مدار الساعة - أيوب كرير
إذا بدأنا باتفاق باريس للمناخ الذي صادقت عليه حتى الآن 175 دولة، من بينها المغرب، وهو اتفاق مُلزم، والذي يقر بأن قضية تغير المناخ شغل مشترك للبشرية جمعاء، وعلى الأطراف الموقعة للاتفاقية أن تقوم عند اتخاذ الإجراءات الرامية إلى التصدي لتغير المناخ بـ"الالتزام" باحترام وتعزيز ومراعاة التزاماتها بحقوق الإنسان، والحق في الصحة، وحقوق المهاجرين والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة والأشخاص الموجودين في أوضاع هشة، والحق في التنميةـ والمساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة، والإنصاف بين الأجيال.
اهتمام الدول الأطراف في مؤتمرات المناخ بموضوع المساواة بين الجنسين ينم عن وعي تام بالعقبات الكبيرة التي تواجه الفتيات والنساء، التي تحولُ دون تمكينهن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وبالتالي تكبح هذه العقبات التي تواجهها المرأة في جميع مراحل حياتها استغلالاً كاملاً، والإمكانات الكامنة في البلدان المتخلفة على الخصوص، وهي قائمة في جميع المجالات وفي مختلف مراحل حياة المرأة، ثم إن النساء يتضررن أكثر من تبعات التغير المناخي مقارنة بالرجال، فالعديد من النساء في البلدان النامية من المزارعات، وهن أكثر من يتعرضن لمشاكل في الحصول على التعليم، والدخل، والأرض، والماشية والحرف والتكنولوجيا، ما يعني أنه سيكون للتغيرات المناخية الأثر السلبي الأكثر حدة على المرأة، ويذكي هذا عدة دراسات علمية قامت بها هيئة الأمم المتحدة، ولا سبيل لإيجاد الحلول ومجابهة التغيرات المناخية دون مشاركة فاعلة ومنصفة للمرأة، وهنا أقدم نماذج لبعض الإحصائيات التي استقيتها من مصادر رسمية لمؤسسات دولية.
– يوجد نحو 31 مليون فتاة في العالم ممن هن في سن الالتحاق بالمرحلة الابتدائية لا ينتفعن بالتعليم المدرسي، وهناك 493 مليون فتاة في سنة 2011 لم يلتحقن بالمدارس.
وفي عامَي 2011 و2012 في معظم البلدان، لم يبلغ أجر النساء سوى 70 إلى 90% من أجر الرجال، حسب هيئة الأمم المتحدة.
كما تمثل النساء في البلدان النامية الغالبية العظمى من العاملين الفقراء، ففي إفريقيا جنوب الصحراء، على سبيل المثال، تعمل زهاء 8 نساء من أصل 10 نساء في ظروف هشة، وفقاً لتقرير الأمم المتحدة لعام 2014.
وهناك عوامل كثيرة تساهم في هذا الوضع، ومنها عدم المساواة بين الجنسين في الأدوار الأسرية، وغياب هياكل الاستقبال المناسبة والميسرة للأطفال والمسنين والدور الهام للتصورات الاجتماعية في مشاركة المرأة في العمل، إذ تعمل المرأة غالباً في القطاع غير الرسمي والزراعي، وبالرغم من مشاركتها الكبرى في إدارة الموارد الطبيعية وحفظها واستخدامها، فإنها لا تحصل سوى على أجر محدود بسبب عدم تحكمها بالموارد وعوامل الإنتاج ومشاركتها الضعيفة في اتخاذ القرارات.
أما فيما يخص تمثيل المرأة في المؤسسات والمشاركة السياسية، فنجد أن المرأة تأخذ الفتات أو فقط لذر الرماد في العيون لدى مديري الحكومات، خاصة في الدول النامية، وهذه بعض الأرقام الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة، حيث نجد:
– بلدان الشمال 41%.
– الأمريكيتان 25.5%.
– أوروبا باستثناء بلدان الشمال 24.4%.
– إفريقيا جنوب الصحراء 23%.
– آسيا 18.4%.
– الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 17.7%.
– المحيط الهادي 15.7%.
وعندما نولي وجوهنا صوب بعض الممارسات التي مازالت ضاربة في مجتمعاتنا المتخلفة، والتي يمثل فيها الزواج القسري والمبكر انتهاكاً لحقوق الإنسان، يحرم الأطفال والفتيات على الخصوص من التعليم والصحة الجيدة والمستقبل المشرق، حيث تتزوج فتاة واحدة من أصل ثلاث قبل سن الثامنة عشرة، وفتاة واحدة من أصل تسع قبل سن الخامسة عشرة، حسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية لعام 2015.
كما أن هناك أكثر من 125 مليون فتاة وامرأة وقعن ضحايا تشويه الأعضاء التناسلية، وهذه الممارسات التي تتركز في 29 دولة إفريقية.
أما في مجال الحق في الصحة وظروف الإنجاب فالمصيبة أعظم:
ففي كل عام هناك أكثر من 80 مليون حالة حمل غير مرغوب فيها و20 مليون حالة إجهاض في ظروف غير آمنة، وبلادنا ليست استثناء ونحن نشاهد النساء يلدن على قارعة الطريق أو داخل سيارات أجرة أو في أبواب المستشفيات، في انعدام تام لأبسط شروط الكرامة الإنسانية.
ويموت ما يقارب 800 امرأة كل يوم لأسباب يمكن تفاديها ذات صلة بالحمل والولادة، أي ما يقرب من 300 ألف امرأة سنوياً عبر العالم.
كما أنه في المناطق النامية، يزيد معدل الوفيات النفاسية 14 مرة عنه في المناطق المتقدمة، ولا تتلقى سوى نصف النساء الحوامل الحد الأدنى من خدمات الرعاية ما قبل الولادة.
وهناك ما يقرب من 62% من حالات الوفيات النفاسية في عام 2013 وقعت في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، كما أن 99% من الوفيات النفاسية تقع في البلدان النامية حسب هيئة الأمم المتحدة للمرأة ومنظمة الصحة العالمية.
كما تعاني المرأة الأمرّين، فأول من يعنف في مجتمعاتنا هم النساء، وأول ضحايا النزاعات المسلحة التي يتم استخدام الاغتصاب فيها كسلاح حرب هم النساء، و 70% من نساء العالم يتعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي في خلال مدة حياتهن، وكذلك هناك امرأة واحدة من بين كل ثلاث تتراوح أعمارهن بين 15 و 49 عاماً تعرضن لأعمال عنف جسدي أو جنسي أو كليهما، ونصف النساء اللواتي قتلن في جميع أنحاء العالم في عام 2012 تعرضن للقتل على يد شريك حميم أو أحد أفراد الأسرة.
كما أكدت الإحصائيات أن هناك 120 مليون فتاة في العالم أُجبرن على ممارسة الجنس أو المشاركة في أعمال جنسية أخرى في مرحلة ما من حياتهن، وهذا فقط في سنة 2012، كما تقع الملايين من النساء والفتيات اللواتي يعتبرن ضحايا الاتجار بالبشر في شَرَك العبودية الحديثة.
وتمثل النساء والفتيات 55% من المتضرّرين من العمل القسري و98% من المتضرّرين من الاستغلال الجنسي وذلك بناءً على تقرير لمنظمة العمل الدولية.
وجه آخر من أوجه العنف يمس مباشرة بالسلامة البدنية للأجنة من الإناث، ففي الهند والصين وغيرهما،، يؤدي التفضيل الاجتماعي للذكور إلى قتل الإناث، مما يتسبب في اختلال مهم في التوازن السكاني، حسب صندوق الأمم المتحدة للسكان لعام 2015.
فهناك 60% من الأشخاص الذين يعانون من الجوع المزمن هم من النساء والفتيات، وتشكل المرأة، في المتوسط، 43% من القوة العاملة الزراعية في البلدان النامية، ولو كانت تتمتع بنفس فرص الحصول على الموارد الإنتاجية أسوة بالرجل، لكانت ساهمت بزيادة المحاصيل في مزارعها بين 20 و30%.
وبالتالي فمع ارتفاع حرارة الكوكب وصعوبة إمكانية الوصول إلى المياه في العديد من دول العالم، فإن المجالات الفلاحية في تناقص مستمر، وهذه التأثيرات تمس بالدرجة الأولى نساء الكوكب، وخاصة في الدول التي يعتمد اقتصادها على الفلاحة، مثل المغرب إلى جانب العديد من الدول الإفريقية والعربية والدول النامية، ويتأثر بشكل كبير بالتغير المناخي، فغالباً ما تكون النساء مسؤولة عن جلب المياه والحطب ومصادر أخرى لعائلاتهن، لكن هذه المصادر متأثرة بشكل مباشر بعوامل التغير المناخي، مما يضطر النساء إلى الانتقال مسافات أبعد والعمل لوقت أطول للحصول على هذه المصادر خلال الأزمات، وتزيد التغيرات المناخية من الأعباء المفروضة التي تتكبدها النساء من قبل المجتمع، ويحد أكثر من إمكانية حصولهن على التعليم والرعاية الصحية والعمل اللائق وصون كرامتهن.
ومنه تشكل كل من النساء والفتيات الخط الدفاعي الأول ضد الآثار الناجمة عن تغير المناخ؛ وهن أكثر عرضة للآثار الناجمة عن تغير المناخ؛ لأنهن يملن إلى الاعتماد أكثر على الإنتاج الزراعي ورعي الماشية، كما أنهن أكثر عرضة للفقر وندرة الغذاء والحصول على قسط أقل من التعليم، وهنّ أكثر عرضة بشكل خاص لمواجهة الكوارث الطبيعية.
ومن خلال أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر التي ترتكز عليها الأمم المتحدة تلعب المرأة دوراً حاسماً في كل من هذه الأهداف، لكن الواقع يقول عكس ذلك. وبالتالي هذا يحيلنا إلى مدى تخلف مجموعة من دول العالم وتدني مستوياتها الاجتماعية والاقتصادية والصحية والبيئية، والتي كان من الممكن تحسينها لو توفرت الظروف الجيدة لمشاركة المرأة وضمان إشراك النساء في عملية صنع القرار وإعطائها المكانة التي تستحق رأفة بشعوبنا القابعة في حفر التخلف وتدني مستويات التنمية بينها، تحقيقاً لمبادئ التنمية المستدامة من أجل حاضر ومستقبل أفضل.