مدار الساعة - "بإمكاني أن أقبل النقد حول أدائي طيلة اليوم، وأن ركلة الجزاء التي نفذتها لم تكن جيدة، وأنها كان يجب أن تدخل لكنني لن أعتذر يوماً عمن أنا أو عن المكان الذي تربيت فيه".
هكذا كان رد راشفورد الحازم على ما تعرض له من عنصرية بسبب إضاعته ركلة الجزاء في نهائي اليورو 2020. ماركوس صاحب الـ22 ربيعاً تعرض هو وزميلاه في المنتخب الإنجليزي ساكا وجادون سانشو لهجوم عنصري عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن أهدروا 3 ركلات جزاء أمام إيطاليا.
في مثل هذه اللحظات دائماً ما نكتشف قسوة الإنسان، بل وقسوة كرة القدم؛ هي من ترفعك فوق الأعناق وتلقي بك في أسفل سافلين. عندما تتقلب القلوب بعدما كانت تتغنى باسمك في الانتصارات تقسو عليك بعبارات ليس لها مكان في كرة القدم ولا تستحق أن يرتبط اسمها بالكرة ولا غيرها.
فما فعله العنصريون عار على الكرة قبل أن يلحق هذا العار بالكرة الإنجليزية تحديداً؛ فهل كان رد الفعل هذا سيكون نفسه في حالة فوز إنجلترا أو إحراز راشفورد وزملائه ضربات الجزاء؟ سيتحدثون عن الثلاثة أشبال في منتخب الأسود لكن كان في قلوبهم سينتظرون سقوطهم ليخرجوا عنصريتهم التي أخفتها الأيام.
هؤلاء العنصريون، الذين لا يعبرون بالتأكيد عن عموم الجماهير، يظهرون تحضرهم في حال فوزك، لكن مع أول تعثر لك سيكونون أول من ينهش لحمك ويخرجون ما في صدورهم بحجة العصبية وكرة القدم.
"لا أتوقع أفضل من هذا"
هذا ما قاله رحيم ستيرلينغ بعد واقعة العنصرية التي تعرض لها في 2018 عندما تم تشبيهه بالقرد وتعرض لحملة قوية على مواقع التواصل الاجتماعي.
وصرح لـ"بي بي سي" وقتها: "أعلم أن هذا قد يبدو غير مريح بعض الشيء، لكن العنصرية هي المرض الوحيد في الوقت الحالي الذي نحاربه".
ولم تكتفِ هذه المجموعات من الجماهير الإنجليزية بالعنصرية داخل بلادها فحسب، بل وحتى في عام 2014 عندما واجه باريس سان جيرمان تشيلسي في باريس. نتذكر تلك الحادثة الشهيرة عندما دفعت جماهير تشيلسي رجلاً أسود البشرة يسمى "سليمان سيلا" خارج القطار ومنعوه من الركوب وتغنوا بـ"نحن عنصريون ونحب هذا".
عقب هذا الحادث منع كل المشجعين المشاركين في هذا من حضور أي مباريات لمدة 5 سنوات، لكن هل منع هذا تكرار الواقعة في صفوف جماهير تشيلسي؟ لا، مع الأسف، ففي عام 2019 تغنت جماهير تشيلسي بوصف اللاعب المصري محمد صلاح بالمفجر ونعتوه بالإرهابي في مباراة فريقه أمام سلافا براغ التشيكي. وبحسب سكاي نيوز قد كشفت تقارير صحفية بريطانية عام 2015 أن تشيلسي يملك فئات من جماهيره هي الأكثر عنصرية بين كل فرق الدوري الإنجليزي. وهذا على مدار 13 عاماً، فقد تعرض مشجعون لتشيلسي للاعتقال في 27 مناسبة كروية لترديد هتافات عنصرية بحسب أرقام وزارة الداخلية الفرنسية.
وفي عام 2014 أجرى بروفيسور دراسة على 2500 مشجع في الدوري الإنجليزي في محاولة لكشف توجهاتهم ضد العنصرية، فكشف هذا التقرير أن نحو نصف هؤلاء المشجعين قد تعرض للعنصرية بشتى أشكالها في كرة القدم الإنجليزية، وأضاف أحد الأشخاص الذين شملهم البحث: "صوت العنصرية لا يزال موجوداً وحياً إلى حد كبير".
بالطبع كلنا سنتذكر خروج ماريو بالوتيلي باكياً بعد تعرضه لهتافات عنصرية مع فريق إي سي ميلان؛ تلك الواقعة التي أكد الكثير من المحللين أنها كان لها وقع سيئ على مسيرة بالوتيلي في كرة القدم، أو حتى عندما خرج صامويل إيتو في مباراة سرقسطة بعدما تعرض لهتافات لها علاقة بلون بشرته.
وبالطبع ما حدث للمهاجم البرازيلي إيفرتون من الجماهير الصربية في مباراة بارتيزان بلغراد، وخرج إيفرتون من الملعب باكياً بعدما قامت جماهير راد بلغراد بتقليد صوت القرد كلما لمس الكرة، ووجهوا له السباب ثم ختموا هذا برفع لافتة حملت الشتائم التي رددوها، مما أفقد اللاعب شعوره وذهب للاشتباك مع الجماهير ورفع إشارات خارجة لهم حتى إن الشرطة اضطرت للتدخل لفض الاشتباك.
وهكذا، لا يكتفي بعض اللاعبين بالخروج غاضباً، بل بعضهم حاول ركل الكرة نحو الجماهير على الرغم من أن حدوث أي اشتباك من هذا النوع بين الملعب والمشجعين شيء يندر حدوثه في كرة القدم، فإن كونستانت الفرنسي من أصول غينية، لاعب إي سي ميلان، فقد أعصابه وسدد الكرة باتجاه الجماهير وغادر الملعب غاضباً ورافضاً إكمال المباراة رغم محاولات الجميع إقناعه.
ولكن سيظل المشهد الأقوى في الرد على العنصرية هو مشهد داني ألفيس البرازيلي ولاعب برشلونة أمام جمهور فياريال عندما رموا عليه موزة فقام داني بأكل الموزة أثناء المباراة، مما سبب حملة دعم كبيرة ضد العنصرية قادها عديد من الرموز الرياضية والعالمية وقام الكثيرون بنشر صور أثناء أكلهم الموز مستنكرين ما حصل للبرازيلي.
تلك العنصرية هي ما تُفقد كرة القدم بعضاً من متعتها وتضع في قلوب عشاقها غصة تفسد عليهم فرحتهم ومتعتهم بها، فما الداعي لكل هذا؟ ما الذي يجعل شخصاً يتفاخر بلون أو عِرق لم يكتسب منه شيئاً بنفسه ويتفاخر به أمام شخص آخر اكتسب لوناً أو عِرقاً آخر؟
ربما نظل نتغنى بجمال كرة القدم ونتغزل فيها خصوصاً بعد جرعة المتعة التي نتلقاها بعد تلك المباريات القوية في اليورو أو غيره، ولكن في وسط كل هذا الغزل في كرة القدم وحديثنا الدائم أنها أكثر من مجرد كرة، علينا أن نتذكر أحياناً، أنها "مجرد كرة" ومجرد قطعة من الجلد.
عربي بوست