مدار الساعة - نهاية أزمة سلاسل التوريد ليست قريبة على الإطلاق، وهي مرشحة لتفاقم جزئي خلال أعياد الميلاد، ولكن الأخطر أنها قد تستمر لفترة أطول كثيراً مما كان يعتقد سابقاً.
إذ يحذر خبراء الصناعة من أن أزمة سلسلة التوريد الناجمة عن جائحة فيروس كوفيد-19 قد تستمر لعدة أشهر أخرى وحتى عامين، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
ماذا تعني كلمة سلاسل التوريد وما أسباب الأزمة؟
يمكن تعريف سلسلة التوريد (SCM) بأنها تدفق السلع والبيانات والأموال المتعلقة بمنتجات أو خدمات، بدءاً من شراء المواد الخام وحتى تسليم المنتج إلى وجهته النهائية.
مثَّلت "سلاسل التوريد" أحد الإفرازات الأساسية للعولمة الاقتصادية؛ فهي إحدى الآليات التي لجأ إليها المُنتِجُون والشركات الكبرى للاستفادة من العولمة عبر الاستفادة من المزايا النسبية المتاحة في كل دولة لإنتاج مكون/مكونات محددة في إطار عملية إنتاج السلعة النهائية، ما أدى إلى اعتماد المُنتَج النهائي- على مستوى كل شركة- على مجموعة من الموردين من دول مختلفة لتوريد مجموعة من المنتجات الأولية أو الوسيطة التي تدخل في إنتاج هذا المُنتَج.
وقد نجحت الصين في الاستحواذ على نسبة كبيرة من سلاسل التوريد، لعوامل عدة، أبرزها رخص تكلفة الأيدي العاملة، والخدمات اللوجستية المرتبطة بعمليات الإنتاج والتوريد والنقل، حتى إن منافسي الصين البارزين أغلبهم من آسيا أيضاً.
وأدى نجاح تنظيم سلاسل التوريد إلى اعتماد الشركات والمستهلكين في الغرب تحديداً، بشكل متزايد، إلى إدارة أنظمة المخزونات في الوقت المناسب لطلب البضائع، التي تقوم على تخفيض المخزونات، مما يقلل من التكاليف على الشركات، وسمحت موثوقية سلاسل التوريد في السابق بتلبية احتياجات المستهلكين في الوقت المناسب بدون تخزين كميات كبيرة من السلع قبل الشركات.
يتطلب ذلك دقة وتنظيماً كبيرين في عمليات استخراج الخامات والتصنيع والنقل والتخزين، وعندما يحدث أي خطأ أو تأخير في السلسلة ينتقل إلى حلقاتها جميعاً.
أسباب أزمة سلاسل التوريد متعددة، وأهمها بطبيعة الحال جائحة كورونا، وكذلك أزمة جنوح السفينة العملاقة "إيفر غيفين" في قناة السويس منتصف عام 2021.
في الفترة السابقة، تسببت إغلاقات كورونا في نقص الإنتاج، ولكن اليوم مع التعافي الذي جاء أسرع من المتوقع أصبحت المشكلة في كثرة الطلب الذي لا يستطيع الإنتاج تلبيته.
ولكن ليس كورونا وحده هو المسؤول عن الأزمة، فلقد تعرضت بعض المراكز الحيوية والهامة في الاقتصاد العالمي، ربما لمزيج مكون من "وباء كوفيد"، و"سوء الحظ"، خصوصاً فيما يتعلق بالفترة الأخيرة من العام الجاري.
أميكرون قد يؤدي إلى إغلاقات جديدة
على الرغم من وجود علامات على أن بعض الأزمات تتلاشى، قد يؤدِّي متحوِّر أوميكرون إلى عمليات إغلاق جديدة، مِمَّا يؤدي إلى أزمةٍ مُزعِجةٍ أخرى عبر النظام العالمي.
يبدو أن الأخطر هو تفشي مرض كوفيد هذا الأسبوع في مركز التصنيع الصيني بمقاطعة تشجيانغ، التي تضمُّ أكبر ميناءٍ للشحن في العالم. ويخضع عشرات الآلاف للحجر الصحي بموجب سياسة الصين الصارمة للحدِّ من انتشار الفيروس، قد حثت بعض السلطات المحلية العمال على عدم السفر "دون داعٍ" إلى بلادهم لحضور احتفال العام القمري الجديد في فبراير/شباط. وقال محلِّلون اقتصاديون في شركة استشارات الأبحاث الاقتصادية Capital Economics: "يُحتَمَل بشدة وقوع المزيد من الاضطرابات في سلسلة التوريد".
توقعات صادمة بشأن نهاية أزمة سلاسل التوريد
ويعتقد خبراء الصناعة والاقتصاديون أن المشاكل يمكن أن تستمر؛ لأن شبكة التجارة العالمية، التي ضعفت بالفعل بشدة بسبب شهورٍ من تراكم الشحن ونقص العمالة والتوتُّرات الجيوسياسية، لا تزال مرتبكة، وهو ما يعني أن نهاية أزمة سلاسل التوريد قد تتأخر عن التقديرات السابقة.
وقالت ميرسك، إحدى أكبر ثلاث شركات للشحن في العالم، إن أسوأ حالات التأخير لا تزال على الساحل الغربي للولايات المتحدة؛ حيث كانت السفن تنتظر أربعة أسابيع لتفريغ حمولتها بسبب نقص العمال على الأرض.
ويخلق هذا "تأثيراً مضاعفاً" للفوضى حول العالم مع حبس السفن في مواعيد نهائية ضيقة، ووفرة في الحاويات في بعض الموانئ في الولايات المتحدة وأوروبا، ولكن ليس بما يكفي في الموانئ في جميع أنحاء آسيا.
نهاية أزمة سلاسل التوريد
توقعات باستمرار أزمة سلاسل التوريد/رويترز
وقال متحدث باسم شركة ميرسك: "مع فصل الشتاء، وعطلة نهاية العام في أمريكا الشمالية وأوروبا، والعام الصيني الجديد في آسيا، ستمتد أزمة سلاسل التوريد الممتدة بالفعل إلى حدٍّ أكبر مع توقُّف العمال وسائقي الشاحنات والمحطات لقضاء العطلات".
وأضاف: "عادة يمكننا استيعاب هذه التأثيرات الموسمية بسرعة إلى حدٍّ ما، ولكن عندما تمتد بالفعل، فإنها تصبح مضاعَفة".
في فيليكسستو، أكبر ميناء للحاويات في المملكة المتحدة، لا يزال رصيف الميناء مسدوداً بالحاويات التي تنتظر إفراغها، مِمَّا يعني أنه يجب تحويل الحاويات الفارغة من المستودعات الداخلية إلى موانئ أخرى.
وقال روبرت كين، من الرابطة البريطانية الدولية للشحن، إن النقص في عدد السائقين كان ملموساً في جميع أنحاء العالم مع عدم مواكبة البنية التحتية للموانئ لسفن الحاويات. وقال إن كوفيد-19 كان "مشكلةً مستمرة".
الأمر قد يستغرق سنوات للوصول إلى نهاية أزمة سلاسل التوريد
وقال فلافيو ماكاو، الأستاذ المشارك المتخصص في سلاسل التوريد في جامعة إديث كوان في غرب أستراليا، إن الضبط الدقيق قد يستغرق سنوات، وإن الاقتصاد العالمي لا يزال يعاني من نوعٍ من "ارتفاع ضغط الدم" لأنه يترنَّح من اضطرابٍ إلى آخر.
وأضاف: "من المأمول أن تكون عمليات الإغلاق شيئاً من الماضي خارج الصين، ولكن لا تزال هناك جميع أنواع القيود المفروضة على حركة الأشخاص، بما في ذلك العمال ذوو المهارات المطلوبة".
وبالإضافة إلى النقص المُحتَمَل في مشروبات عيد الميلاد والسكر المُخصَّص للاحتفالات، تواجه اقتصادات مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة ارتفاعاً في معدَّلات التضخُّم عبر مجموعة من السلع؛ من الطاقة إلى التفاح، حيث يؤدِّي سيلٌ من الطلب إلى الضغط على العرض.
يمثل الشحن البحري حركة ما لا يقل عن 90% من البضائع حول العالم، وقد ارتفعت تكلفة النقل عن طريق البحر في العام الماضي. على سبيل المثال، أصبح مؤشِّر Drewry العالمي لحركة الحاويات، الذي يقيس تكلفة نقل الحاويات التي تزيد عن 40 قدماً، بنسبة 170% مِمَّا كان عليه قبل عام. وارتفع السعر على بعض المسارات المطلوبة بشكلٍ خاص، مثلاً من شنغهاي إلى روتردام، بحوالي 200%، وفي حالة الميناء الهولندي إلى نيويورك، ارتفعت التكلفة بنسبة 212%.
نهاية أزمة سلاسل التوريد
وتتصاعد أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية بسبب ارتفاع تكاليف الشحن والطلب المتزايد من المستهلكين العالقين في المنزل لأشهر، وهم غير قادرين على إنفاق أيِّ أموالٍ على هدايا مثل العطلات والليالي خارج المنزل.
وتضاعفت أسعار القهوة خلال العام الماضي، وفقاً للبيانات الحالية، وكذلك سعر الشوفان. وارتفعت جميع الأخشاب والقطن والقمح وزيت النخيل بأكثر من 30%.
وليس من المستغرب أن يكون التضخم قد وصل إلى أعلى مستوياته منذ عقود في الاقتصادات الغربية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، مِمَّا أدَّى إلى دعواتٍ لوضع حدٍّ للسياسات النقدية المتساهلة للغاية التي تنتهجها البنوك المركزية منذ عام 2008.
قال روي كامينز، الذي عمل في مجال الخدمات اللوجستية لمدة 30 عاماً وكان حتى وقتٍ قريب الرئيس التنفيذي لميناء بريسبان في أستراليا، إن هناك بعض الإحساس بأن الأمور تتحسَّن، لكنه قدَّرَ أن القيود المفروضة على شبكة الشحن الدولية من غير المُرجَّح أن تُخفَّف خلال العامين المقبلين.
وتتضح وجهة نظره من خلال أزمة الحاويات العملاقة التي تراكمت قبالة الساحل الغربي للولايات المتحدة. ونظراً إلى أن العديد من السفن غير قادرة على الرسو وتفريغ الحمولة، فإن أكثر من 80% من 434 ألف حاوية، بطول 20 قدماً، صُدِّرَت من ميناء لو أنجلوس في سبتمبر/أيلول، خرجت فارغةً. ويمكن لشركات الشحن أن تكسب ما يصل إلى ثمانية أضعاف الأموال التي تنقل البضائع من الصين إلى الولايات المتحدة؛ لذلك كان من المنطقي إعادة الحاويات إلى آسيا بدلاً من الانتظار حتى يجري ملؤها.
عربي بوست