الحرية روح الاعلام، والمسؤولية ضميره، والمهنية قانونه .
وعندما تموت الحرية فان الكلام عن المهنية والمسؤولية الاعلامية اقرب الى اوهام .
وعندما تقتل الحرية والمسؤولية فان المهنية تكون اول الضحايا .
الحرية تعني انه من حق المجتمع ان يعرف من اخبار ومعلومات وتفاصيل عن القضايا العامة، وباختلاف الاراء واتجاهات الاراء ومرجعياتها دون مصادرة او وصاية .
وان لا يستورد الراي العام اخباره عن قضايا واحوال وشؤون البلاد من الاعلام الاجنبي والخارجي .. وان يصادر حق الاعلامي الاردني في النشر والكتابة، وفيما يمنح هامش من المساحة للاعلام الاجنبي والخارجي بان يسدل بتغطيته للاخبار والاحداث والقضايا المحلية الاردنية .
وانا صحفي ومتابع حثيث للشان العام اشعر احيانا بالغبطة والحسرة عندما اتابع اخبار الاردن في الاعلام الاجنبي والخارجي .. واشعر ايضا بالخجل عندما تمر ملفات وقضايا محلية كبرى ولا املك قولا وتعليقا حولها .
تجفيف الاعلام خطير سياسيا، والاخطر الافراط في تطبيق نظرية «وان مان شو « .. وعندما تغيب رواية الدولة، ويترك الراي العام عرضة لما ينساب وينهال من اخبار وتحليل من اعلام الخارج .
وفي السياسة والاعلام ليس هناك راي وتحليل بريء ومحايد .. فكرة الحياد والموضوعية قناع وخدمة للتغطية والتمويه على اجندة وماورائية سياسية تسعى وسيلة الاعلام لتسويقها وترويجها .
هناك عقل قديم مازال مؤمنا بالهيمنة على الاعلام، ومؤمن بتجفيف منابع الاعلام، وقتل التعددية والاختلاف، وصناعة لغة وخطاب الاصطفاف .
تفكير عواقبه وخيمة ومكلفة، والخاسر ليس الاعلام الاردني فحسب، بل ان الدولة في معاركها الكبرى في الداخل والخارج لا تجد احدا يصفق معها .
من لا يدرك ان الزمن والادوات قد تغيرت فانه يعاند التاريخ والزمن .. واكثر ما نخسر اليوم في معركة الاعلام المحتوى والمضمون والخطاب الجيد والرصين والمسؤول .
وما اشبه ما يجري من حوارات على شاشة رسمية كلام منشورات لمديريات العلاقات العامة في الوزارات والمؤسسات الحكومية . والغائب والمفقود والذي ابحث عنه بحرقة ومرارة وحسرة هو الراي الاخر، والحوار الجاد في مناقشة القضايا العامة .
وحتى برامج الترفيه والتسلية على الشاشات الرسمية ثمة فشل في انتاجها وتسويقها .. برامج صباحية بعيدة كل البعد عن القضايا العامة وانشغالات الناس .. ومفهوم الترفيه مازال ملتبس الهوية في الاعلام الاردني، ومنجرا في تقليد الاعلام اللبناني .
وما لا يتصوره صناع سياسة الاعلام ان احتكار المجال العام وانسداد الافق وزيادة التضييق على الاعلام المحلي الخاسر الاكبر منه هو الدولة .. وان منح هامش وتوسيعه يخدم القضايا الاردنية .
وحتما فان حرية الاعلام توقف الاشاعات وحروب السوشل ميديا، وتقف خط صد ومقاومة اول ضد الحملات الالكترونية الموجهة من الخارج، ومصدرها دول صديقة وشبه صديقة .
و لا ادرى ما الجدوى من اعلام دون راي عام .. وفي ادبيات السياسة، اذا ما خسر الاعلام الراي العام ما الفائدة منه .. سؤال اطرحه في عارض تقييم للاعلام الاردني، وسؤال عن الخطاب والجدوى .. ولماذا نخسر السجالات العامة .
ثمة ضرورة للمراجعة، ولنتعلم من دروس التاريخ، وحتى لا نخسر كل قضايانا ومعاركنا الوطنية . واخطر ما يحدث اليوم ان يهجر الاردنيون الاعلام المحلي، ويكاد لو ينطقون بصوت واحد ..و يطلقون رصاصة الرحمة الاخيرة عليه.
الدستور