مدار الساعة - الكسلان، أو الدابّ (Sloth) حيوان من الثدييات يعيش عادة على الأشجار حيث يتعلق على أغصانها بشكل مقلوب بواسطة مخالبه القوية، ويقتات على الحشرات والنباتات
، كما أنه يجيد السباحة، ويتسلق أغصان الأشجار التي هي مسكنه المعتاد وحتى يلد وهو على تلك الوضعية، وهو على الأرض بليد، إلا أنه يدافع عن نفسه بمخالبه الحادة والمعقوفة بكل شراسة عند تعرضه لأي اعتداء، يغطي جسم الكسلان شعر طويل أشعث قذر تعيش فيه أنواع من الحشرات وفي أوقات الرطوبة تنمو في فروه أنواع من البكتريا التي تمثل مصدر تغذية له حينما يقوم بلعقها من على فروته، تلك البكتريا أيضاً تمثل له وسيلة للتخفي حيث تحول لون فروته إلى الأخضر، وبما أنه يعيش على الأغصان، فإنه ينزل منها لقضاء حاجته كل أسبوع على الأرض وحينها تترك هذه الحشرات شعره لتضع بيوضها في فضلاته لإكمال دورة حياتها .
هذا التصرف حسب رأي العلماء شاذ، ولكن إذا علمنا أن هذا الحيوان يقضي 14 ساعة يومياً في النوم ولا يتحرك إلا قليلاً فعندها سنعلم سبب هذا التصرف الغريب، الواقع أن الأوراق التي يقتات عليها الكسلان من الشجر لا تحتوي على قدر كاف من المواد الغذائية المفيدة، وبالتالي فإن طريقة حياة الحيوان منظمة بطريقة تساعده في توفير طاقته الكامنة قدر المستطاع، ومن هنا فلا داع لتبديدها لأنه يحتاج إلى 45 دقيقة كي يقطع ما بين 20-30 متراً صعوداً وهبوطاً من وإلى الشجرة التي يقطن عليها معلقاً فيها بمخالبه القوية وحتى ولو تطلب الأمر قضاء حاجة طبيعية . ويشير الباحثون إلى أن الكسلان يستهلك أكثر من 8% من طاقته حينما يقوم بهذا العمل في اليوم، فضلاً على أنه يعرض نفسه للخطر إن ترك الشجرة التي يعيش عليها، لأن عضلات جسمه ضعيفة ولا تمكنه من التنقل بسهولة ولذا يضطر للزحف، ما يجعله لقمة سائغة بالنسبة لحيوانات قانصة مثل النمر المرقط (الجاغور) وبشكل عام يمثل الفهد، والنسر والإنسان الأعداء الطبيعيين "للكسلان"، علماً بأن عملية اصطياده صعبة فحتى عندما يصيبه الصيادون بطلق ناري يبقى معلقاً على الشجرة ولا يسقط حتى وهو ميت .
وعلى الرغم من أن صغار "الكسلان" تبقى متعلقة بأمها، لكنها تسقط على الأرض أحياناً، والسقوط لا يقتلها مباشرة، لكنها في بعض الحالات تموت لسبب آخر وهو تخلي أمها عنها كسلاً وخوفاً من النزول للأرض . وعادة تحمل الأنثى صغيراً واحداً كل عام لكن الكسل الشديد أيضاً يمنعها من أن تجد ذكراً لمدة تزيد على عام كامل . يستوطن الكسلان شمال القارة الأمريكية الجنوبية وشرقها ووسطها ولا يوجد في أي مكان آخر فى العالم . ومن الغريب أن هذا الحيوان يسير على هذا النمط في حياته على الرغم من انه يعلم بخطره ولكن يبدو لأنه مفيد له فكيف ذلك؟ يعتقد بعض الباحثين أن نزول الكسلان الذي يفضل الوحدة من الشجرة ربما يدفعه إلى أن يتعرف إلى أحد أقرانه من الإناث أو لتخصيب الشجر بفضلاته، لكن هذا الأمر يبدو بسيطاً إذا ما قورن بالخطر الذي يكمن وراءه . ويرى الباحثون أن تصرف الكسلان يفيد نوعاً آخر من الحشرات وهو صنف من الفراشات التي تعيش في داخل فروته . الغريب أن يرقات هذه الفراشات لا تستطيع النمو والتطور إلى مرحلة الفراشة إلا في فضلاته فحين يقضي هذا الحيوان حاجته الطبيعية تأتي الفراشات وتضع بيضها، وعندما تصل اليرقات إلى مرحلة البلوغ وتصبح بدورها أمهات تفعل ما فعلته أمهاتها وهكذا تبقى هناك علاقة تعايش أو تضامن بين هذين الكائنين، بل من الضروري أن يهبط الكسلان إلى الأرض معرضاً نفسه للخطر من أجل هذه الفراشات ولو أنه قام بقضاء حاجته في الهواء وهو معلق بالشجر فإن هذه الفراشات لن تجد مأوى ملائم لوضع يرقاتها .
أما العجب فهو ما وجده الباحث جوناتون بولي من جامعة ويسكنسون بالولايات المتحدة، حيث وضع بولي فرضية تقول إنه إذا كان الكسلان ينزل من الشجرة كي يقضي حاجته، فذلك لأن هذا السلوك يشجع على تكاثر الكثير من الحشرات غير الفراشات، وفحص الباحث فضلات الحيوان بالمجهر فوجد أن غابة الشعر التي تغطيه تحمل مئات الأنواع من الحشرات والميكروبات والفطريات بل والأعشاب التي تمنح شعره لوناً أخضر . ومن خلال مقارنة فرو أكثر من 15 رأساً من حيوان الكسلان تبين للباحث بولي أن ثمة علاقة مباشرة بين عدد الحشرات القاطنة لدى حيوان واحد وكمية النباتات التي تنمو في فروه، أي كما لو أن وجود الحشرات يسهم في تحفيز نمو النباتات . ويرى بولي أن التفسير الممكن لهذه الظاهرة هو أن الحشرات تمد النباتات بالسماد الطبيعي . ووجد بولي في شعر الكسلان الكثيف مادة الأمونيوم (النشادر) المعروفة بخصائصها المخصبة والتي توجد بكمية كبيرة لدى أفراد الكسلان التي تؤوي أكبر عدد من الحشرات في فروها .
ويقول بولي إن الفراشات يمكنها إمداد الكسلان بالسماد الطبيعي بطرق عدة فعندما تستعمر اليرقات فرو الكسلان تجلب معها جزيئات من الفضلات مملوءة بالأمونيوم ومخصبات أخرى وعندما تبلغ الفراشات مرحلة العجز فإن أجنحتها تتفتت وتموت فوق فرو الكسلان، وبالتالي فإن الفطريات الموجودة بدورها في الفرو تتغذى على هذا الفتات وتعمل على تحليله منتجة بذلك كمية كبيرة من الأمونيوم المغذي لفرو الكسلان كي يمنحه لوناً أخضر .
تبادل المنافع
عندما حلل الباحث بولي القناة الهضمية لهذا الحيوان وجد النباتات نفسها الموجودة في فروه ما يعني أنه يتغذى على فروه، فالمعروف أن الكسلان يقوم دائماً بحك فروه أي أنه يقوم بالحصول على الغذاء من خلال لحس الفرو . وتبين للباحث بولي أن هذا النبات سهل الهضم في القناة الهضمية وتمد الكسلان بكمية كبيرة من الطاقة ما يعني أنها تكمل له نظامه الغذائي . وثمة فائدة أخرى أيضاً وهي أن اللون الأخضر الذي يكسبه فرو الكسلان يمكنه من التخفي بين أوراق الشجر وبالتالي حمايته من عدوه اللدود وهو العقاب المخادع أو "الخطاف الأمريكي" وهو طائر جارح يستوطن في الأمريكتين وهو من أشهرها في قارته، وهو من الطيور المفترسة . ويشير الباحث بولي إلى أنه من الأفضل للكسلان أن يعتني بضيوفه من الحشرات كي يتمكن من المحافظة على حياته مطبقاً بذلك بالمثل القائل "مصائب قوم عند قوم فوائد" .