من الاهمية في اليوم العالمي للفلسفة الذي يصادف في 18 من تشرين الثاني، تأكيد ان الفلسفة وتاريخها - الذي يركن جانباَ في المجتمعات العربية حالياً - كانت نتاج تعدد الثقافات المتنوعة عبر الزمن، وهي التي سحبت المجتمعات الانسانية العربية وغيرها الى التمدن والرقي في اسمى صور التثاقف وقبول الاخر.
ولو تمعنا قليلا في حال العالم اليوم، لطرحنا سؤالا من رحم الفلسفة ومنهاجها، لماذا يعم الوجود الانساني بالكراهية والحقد بين البشرية على اختلاف اجناسها والوانها ولغاتها؟
ولماذا ايضاً يبتعد العالم عن التمسك بالمنهج الفلسفي الذي يضبط ميزان العقل الاقرب الى عقلانية الحوار والتواصل وقبول الاخر واختلافاته؟
في غمرة الاحتقانات الطائفية وصراع الهويات الذي يشهده العالم في العقود الاخيرة، لا بدّ من العمل باتجاه معاكس من أجل تأكيد التواصل والتفاعل بين الحضارات والثقافات الانسانية، واعادة الاعتبار للسلام العالمي القائم على العدل والمساواة واحترام حقوق الشعوب وحرياتها، مقابل اجواء الحروب والقتل وتبديد الثروات الذي نشهده حالياً.
في منطقتنا العربية مثلاً، بعد عام 2011 تحولت المطالب المحقة والمشروعة للشعوب الى احتقانات طائفية وجهوية وعشائرية، وافسحت المجال لنمو نزعات الكراهية والجماعات الارهابية التي تفرخ في منطقتنا اسوأ اشكالها.
في مناسبة اليوم العالمي للفلسفة والتي تدعو هذا العام الى الانفتاح على الاخر وقبول الاختلاف ونسج حوارات مفتوحة وتنويرية، لهذه فرصة لاعادة الاعتبار لثقافة الحوار بين الاطراف المتعددة بدل من ثقافة الكراهية والتكفير ورفض الاخر بكل مستوياته.
وهي فرصة ايضاً للعرب - الذين اصبحوا ساحة للاشتباك والاختلاف والاقتتال - من اجل وقف المشاحنات والخلافات والعودة الى مؤسسة جامعة الدول العربية كمؤسسة للم الشمل وحقن الدماء والحد الادنى من التضامن العربي.
والمطلوب قمة عربية حقيقية لا شكلية، بمشاركة الجميع ومن دون فيتو على احد، مستفيدين من المبادرات والسياسات الأردنية والعربية التي تعمل منذ سنوات على رأب الصدع وتحويل ثروات وموارد الامة العربية لاعادة اعمار ما خلفته الحروب والمشاحنات في منطقتنا، وراح ضحيتها الانسان العربي ومستقبل اجيال قادمة اذا استمر الحال.
وتأكيد اطلاق نهضة عربية تلبي المصالح العامة وتحترم الشعوب ومطالبها المشروعة، بما يجنب العرب سياسة الاستقطابات الاقليمية والدولية التي حولتهم الى لاعب ثانوي وساحة لصراعات هذه القوى، التي ترى الاخيرة في مصلحتها اولوية في زج المنطقة لدخول قنوات ضيقة اساسها الطائفية والمذهيبة والاقليمية، وتغذيتها بالهويات الفرعية كمشروع يحمل لها رصيد نجاحها وهيمنتها المتوحشة واللانسانية على منطقتنا وامنها وسلامها.