الفايز يكتب: ‏المدينة الفاضلة بين الواقع والخيال

هناك الكثير ممن يبحث عن المدينة الفاضلة والأغلب يبحث عنها من وجهة نظره و يريدها كيفما يشاء وبالتفاصيل التي يراها ويرسمها في مخيلته وعلى هواه ويحاول أن يقنع نفسه بإمكانية بنائها على أرض الواقع والاستقرار فيها وتحصينها وجعلها الملاذ الآمن

و يرسمها أيضا منفردا بفكرته في بنائها وفق رؤيته وحده مخرجا وملقيا خارج اسوارها كل من يعارض او يبدي رأيا مخالف فارضا على كل من يكون معه ان يكون مطابقا له بالفكر والطباع

وهذا ما جعل ويجعل المدينة الفاضلة مجرد أساطير وحكايات وروايات محض خيال وبعيدة المنال و تحقيقها امر محال

والمشكلة الرئيسية والقاسم المشترك بين معظم من يبحث عن المدينة الفاضلة حقيقة او مجاز تجد انه متعنت ومتشبث بفكره ورأيه وأنه الأقدر والاجدر وباعتقاده المطلق ان فكره دون سواه الأصح والأصوب لتحقيق ما في مخيلته

ومن الغريب في الأمر تجد أن المعظم يبحث عن المدينة الفاضلة في غير موطنها

حيث أن الحقيقة تكمن في أن هناك فهم مغلوط للفكر الفلسفي بما يتعلق بالمدينة الفاضلة وأن المعظم لا يعلمون ان المدينة الفاضلة هي تعبير مجازي يعود في أصله إلى الفضائل ومعانيها وقيمها وأسسها ومكان البحث عنها يجب أن يكون في قرارة النفس فهو موطنها الأصلي

فإلى كل من يدعي بأنه يرغب بتحقيق حلم المدينة الفاضلة نقول له أولا يجب ان تعلم أن الفكرة من المدينة الفاضلة التمسك بالفضائل واتخاذها منهج ونهج حياة فالأولى أن تكون الرغبة في البحث عن الفضائل وتحقيق وتوطين وجودها بالنفس

أما ثانيا فيجب الأخذ بعين الاعتبار بأن النفس البشرية لا ترقى إلى الكمال المطلق والنقص فيها أصيل وهذه سنة الله في خلقه

فالبشرية مخلوقة على أن يكمل بعضها بعض ويسد الفرد نقص الآخر ويكمله وأيضا كما هو الحال بالنسبة للفضائل فلا تأتي ثمارها ولا تجنى فوائدها الا إذا عمت وسادت

فيا من بنى أو يبني في مخيلته المدينة الفاضلة ويدعي المثالية أقول لك توقف واعد التفكير لما تبني فالمدينة الفاضلة هي محض خيال وعليك بالبحث عن الفضائل والبناء عليها لترتقي وتأكد بأن الفضائل كلها لا تجتمع في شخص واحد او نفس بل هي متفرقة و متوزعة لدى الجميع فأبحث عن ما يكمل ما عندك من نقص ولا تدعي المثالية و كن واقعيا في طرحك وتجنب السقوط في الجنون وأن تسقط غيرك بفكرك فأفكارك ليست لزاما على غيرك وعلى أرض الواقع أنت لا تعيش لوحدك فأنت لست بفيلسوف لتتحكم بعقلك بين الخيال والواقع

فالمدينة الفاضلة محض خيال والفضائل هي الواقع فاسلخ من عقلك الخيال و عش الواقع وأبحث عنه وكفى معارضة واعتراض وتشكيك و تنظير لما هو موجود في مخيلتك وحدك فكن على يقين ان ما في مخيلتك محض خيال ولا يمت للواقع بصلة و ان ما يروى لك من تلك القصص والروايات غرضها تسليتهم وفتنتك وأمور أخرى فيها مضرتك ومن حولك

فكن مع وطنك و لا تكن عليه وعيش الواقع واجتهد في تحسينه

حمى الله الأردن ارضا وشعبا وقائدا