مدار الساعة - وسط أزمة سلاسل التوريد التي أدت لارتفاع الأسعار والتضخم حول العالم، تأتي قصة السفن الخفية لتزيد الطين بلة، فما قصة اختفاء 90% من السفن في مياه الصين الإقليمية؟
وكانت بداية تعافي النشاط الاقتصادي العالمي خلال الأشهر الأخيرة وعودة المصانع وخطوط الإنتاج في آسيا إلى الدوران بطاقتها شبه الكاملة قد كشفت عن "عنق زجاجة" يتمثل في التحديات التي تواجه سلاسل التوريد وعمليات الشحن.
وقال تقرير لوكالة موديز إن كابوس سلاسل التوريد، الذي تسبب في ارتفاع كبير في أسعار السلع بالنسبة للمستهلكين، على الأرجح سوف يزداد سوءاً في الفترة القادمة، وهو ما انعكس على ارتفاع التضخم وتخفيض توقعات النمو الاقتصادي للعام الجاري بصورة لافتة.
ونظراً لكون الصين تحديداً تمثل حجر الزاوية في حركة التجارة العالمية، كون بكين مصنع العالم كما يقال، فإن أي تغييرات أو أزمات تشهدها البلاد تلقي بظلالها على حركة الاقتصاد حول العالم، تمثل قصة اختفاء السفن الصينية صداعاً جديداً لسلاسل التوريد.
اختفاء السفن الصينية
بدأت قصة اختفاء السفن الصينية بشكل تدريجي منذ أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث بدأ محللو بيانات السفن التجارية يلاحظون انخفاضاً ملحوظاً في حركة سفن الشحن التي تتعقبها شركات البيانات البحرية حول العالم، لأن تلك السفن مرتبطة بنظام التعريف الآلي.
بداية الانخفاض في عدد السفن الصينية ترجع إلى أواخر أكتوبر/تشرين الأول، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية، لكن خلال نحو شهر أصبحت 90% من السفن الصينية تقريباً لا تظهر عبر نظام التعريف الآلي.
نظام التعريف الآلي يسمح للسفن بإرسال معلومات، مثل اسمها وموقعها وسرعتها ووجهتها النهائية، إلى المحطات المتواجدة على طول السواحل والموانئ، من خلال أجهزة لاسلكية عالية التردد. وعندما تكون السفينة خارج مدى البث الذي تغطيه تلك الأجهزة اللاسلكية، يمكن إرسال المعلومات عبر الأقمار الصناعية.
لكن هذا لم يعد يحدث في ثاني أكبر اقتصاديات العالم بعد الولايات المتحدة واللاعب المحوري في التجارة العالمية، أي الصين، حيث أظهرت بيانات موقع VesselsValue العالمي المتخصص في رصد حركة السفن التجارية أن 90% تقريباً من السفن الصينية توقفت عن إرسال بياناتها.
نظام التعريف الآلي يسمح للسفن بإرسال معلومات، مثل اسمها وموقعها وسرعتها ووجهتها النهائية، إلى المحطات المتواجدة على طول السواحل والموانئ، من خلال أجهزة لاسلكية عالية التردد. وعندما تكون السفينة خارج مدى البث الذي تغطيه تلك الأجهزة اللاسلكية، يمكن إرسال المعلومات عبر الأقمار الصناعية.
لكن هذا لم يعد يحدث في ثاني أكبر اقتصاديات العالم بعد الولايات المتحدة واللاعب المحوري في التجارة العالمية، أي الصين، حيث أظهرت بيانات موقع VesselsValue العالمي المتخصص في رصد حركة السفن التجارية أن 90% تقريباً من السفن الصينية توقفت عن إرسال بياناتها.
وقالت تشارلوت كوك المحللة التجارية الرئيسية في موقع البيانات لشبكة CNN إن "ما نراه حالياً هو انخفاض حاد في الإشارات الصادرة عن نظام التعريف الآلي لتتبع السفن التجارية في الصين تحديداً".
من جانبها، قالت وزارة الخارجية الصينية للشبكة الأمريكية إن محطات نظام التعريف الآلي الموجودة على سواحل البحار الصينية "والتي تأسست بشكل قانوني طبقاً للمعاهدات الدولية لا تزال تعمل بشكل طبيعي ولم يتم إغلاقها". وأضافت الوزارة في تصريحاتها إن منصات نظام التعريف الآلي المتاحة للعامة لا تزال أيضاً تعمل بشكل طبيعي.
بينما رفض مكتب معلومات مجلس الدولة، المكتب الإعلامي لمجلس الوزراء الصيني، التعليق على أسباب عدم وصول بيانات غالبية السفن الصينية لمحطات نظام التعريف الآلي.
لماذا تختفي سفن الصين؟
لكن يبدو أن المحللين قد توصلوا لحل لغز اختفاء السفن الصينية، بحسب تقرير سي إن إن. والقصة ترجع إلى تفعيل بكين "قانون حماية المعلومات الشخصية" منذ مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
ويجبر القانون الشركات الصينية التي تتعامل مع البيانات على أن تحصل على موافقة الحكومة الصينية قبل أن تسمح للبيانات الشخصية الخاصة بتلك الشركات بمغادرة الأراضي الصينية.
وعلى الرغم من أن القانون لا يأتي على ذكر بيانات سفن الشحن، لكن ربما يكون مقدمو تلك البيانات من الصينيين يمتنعون عن إرسالها كإجراء وقائي حتى لا يعرضوا أنفسهم لغضب الحكومة، بحسب أناستاسيس توروس قائد فريق شبكة المعلومات في مارين ترافيك، إحدى شركات بيانات السفن، لـ"سي إن إن": "عندما يكون هناك قانون جديد، توجد فترة من الزمن يتوخى فيها الجميع الحذر حتى لا يقعوا في المحظور".
رئيس الصين
لكن يبدو أن الحذر من جانب مشغلي الصفن الصينيين ليس هو السبب الوحيد، إذ قالت كوك للشبكة الأمريكية إن زملاءها في الصين أخبروها أن بعضاً من أجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة بنظام التعريف الآلي تمت إزالتها من محطات على السواحل الصينية مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
وأضافت كوك أن الأنظمة الوحيدة التي سمح لها باستمرار العمل طلبت منها السلطات الصينية أن تتولى "أطراف مؤهلة" عملية إعادة تشغيلها.
هذا لا يعني بالطبع أن جميع بيانات سفن الشحن الصينية لم تعد متاحة، حيث لا يزال من الممكن استخدام الأقمار الصناعية لالتقاط الإشارات، وإن كان خبراء جميع البيانات يقولون إن ذلك ليس كافياً لجمع معلومات دقيقة، خصوصاً عندما تكون السفينة قريبة من الشاطئ.
ما تأثير اختفاء السفن على سلاسل التوريد؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، من المهم التوقف عن دافع بكين وراء اتخاذ هذه الإجراءات بشأن سفن الشحن التجاري. وعلى الرغم من أن الحكومة الصينية لا تعطي تفسيراً لإصدار قانون حماية المعلومات الشخصية، ولا غيره في حقيقة الأمر، إلا أن هناك إجماعاً بين المحللين على أن "عدم الثقة" بات عنواناً لعلاقة الصين مع الغرب.
ففي ظل التنافس المحتدم والصراعات الحالية بين الصين من جهة والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى، تتجه بكين أكثر وأكثر نحو اتخاذ إجراءات لحماية نفسها، بحسب المحللين.
ورغم أن القمة الافتراضية التي جمعت بين الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الأمريكي جو بايدن قبل أيام لم تخرج بنتيجة حاسمة أو اتفاقيات واضحة، إلا أن دعوة واشنطن لتايبيه لحضور قمة الديمقراطية قد أثارت حفيظة بكين، التي تعتبر تايوان جزءاً لا يتجزأ من أراضيها وتغضب من أي تعامل مع الجزيرة على أنها دولة مستقلة.
ارتفاع الأسعار سلسلة توريد
وبالعودة إلى مدى تأثير قصة اختفاء السفن الصينية على سلاسل التوريد العالمية، التي لا ينقصها في الواقع أي مصدر من مصادر التوتر والإزعاج، نجد أنه مع دخول موسم الأعياد (عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية)، تزداد حركة وصول البضائع من الصين إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.
وتعتبر بيانات السفن (اسمها وسرعتها ووجهتها النهائية) حيوية للغاية بالنسبة للموانئ، حتى تستعد لوصول سفن الشحن تلك وتتخذ الإجراءات الخاصة برسوها وتفريغ حمولتها وما إلى ذلك من خطوات مرتبطة ببعضها البعض، لذلك تسمى سلاسل التوريد.
وفي غياب تلك البيانات، يزداد الارتباك، في وقت تعاني منه الموانئ بالفعل من تكدس وارتباك شديد وتأخير في تفريغ السفن ونقص في سائقي الشاحنات، وفي ظل موسم الأعياد وزيادة الطلب على البضائع يتحول ذلك إلى كابوس حقيقي.
فشركات الشحن البحري تعتمد على البيانات التي يوفرها نظام التعريف الآلي لتوقع حركة سفن الشحن والموعد التقريبي للوصول إلى الميناء النهائي، ومن ثم تحسين كفاءة العمل في الموانئ.
وقالت كوك إن "فقدان بيانات السفن الصينية يمكن أن يؤثر سلباً بصورة ضخمة على حسابات حركة الشحن عبر المحيطات"، فالصين واحدة من أكبر مستوردي الفحم والحديد، كما أنها من أكبر مصدري البضائع عبر الحاويات والشحن البحري.
"الآن نتجه نحو فترة الكريسماس والأعياد، وسيؤثر هذا بشكل كبير على سلاسل التوريد وحركة البضائع وهذا هو العنصر الأهم في هذه الفترة"، كما قال جورجيوس هاتزيمانوليس من مارين ترافيك، متوقعاً أن يؤدي فقدان بيانات السفن الصينية "دقيقة بدقيقة" إلى تأثير مفزع على سلاسل التوريد.