق التي سجلت تراجعاً في الأسعار العالمية منذ بدء إصدار "الرقم القياسي لأسعار العقارات السكنية" في 2008.
أزمة العقارات الصينية وتأثيرها عالمياً
تلقت كبرى الشركات الصينية ضربة قاسية وغير مسبوقة خلال العام 2021، ما دفع بثروات أقطاب العقارات في هذا البلاد إلى التراجع بشكل كبير، فقد خسر أغنى 8 أقطاب في العقارات الصينية مبلغاً إجمالياً وصل إلى 46 مليار دولار هذا العام، وعلى رأسهم هوي كايان، رئيس مجموعة Evergrande، الذي انخفضت ثروته أكثر من 17 مليار دولار.
بحسب تقرير لموقع Business Insider الأمريكي، يمثل قطاع العقارات في الصين أكثر من 30% من اقتصادها، ويعد الاقتصاد الصيني ثاني أكبر اقتصادات العالم، بعد الولايات المتحدة، ويؤثر اقتصاد التنين على جميع نواحي الحياة حول الكرة الأرضية؛ إذ إن الصين تمثل مصنع العالم وشريانه الرئيسي، وبالتالي فإن أي هزة اقتصادية في بكين يتردد صداها في أركان المعمورة، بحسب خبراء الاقتصاد.
وعلى الرغم من التعافي السريع للاقتصاد الصيني في ظل الأزمة الصحية العالمية التي انطلقت من مدينة ووهان أواخر عام 2019 عندما تفشى فيروس كورونا، فإن هذا التعافي بدأ يواجه أزمات متعددة كأزمة الطاقة وأزمة قطاع العقارات.
مؤشر فقاعة العقارات العالمية 2021
يوضح مؤشر فقاعة العقارات العالمية الصادر عن بنك "UBS" الأمريكي لعام 2021- هو عبارة عن دراسة سنوية يجريها مكتب الاستثمار الرئيسي التابع لإدارة الثروات العالمية بهذا البنك- أن خطر حدوث فقاعة عقارية في المتوسط قد زاد خلال العام الماضي وكذلك حدة التصحيح السعري المحتملة وذلك في العديد من المدن التي يتتبعها المؤشر.
وعكف البنك الأمريكي على تحليل أسعار العقارات السكنية في 25 مدينة من كبرَى المدن العالمية، حيث تصدرت أسواق الإسكان في كلٍ من فرانكفورت وتورنتو وهونج كونج أعلى مستويات الخطر. في المقابل، تعد دبي السوق الوحيد المقوم بأقل من قيمته الحقيقية والوحيدة التي صُنفت في فئة أقل مما كانت عليه في العام الماضي.
بحسب تقرير "UBS" الذي نشر في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، تسارع ارتفاع أسعار المساكن ليصل إلى 6٪ في الأسعار المعدلة حسب التضخم من منتصف عام 2020 إلى منتصف عام 2021. وقد شهدت جميع المدن ارتفاعاً في أسعار المساكن باستثناء أربع مدن: ميلان وباريس ونيويورك وسان فرانسيسكو. كما تم تسجيل ارتفاع مزدوج في خمس مدن: موسكو وستوكهولم ومدن المحيط الهادي؛ سيدني وطوكيو وفانكوفر. فقد أدت مجموعة من الظروف الخاصة إلى ارتفاع الأسعار المذكور.
ويقول البنك إن الجائحة حجزت مئات الملايين من الأشخاص داخل جدران منازلهم، مما زاد من أهمية مكان المعيشة وأدى إلى زيادة الرغبة في دفع الأموال مقابل السكن، في الوقت ذاته، تحسنت ظروف التمويل المواتية بالفعل بشكل أكبر مع تيسير معايير الإقراض لمشتري العقارات. وعلاوة على ذلك، أدى ارتفاع معدلات الادخار وازدهار أسواق الأسهم إلى تحرير المزيد من الأسهم العقارية.
لكن المزيد من المخاطر تنتظر القطاع العقاري
يجعل تدني تكلفة امتلاك المستخدم للعقار مقارنة بالإيجار في الوقت الحالي، إلى جانب توقع تزايد أسعار العقارات باستمرار، ملكية العقارات تبدو جذابة بالنسبة للأسر بغض النظر عن مستويات الأسعار والرفع المالي. وقد يحافظ هذا السبب الجوهري على استمرار عمل الأسواق في الوقت الراهن. إلا أن الأسر تضطر إلى اقتراض مبالغ كبيرة من المال بشكل متزايد لمواكبة ارتفاع أسعار العقارات.
في الواقع، إن نمو الرهون العقارية غير المسددة قد تسارع في كل مكان تقريباً في الأربعة فصول الأخيرة، كما ارتفعت نسب الدين إلى الدخل. بشكل عام، أصبحت أسواق الإسكان أكثر اعتماداً على انخفاض معدلات الفائدة إلى حد كبير؛ لذا فإن تشديد معايير الإقراض قد يؤدي إلى توقف مفاجئ في رفع الأسعار في معظم الأسواق.
ومع ذلك، لا تزال معدلات الرفع المالي وتزايد الديون أدنى بكثير من أعلى مستوياتها على الإطلاق في العديد من البلدان. وانطلاقاً من هذا المنظور، من غير المرجح أن يتسبب سوق الإسكان في حدوث اضطرابات كبيرة في الأسواق المالية العالمية، بحسب UBS.
لكن في الوقت ذاته، سيكون لزيادة أسعار مواد البناء تأثير كبير على أسعار الوحدات السكنية خلال الربع الأول على الأقل من العام 2022. وشهدت الأسواق العقارية في مناطق مختلفة حول العالم، حالة من الارتباك خلال الفترة الأخيرة بسبب الزيادات المتلاحقة لأسعار مواد البناء، والتي سجل بعضها ارتفاعاً وصل إلى %51 في ظل حالة التضخم التي يعيشها العالم.
تأثير الجائحة سينعكس على تصاميم العقارات وأنواعها في 2022
أثرت الجائحة على الناس بشكل كبير، حيث يبقى الناس في منازلهم لوقت أطول من المعتاد، وأصبحت ظاهرة العمل من المنزل تتوسع بشكل كبير في المجتمعات المختلفة، مما يستدعي البحث عن منازل وبيئات مريحة للغاية.
حول ذلك، يقدر شون كوغلان مدير أبحاث أسواق رأس المال في شركة الاستثمار العقاري JLL الأمريكية، أنه في عام 2022، سيولي المستثمرون اهتماماً خاصاً للمفاهيم الناشئة والجديدة في قطاع العقارات.
يقول كوغلان، لموقع euronews: "لقد دخلنا حقبة جديدة حيث تتشابك أماكن المعيشة والعمل واللعب، ما زلنا في مرحلة التجريب ولا يزال هناك الكثير مما يتعين تحديده وهذا يخلق الفرص في العديد من قطاعات السوق أبرزها العقارات، لذلك فإن التنمية المستدامة والتكنولوجيا ستكون محركات التصميم والابتكار العقاري خلال العام 2022".
يقول جميع المستثمرين والمصممين ومندوبي المبيعات إن سوق العقارات يقاوم كوفيد، لكن الوباء، مثل تغير المناخ، بدأ للتو في إعادة تشكيل ليس الصناعة فحسب، بل المجتمع بأسره لأيضاً. وفي عام 2022، سيتعين على الشركات العقارية التكيف مع طريقة مختلفة تماماً في التفكير بالمساحات التي نعيش ونعمل فيها.
عربي بوست