الحرفة المفضلة التي يمارسها الأردنيون، باقتدار، هي ” الانتظار”، تماما كما ينتظر الموظفون اقتراب آخر الشهر “لقبض” رواتبهم، يتصرف الأردنيون بذات المنطق، بفارق أن ” الصراف” غالبا ما يخذلهم فيصابون بالخيبة، لكنهم في كل حال يتبادلون الشكوى، ولا يتعلمون من دروس الزمن، لقد أودعوا همتهم ودهشتهم في غرفة الانعاش.
يجلس الأردنيون على منصات التواصل الاجتماعي لاجترار أخبار اليوم وإشاعاته، يعدون ضحايا “كورونا” ، ويشاركون في نعي الراحلين ووداعهم، لقد تصاعدت الاعداد بشكل مخيف، وتصاعدت أيضا لهجة بلاغات الدفاع التي تصدرها الحكومة، لا يهم، الأردنيون ينتظرون، والباقي في علم الغيب، جولة عابرة في أنحاء البلاد تمنحك ما يلزم من انطباعات، الناس يزدحمون بالأسواق وقاعات الاحتفال وبكل مكان، يمارسون أعمالهم كالمعتاد، تماما كما تفعل الحكومة، والموجة الرابعة من الوباء تمارس عملها، أيضا، كالمعتاد.
الأردنيون يعرفون أنهم خسروا على جبهة الوباء، وعلى جبهة الاقتصاد، يتذكرون ما قيل لهم قبل نحو عامين، عن أرواحهم التي هي أغلى ما تملك الدولة، إذا لا بأس أن نغلق ونحدد ساعات التجول والعمل، ونلتزم بإجراءات الوقاية الصارمة، هكذا قالت الحكومة، الأردنيون دفعوا الثمن، وانتظروا، كالعادة، الفرج، لكنهم اليوم يشعرون بالصدمة مما حدث.
أعداد المصابين بالمرض كسرت حاجز المليون، نسبة الإصابات الإيجابية تجاوزت الـ10 ٪، والوفيات اقتربت من 12 ألفا ( رحمهم الله)، لم يعترف أحد من المسؤولين بالفشل، ولم يتحرك أحد ليحاسب من قصر، ولم نعرف حتى الآن من يدير معركة إنقاذ البلد من هذه الكارثة، ولا كيف.
الأردنيون ينتظرون، أيضا، ما ستفضي إليه تشريعات التحديث السياسي التي يتفاوض عليها النواب مع الحكومة في البرلمان، لا شيء يدعو للخوف أو الاستعجال، كل شيء جرى ترتيبه، وأمام الأردنيين سنوات طويلة ليروا أحزابا مفطومة عن مهنة إصدار البيانات فقط، وحزبيين وطنيين يتحركون داخل حلبة القضايا الوطنية بلا ” ريموت”، ثم حكومات تتشكل بخياراتهم ورغباتهم، بحيث يتحول ” الرابع” إلى سلطة تمارس ولايتها العامة، لا مجرد مكان للتخفي أو الاشتباك، أو تصريف الأعمال.
بالمناسبة، الأردنيون ينتظرون دائما أن ترحل حكومة وتأتي أخرى، ليس مهما لماذا، ولا من البديل، المهم ان ينشغلوا بلعبة ” انتظار” تبديل الكراسي الدوارة، ما أصعب الانتظار حين يكون المخاض طويلا وصعبا، ويأتي المولود معاقا أو ميتا، المفارقة أن صبر الأردنيين على حكوماتهم طويل، طويل، لكن موعد الفرج لم يأتهم بعد.
على قائمة الانتظار يدرج الأردنيون أحلامهم وأوهامهم معا، حياة كريمة مثلا، من حقهم أن يحلموا، لكن أليس من واجبهم أن ينفضوا النوم عن أجفانهم ليشقوا الفجر بأيديهم وعرقهم، كما فعل آباؤهم وأجدادهم، الحكومات لن تفعل لهم شيئا إذا لم يتحركوا وينتزعوا ما يجب عليهم أن ينتزعوه، تذكرت: على ماذا يعول الأردنيون ويراهنون؟ عودة وصفي التل مثلا؟ خروج البطل المنقذ؟ حكومة تشبههم وتتحدث باسمهم؟ برلمان يمثلهم؟ سيطول الانتظار، إذا، أكثر مما يتوقعون.
لقد تعب الأردنيون من الانتظار، وتراكمت خيباتهم، وانقطع فيهم الأمل، وحده نداء ” الدولة” والحفاظ عليها يدفع ضمائرهم لتبقى يقظة، وتورد إليهم المزيد من الصبر، هل يكفي ما تبقى لديهم من ” خزانات” لإطفاء غضبهم وقهرهم وخوفهم؟ الوطن أغلى، ليس لنا غيره، لا نريد أن نتحول الى لاجئين جدد، هكذا يردد الأردنيون، ويردون على أوجاعهم حين تحاصرهم اسئلتها المرة.
صحيح ، لكن من يكشف المستور عن هؤلاء الذين استرخصوا صبر الأردنيين، واستهانوا بسنوات انتظارهم، من يحاسبهم أو يصرخ في وجوههم: كفى، انصرفوا.
الرأي