مدار الساعة - نشرت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية تقريرًا أعدَّته الكاتبة جاين دالتون سلَّطت فيه الضوء على مقاطع الفيديوهات المروِّعة التي تنشرها بعض منصات التواصل الاجتماعي، وتظهر وحشية وقسوة ضد الحيوانات، ورصدت أن هذه المنصات تجني أموالًا طائلة من هذه الفيديوهات المسيئة.
الإساءة للحيوانات بوصفها ترفيهًا لجني الأموال!
استهلت الكاتبة تقريرها بالإشارة إلى ما خلُص إليه تحقيق استقصائي استمر عامًا كاملًا أن آلاف الحيوانات حول العالم تتعرض للتعذيب، والإساءة، والمعاناة الطويلة من أجل تصوير مقاطع فيديوهات مروِّعة تجني من ورائها أكبر منصات التواصل الاجتماعي في العالم، مثل «يوتيوب» و«فيسبوك»، و«تيك توك»، أموالًا طائلة.
وتتضمن مقاطع الفيديو مشاهد بشعة وفظائع، مثل دفن صغار القرود أحياءً أو تعذيبهم، بينما أظهرت مقاطع أخرى تعرض صغار القطط للدعس تحت الأقدام أو الإحراق، بالإضافة إلى مقاطع فيديو يأكل فيها البشر الحيوانات وهي حية، ومقاطع فيديو أخرى تسحق فيها الثعابين صغار الكلاب والبط حتى الموت.
ويُوضح التقرير أن التقديرات التي أجريت على مقاطع الفيديو التي سُجلت على مدار ثلاثة أشهر فحسب من العام الماضي توصلت إلى أن «يوتيوب» حصد أرباحًا بقيمة 12 مليون دولار أمريكي من مشاركة محتوى التعامل بوحشية وقسوة مع الحيوانات، بينما حقق صانعو محتوى مقاطع الفيديو حوالي 15 مليون دولار.
وأدَّى انتشار سلسلة مقاطع الفيديو التي تُصور الوحشية «على نطاق هائل»، وشاهدها مليارات المشاهدين، إلى زيادة الدعوات التي تطالب مديري منصات التواصل الاجتماعي بإغلاق هذه الحسابات المؤذية وتحمل مسؤولية محتوى هذه الحسابات.
ولفت التقرير إلى أن تحالفًا مكونًا من عدة منظمات لرعاية الحيوانات في قارة آسيا وثَّق في المدة ما بين يوليو (تموز) من العام الماضي والشهر الجاري، قرابة 5480 رابطًا لمقاطع فيديو تتضمن تعاملًا وحشيًّا ومسيئًا ضد الحيوانات على منصات «يوتيوب»، و«فيسبوك»، و«تيك توك»، والتي نُشرت بوصفها نوعًا من أنواع التسلية والترفيه، لكنها حصدت أيضًا الأموال بسبب المشاهدات والمشاركات.
ما هي الدول الأكثر مشاهدة لهذه المقاطع المسيئة؟
أفاد المحققون أن هذه المقاطع من الفيديوهات فقط حققت حوالي 5.3 مليار مشاهدة، وهو ما يبرز حجم المشكلة. وبحسب «رابطة آسيا للحيوانات»، أظهر تحليل البيانات أن صانعي محتوى مقاطع الفيديو يمكن أن يصبحوا عن قريب «مشاهير» مع اجتذاب بعض القنوات لملايين المتابعين.
ويُشير التقرير إلى أن منصة «إنستجرام» كانت قد تعرَّضت لانتقادات سابقة لسماحها بنشر مقاطع فيديو وصور تظهر الوحشية ضد الحيوانات، وكانت بعض المقاطع تتسم بالعنف على موقعه على الإنترنت، والتي تتخفى في صورة تقديم محتوى للتسلية والترفيه. وكشف التحقيق الاستقصائي الجديد عن أن إندونيسيا، والولايات المتحدة، وأستراليا، وكمبوديا، وجنوب أفريقيا، وكوريا الجنوبية، احتلت صدارة قائمة الدول أو المناطق التي تُقدم هذا المحتوى البشع عن الحيوانات.
وصحيحٌ أن المملكة المتحدة احتلت المرتبة الرابعة عشرة في قائمة الدول أو المناطق التي تُقدم هذا المحتوى البشع عن الحيوانات، والذي كان أغلبه يتعلق بصيد الحيوانات، وبعضه أيضًا يظهر الإغواء المدروس للطيور والسناجب لاصطيادها، لكنها جاءت في المرتبة الثالثة بين أعلى الدول التي يُحمَّل فيها المحتوى المروِّع على الإنترنت.
وألقى التقرير الضوء على بعض مقاطع الفيديو على منصة «يوتيوب»، ومنها فيديو من العام الماضي في تايلاند يُظهر فيه شمبانزي يرتدي ملابس مثل البشر وهو يرش المطهرات للتعقيم من فيروس كورونا المستجد، بينما أظهر فيديو آخر كلبًا صغيرًا يسحقه ثعبان لكي يتمكن صانعو الأفلام من إنقاذه، وسجل فيديو ثالث كلبًا ينقض على قطة صغيرة حية.
وفي السياق ذاته، كتب مؤلفو التقرير الاستقصائي: «وثَّقنا بعض مقاطع الفيديو المروِّعة لحيوانات برية تعامل معها الناس بوصفها حيوانات أليفة وتعرَّضت بصورة متكررة للإيذاء أمام الكاميرا. كما أظهرت مقاطع أخرى إضرام النار في القطط الصغيرة وغيرها من الحيوانات الصغيرة، بينما كان صانعو المحتوى يضحكون. بالإضافة إلى توثيق عدد من عمليات دفن الحيوانات حية وإغراقها والاعتداء عليها وقهرها معنويًّا ونفسيًّا».
وأكدَّ المحققون أن منصة «يوتيوب» ضمَّت أكثر مقاطع الفيديو وحشية، غير أن منصة «فيسبوك» سمحت بإنشاء عدد من المجموعات والصفحات الرمزية غير الواضحة المعالم، والتي يُمكن من خلالها نشر المحتوى غير المقبول دون اكتشافها. وخلص التقرير إلى أن معظم المقاطع على «فيسبوك» و«يوتيوب» كانت «سافرة ومقصودة».
الحيوانات الخطرة لم تسلم من الأذى!
وينوِّه التقرير إلى أن الطيور، والكلاب، والقطط كانت أكثر الحيوانات التي تستخدم في هذه الفيديوهات المروِّعة، لكن هناك بعض أنواع الحيوانات التي استخدمها صانعو المحتوى وصُنَّفت على أنها خطرة، ومنها حيوان البنجولين، والدببة، وقرد جيبون، والثعابين، وقرود المكاك.
وأشار التحقيق الاستقصائي إلى أن فيديوهات المحتوى البشع كانت تتضمن إعلانات؛ مما أدَّى إلى جني بعض الشركات والمؤسسات للمكاسب دون قصد، ومنها العديد من منظمات رعاية الحيوانات والحفاظ عليها، والتي بدأ بعضها منذ ذلك الحين اتخاذ عدد من الإجراءات.
وأوضح آلان نايت، الرئيس التنفيذي لمنظمة «إنترناشونال أنيمال ريسكيو» لإنقاذ الحيوانات، أن «منصات التواصل الاجتماعي لا يمكنها تبرير تغاضيها عن السماح بنشر هذه المشاهد المقززة لإساءة معاملة الحيوانات على منصاتها. إن هذه مسؤوليتهم الأخلاقية التي توجب اتخاذ إجراءات صارمة ضد المحتوى الذي يظهر حيوانات مقهورة على الألم من أجل الترفيه وجني المكاسب المالية».
ما هو دور المنصات الاجتماعية؟
أكدَّ نايت على أن: «هذه المنصات الإعلامية بوسعها بلا شك إزالة مقاطع الفيديو المقززة هذه، لكنها لم تفعل ذلك وهو ما يستحق الاستهجان والتوبيخ. إن هذه المنصات تُشبع الغرائز الأساسية لأقلية منحرفة يجب حرمانها من نشر المحتوى على أي منصة، ولا بد أن ينبذها الجمهور».
وألمح التقرير إلى أن التحالف المكون من عدة منظمات لرعاية الحيوانات دعا منصات «يوتيوب» و«فيسبوك» و«تيك توك» وغيرها من منصات التواصل الاجتماعي إلى التعاون مع الخبراء لتطوير أنظمة مراقبة «صارمة» لتحديد المحتوى المسيء وإزالته دون الاعتماد على المشاهدين الذين يبلغون عنه.
وأفادت المنظمات أن محاولتهم للتحدث إلى مديري المنصات عبر الإنترنت كانت أمرًا صعبًا. ووصف آدم باراسكاندولا، عضو جمعية الرفق بالحيوان الدولية في الولايات المتحدة، المحتوى بأنه «مزعج جدًّا، ولكنه جرى التغاضي عنه إلى حد كبير»، قائلًا: إن «المحتوى المسيء الذي كُشِف عنه لا يكشف إلا عن السطح الخارجي للحجم البشع من الوحشية التي تنتشر على صفحات منصات التواصل الاجتماعي».
ويوضح باراسكاندولا: «لقد حان الوقت الآن أكثر من أي وقت مضى لأن تتوقف منصات التواصل الاجتماعي عن جني الأرباح من نقرات فوق مشاهدات معاناة الحيوانات، وتتخذ بدلًا عن ذلك إجراءات للقضاء على هذه الوحشية الفتاكة».
منصة «تيك توك» ترد!
ويُشير التقرير إلى أن منصات التواصل الاجتماعي أكدَّت من قبل أنها لن تسمح بنشر المحتوى الوحشي، وأنها ستحذف أي محتوى يُخالف توجيهاتها. لكن معدي التقرير قالوا إنهم شاهدوا مقاطع فيديو متاحة للمشاهدة على الرغم من الإبلاغ عنها مرات عديدة، وقنوات أغلقتها المنصات ثم عادت مرةً أخرى للنشر خلف ستار مختلف.
وقال نيك ستيوارت، عضو المنظمة الدولية لحماية الحيوان: إن «استغلال الحياة البرية يحدث على نطاق هائل؛ مما يؤثر على رفاهية مليارات الحيوانات. ويجب علينا تحذير المؤسسات المتورطة في هذا الاستغلال، وحثِّها على تحمل مسؤولية إيجاد حل للمشكلة».
واختتمت الكاتبة تقريرها برد المتحدث باسم منصة «تيك توك» الذي صرح أنه «لا يمكننا التعليق على التفاصيل لأننا لم نرَ الحالات المحددة. ومع ذلك، وانطلاقًا من المبدأ العام، توضح إرشاداتنا للمشاركين في المنصة أننا لا نتسامح مع الوحشية ضد الحيوانات، ونتخذ إجراءات عندما ينتهك الأشخاص هذه القواعد، ومنها الحظر الدائم من الانضمام إلى المنصة. ونحن نستخدم مزيجًا من التكنولوجيا، والاعتدال البشري لتحديد المحتوى الذي يخالف إرشادات منصتنا، ومن ثم حذفه».
وتحظر هذه الإرشادات التوجيهية «التعامل بوحشية مع الحيوانات وإراقة دمائها»، بالإضافة إلى تصوير «بقايا الحيوانات المُقطَّعة أوصالها، أو المشوهة، أو المتفحمة، أو المُحترِقَة» والحيوانات المذبوحة.
ساس بوست