بقلم نيفين عبدالهادي
وضع جلالة الملك عبد الله الثاني محددات واضحة للمرحلة على كافة الصعد خلال خطاب العرش السامي بافتتاح أعمال الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة التاسع عشر، جاعلا جلالته من المرحلة القادمة واضحة الرؤى تحتاج فقط للبدء بالتنفيذ لكل ما أشّر عليه واعتبارها أولويات ففي تنفيذها الصيغة الأكثر مثالية لدخول المئوية الثانية للمملكة.
خطاب العرش السامي يصعب وصفه بأي من الصفات النمطية، بأن نقول إنه هام، إنما هو الأهم اليوم ليس فقط محليا بل اقليميا وعربيا، وفلسطينيا بطبيعة الحال، فهو خطاب يحمل مضامين ثريّة تشخّص واقعا وتقدّم وصفات آمنة لكل ما من شأنه أن يحقق الأفضل للوطن والمواطن، ويبقى الأردن كما قال جلالته «أردن الخير» (مثالا مشرقا في التقدم والتضحية والإنجاز والتغلب على التحديات مهما كبرت، فهذا الوطن حر عزيز بأبنائه وبناته)، نعم، فتحت مظلة قيادة جلالة الملك حتما سيبقى الأردن يشبه عظمته فقط.
لم يكن الخطاب تقليديا بالمطلق، إنما أخذنا جميعا لحالة من التقييم لواقعنا الحالي، بشكل دقيق وحرفيّ، واضعا أسسا واضحة لمصادر قوّة الدولة، ولم يترك جلالته أي مساحات ضبابية للبحث عن دليلنا في خطواتنا القادمة، إنما هي خطة عمل واضحة بمرتكزات عملية تتطلب البدء بالتنفيذ الفوري.
وجعل جلالته من الاصلاح السياسي أولوية، في ظل قطع شوط في مساحات الانجاز به، واضعا مسؤولية انجاز التشريعات الخاصة به أمام مجلسي الأعيان والنواب، وقال جلالته (أمامكم مسؤولية مناقشة وإقرار قانوني الانتخاب والأحزاب السياسية والتعديلات الدستورية التي قدمتها الحكومة لمجلسكم الكريم، بهدف الوصول إلى بيئة حاضنة للحياة الحزبية، لتشكيل برلمانات المستقبل، بحيث يكون للشباب والمرأة دور بارز فيها)، ففي العمل البرامجي وفق ما أكد جلالته أفضل طرق الإنجاز والنجاح، والسير في نهج البرامج الواضحة والعمل على انجازها حتما فإن القادم سيكون عامرا بالانجازات الملموسة.
كما تحدث جلالته عن أهمية الاصلاح الإداري والاقتصادي، لتكتمل بذلك منظومة الاصلاح بشكل صحيح، فهي مدرسة الانجاز الحقيقي والعملي، بأن تسير خطى الإصلاح متوازية، مع ربط ذكي من جلالته بأن هذا الاصلاح سيحقق التعافي من ظروف كورونا، إذ قال جلالته (فيما يتعلق بمساري التحديث الاقتصادي والإصلاح الإداري، فالهدف منهما تحقيق التعافي من الظروف التي فرضتها أزمة كورونا وبناء أسس راسخة لشراكة فاعلة بين القطاعين العام والخاص، لإقامة استثمارات توفر فرص العمل وتحفز النمو والاستفادة من القطاعات الواعدة والطاقات البشرية المؤهلة).
وفي مخاطبته لأعيان ونواب الأمة، أكد جلالته أهمية أمن واستقرار الوطن وأنه سيبقى عصيا على «عبث العابثين وأطماع الطامعين»، مقدما تحية اعتزاز باسم الأردنيين للجيش العربي (فوطننا يحميه جيش عربي مصطفوي وأجهزة أمنية محترفة، ولهم منا باسم كل الأردنيين، تحية الاعتزاز والتقدير والاحترام، للعاملين منهم والمتقاعدين)، فالأمن والسلام في واقع الحال يمكن اعتبارهما اليوم نعمة يسعى لنيلها العالم بكافة دوله على اختلاف توزيعها الجغرافي، ليكون الأردن ورغم كل ما يحيط به من اضطرابات واحة أمن وسلام وأيقونة عربية وعالمية بهذا الإطار.
وفي تأكيدات ملكية يجدد جلالته الدعم الأردني للقضية الفلسطينية، وبوصف انساني استثنائي قال جلالته في دعم الأردن لفلسطين «وهذا واجبنا»، فهو الملك عبد الله الثاني السند الحقيقي للشعب الفلسطيني، بتأكيدات على الوصاية الهاشمية واصفا اياها بالأمانة ويتشرف بحملها، ليس هذا فحسب، إنما أكد جلالته أن هذا التزام( بمبادئنا وتاريخنا وإرثنا الهاشمي، وتجسيد لإرادتنا الحرة وقرارنا الوطني، الذي لا نسمح لأحد أن يتدخل فيه أو يساومنا عليه)، فهو الحسم الملكي تجاه أكثر القضايا جدلا على صعيد دولي، نعم، الأردن مع فلسطين حاميا ومدافعا ووصيّا فهو قرار وطني، ولن يُسمح لأحد أن يتدخل فيه، ولا حتى يساوم عليه.
خطاب في كل كلمة به ألف خطة وألف حالة سياسية واقتصادية واصلاحية، ويعدّ عمليا رسما واضحا للمرحلة القادمة، بمحددات تتطلب التنفيذ ثم التنفيذ ثم التنفيذ.