شذرات مع كاتبة الطفل سارة السهيل.. بين التربية والأدب
وسائل التواصل الاجتماعي تقتحم عالم الطفل وتتطلب وعياً في الكتابة
كتاب جديد حول ريادة الإسلام في تكريم المرأة واحترام إنسانيّتها
"أميرة البحيرة" مجموعة قصصية للطفل ضمن مشروع "مكتبة الأسرة"
مدار الساعة - إبراهيم السواعير - في خضمّ التظاهرة الثقافيّة الديمقراطيّة لاتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين، وقُبيل أن تدلي بصوتها في انتخابات الاتحاد للدورة الحاليّة 2021/2023، كان الحديث مع كاتبة الطفل الأديبة والقاصّة العراقيّة سارة طالب السهيل، ومع أنّ الوقت كان محفوفاً بالانتظار وجلبة الوقت والأصدقاء والزملاء، إلا أنّ الذي وقفنا عليه في ركنٍ قصّيٍ من قاعة المؤتمرات بالمركز الثقافي الملكي، هو أنّها تعكف على مخطوطٍ جديد للكبار، مع أنّها أبدعت كثيراً في مجال الكتابة للطفل، وهو كتابٌ يتناول إنصاف المرأة العربيّة وتأكيد مدى تحقيق الكرامة لها من منظور إسلامي، وهو أمرٌ مهم في ظلّ تظلّم المرأة وشكواها، وقد كان السؤال الأول الذي وجّهته للكاتبة السهيل هو، هل تعتقدين بأنّ ثمّة أصواتاً ناشزةً عن سياقها العام تحاول إلصاق التهمة بالإسلام، كدينٍ حضاري دعا إلى كرامة المرأة في أمور عديدة وكثيرة يضيق عنها المقام؟!.. فكان جوابها أنّه، وللأسف، هناك أصوات كثيرة مغرضة ترجو أن تظهر المرأة المسلمة بمظهر المرأة المظلومة أو المضطهدة، المهدورة الحقوق، المسلوبة في كلّ المجالات،.. ومما يؤسف له أيضاً أنّ من المروّجين لذلك أناساً بيننا، دون أن نعمم الحالة؛ فلدينا كتّاب مُنصفون ومنفتحون يحظون بالاحترام والتقدير، غير أنّ تشويه صورة الإسلام بالتشدد الذي هو ليس موجوداً أصلاً، أمرٌ غريب علينا وبعيدٌ عن ديننا المتسامح الموضوعي والوجيه لأن يحترم،.. فكان ذلك سبباً كافياً لوجود هذا الكتاب الذي قرأت السهيل لأجله الكثير وتدرّجت قبل أن تكتبه في حضارات عديدة وثقافات وديانات متنوعة.
السؤال التالي للكاتبة السهيل كان حول لغة الكتاب؛ هل هي لغة شاعريّة غنائيّة أم لغة تقريرية تدرس الحالة وتضعنا بصورة الماضي والحاضر في الموضوع قيد الكتابة؟!، وقد كنّا نسأل ذلك لعلمنا أنّ الكاتب الأديب لا بدّ وأن يتدخل أدبه في مؤلفاته في شكل اللغة وصورها ورونقها.. وبالطبع فإنّ إجابة السهيل كانت في أنّ هذا الكتاب ليس عملاً قصصياً أو روائيّاً أو شعرياً حتى، بل هو كتابٌ بحثي، قُدّمت معلوماته بطريقة لطيفة تناسب كل الفئات العمرية التي تتصفحه، فهو كتابٌ تأمل السهيل أن يترجم؛ لأنّه ينتصف للمرأة العربية من بعض المنتفعين أو المشككين، وهو ما يدلّ على أننا في صراع متنوّع وشائك ومتعدد الرؤى، ليس فقط في جانب الأنثى والذكر، وإنّما في جوانب أخرى إنسانيّة مزعجة تضغط على من يريد أن يهنأ في هذه الحياة على فطرته التي خلقه الله عليها، فيعيش الإنسانيّة بكلّ معانيها كما ينبغي لها أن تُعاش.
المرأة والإسلام:: في السياق ذاته، ترى السهيل أنّ الإسلام وبما أنّه كرّم المرأة وحماها وأطّر لها حقوقها ودعا إليها، فإنّ الخطاب سيكون هنا أيضاً للمرأة نفسها، وللمرأة الأجنبية أيضاً لتتعرّف على حقوقنا التي أعطاها لنا ديننا السمح قبل ألف وأربعمئة سنة؛ فلعلّ ذلك يؤثر في الأجيال ويعيد إلينا الثقة، ومن هنا كانت ترجمته هدفاً رئيساً تسعى السهيل له، فقد سبقنا حضارات كثيرة وكنّا مضرب المثل في هذا المجال والنموذج الذي يحترمه الآخرون، وفي حين كانت المرأة غير المسلمة تعاني في حضارات أخرى، كنّا نحن نتمتّع بالصورة التي علينا إبرازها، وقد تطرّقت السهيل في هذا المجال إلى مواضيع كثيرة، منها الذمّة المالية والزواج والنفقة والحقوق والواجبات، والمعاملة الإنسانيّة للمرأة وتمكينها منذ زمن بعيد..
هل كان يمكن أن تُضمّني مواضيع: الخلع، ومحكمة الأسرة، والجديد في التشريعات القانونية إلى هذا الكتاب، كمستجدات في عالم تمكين المرأة وتثبيت حضورها؟!.. أجابت السهيل بأنّ ذلك يمكن أن يُدرس ويستشهد به في مؤلفات لاحقة، لكنّ البداية كانت في قراءة المسار التاريخي والعصور اللاحقة، كقراءات استرشاديّة تقود المهتمين إلى النظر بموضوعيّة إلى تلك الريادة التي تُنتهك اليوم بالتشكيك والقدح في أصالة الحقوق والواجبات.
كان جميلاً أن نستهلّ هذا اللقاء السريع في أحاديثه المليئة بتمنيات الكاتبة وطموحها نحو مستقبل زاهر لبنات جنسها وللبشريّة جمعاء، في التأشير على حجم المعاناة، للمرأة التي قال عنها بعض الكتاب بأنّها تحمل عبء جسدها وتعاني كثيراً ما بين الروح والجسد، أمام هذه الرواسب التي تمتهنها وربما تفقدها الكرامة، لذلك فالكتاب حين يترجم بلسان كاتبة وقاصة طفل لديها أحلام إنسانية مشروعة، يمكن أن يجد الصّدى المناسب لذلك.
ومن ذلك، كان الذهاب نحو منطقة الطفل والكتابة له، وما هي الخلطة التي تشتغل عليها الكاتبة السهيل للطفل في حاضره ومستقبله، خصوصاً وهي تفتح كوى من أحلام ونوافذ من خيال جميل وربما مفارقات، في "أنسنة" المخلوقات جميعاً في إحدى قصص الطفل لديها، في عملها السابق "أميرة البحيرة"، المجموعة القصصية التي أُدرجت ضمن مشروع "مكتبة الأسرة: مهرجان القراءة للجميع" الذي تقوم عليه وزارة الثقافة الأردنية، بأسعار رمزيّة جداً لنشر القراءة والتوعيّة الثقافية والإبداعية والمعرفيّة.
أحلام الطفولة:: حالياً، تقوم الكاتبة السهيل على مجموعة قصصية للطفل، بعنوان "ندى وطائر العقاقير"، فيها الكثير من العبر والدروس كقصّة لطيفة وتهتم بالنشأة والتشويق والحبكة القصصية المناسبة، وفي ما يتعلّق بالخلطة القصصية التي تتبعها، تقارن السهيل بين طفل اليوم وطفل الماضي؛ من حيث الفضاءات المفتوحة والآمال المعقودة؛ وفي هذا المجال تمازح السهيل بقولها "اليوم، أحسّ أنّ الطفل أكبر منّي!!"، في إشارة إلى أننا يجب أن نخاطب هذا الطفل بعمره الذي يعيش، مهتمةً في المقام الأوّل بألا نفقده الطفولة التي بداخله وأن نجعله يمرّ بمراحل عمره، فلا يتخطّاها،.. بل إنّ من المهم جداً ألا نستخفّ بطفولته وفكره، عند ذلك يمكن أن نفكّر بالمعلومة التي يمكن أن نقدّمها له في سياق أدبي، وهي المعلومة التي يجب كما تؤكّد السهيل ألا تكون سطحيّة أو "تافهة"؛ فهذا الطفل لديه أفكاره وأحلامه التي يجب أن نحترمها مهما كان في سنّ صغيرة، فلا يجوز بأيّ حال من الأحوال أن نقول إنّه لن يستوعب ما نكتب أو إنّ ما نكتبه ما يزال كبيراً عليه.
"الطفل مثل الإسفنجة، يتشرّب كلّ ما تضعه فيه"؛ قولٌ جميلٌ للكاتبة السهيل، وهي تكرّس خطاباً للطفل، يحقق عناصر المتعة في الفن والجمال والصورة والكلمة والفنيّات واللغة والنصيحة التي يجب ألا تأتي مباشرةً أو فجّةً، إذ يجب أن تكون منسابةً وغير ثقيلة، لكي يستطيع الطفل تشرّبها وهضمها في ذاكرته وعقله ووجدانه.
العالم الافتراضي:: ألا تعتقدين أنّ الفضائيّات التي كنّا مطلع الألفيّة والسنوات التي تلتها، نخاف من وقوف الطفل أمامها وقتاً طويلاً وتأثّره السلبي بها،.. قد أصبحت قديمةً؛ حين كنّا نقارن بين الكتاب الورقي والعالم الفضائي الجديد واليوتيوب وخلافه،.. إذ بتنا اليوم نتورّط في أشكال مخيفة على الهواتف الذكيّة وما تحمله من شبكات ربما تقلق الطفل وتعبث بعقله ووجدانه الصغير وربما تأخذه إلى مناطق جديدة يتلبّسها؟!... من خلال قنوات يقوم عليها مثقفون أو أصحاب أجندات بحجّة التنوير؟!... سؤال سألناه للسهيل التي وقفت أمامه حائرةً وهي تفتقد حتى عوالم "سبيستون" مثلاً والبرامج الحديثة/القديمة نسبياً؛ فهو عصر متقدّم باضطراد ولا يقف عند حال في سرعته واتجاهه نحو عوالم جديدة، يصبح الطفل فيها شريكاً فاعلاً، وربما مغرراً به، وربما متلبساً للحالة قيد الاشتغال الذكي أو "الخبيث"،... لكلّ ذلك، علينا أن نكون واعين جداً، وأن نواكب الجديد بحذر، وأن تكون مؤلفاتنا للطفل شديدة اليقظة وألا تتخلّى عن عالمه الجميل النقيّ، الذي كنّا نستمع إليه من الأمهات والجدّات وقصص الأطفال بكلّ ما فيها من مغامرات وأفراح.
القيم والأخلاقيات:: تقول سارة السهيل ذلك، وهي ما تزال تُذكّر بمجموعة القيم والمبادئ والأخلاقيات التي لا يجوز مطلقاً أن نتهاون فيها، كقيم بُني عليها المجتمع، من أخلاق وركائز إذا انهدمت انهدم البيت كلّه، فهي تؤكّد ذلك بشدّة مع بقاء هذه الركائز والأعمدة والمداميك، وتنطلق من ذلك نحو أهميّة أن يكون النقد حاضراً وأن تكون هناك رقابة على المصنّفات الفنيّة والكتابيّة، معبّرةً عن ذلك بقولها: "ما أساء إلينا إلا أنصاف الكتّاب ومن دخلوا مجال الكتابة والفن تجارةً ليس إلا؛ فنحن نعاني من الأَنصاف؛ أنصاف الفنانين والمغنين والشعراء، مثلما نقاسي كثيراً ممن يستعرضون دون أن يكون لديهم ما ينفع الناس ويمكث في الأرض"؛ فهؤلاء كما تقول السهيل جاءوا وفي أذهانهم أنّهم يجب أن يستفيدوا ماديّاً من غير أيّ موهبة أو تعب على الذّات، مؤكدةً أهميّة الاستجابة لنبض المجتمع وحضوره في تكوين الرأي العام أمام كثير من القضايا المهمّة،.. وفي السياق، وردّاً على ما أصبح عاديّاً من تجاوزات في أعمال دراميّة و"اسكتشات" مسرحيّة وغير ذلك مما نراه يومياً على الشاشات وفي المسارح، تقول السهيل: " أيّام زمان كان الضمير حاضراً في شخصيّات الأعمال الدراميّة، لتؤَدّى الرسالة التي يتوخّاها الكاتب، ضمن مناطق رائعة نذهب إليها في حفز التفكير والتأمل ومحاسبة الذّات، حتى كأنّ أيّ واحدٍ منا يرى نفسه في هذه الأعمال إن هو أخطأ أو قام بعمل مشابه"؛ منتقدةً كثيراً مما يتم شرعنته واعتياده، بالرغم من أنّه عَكْسُ الطبيعة وضدّ الفطرة السليمة والنظيفة من أيّ شوائب أو أدران".
وفي الجانب الاجتماعي، وكونها درست علم النفس والطاقة الإيجابيّة، بما له من تنافذ على الأساليب التربويّة ومعرفة شخصيّات الأطفال والكبار، تحذّر سارة السهيل من إقحام ما هو غير مألوف وتأباه النفس السويّة، في مواضيع معيّنة، على نفسيّة الطفل وعالمه البريء أو الجميل، فمثلما نحترم عقله علينا أن نحترم وجدانه ونسعد به، كأن نقول له "كن صادقاً!"، بدلاً من قولنا "لا تكذب!"، فهو من التحايل على المعنى بلطف؛ لكي لا نذكّره بالكذب، ومثل هذا الأسلوب أساليب كثيرة في التطبيق الواعي للرؤية والهدف المتصوّر في أدب الطفل ومجالاته التربويّة.
رومانسيّة المرأة:: وعودةً على المرأة؛ أليست كائناً "رومانسيّاً"، يمكن أن تعيش أجمل الأحلام والتفاصيل الإنسانيّة في لحظات عمرها ورؤاها للحياة كمحطّات من الورود والفرح؟!.. تؤكّد السهيل ذلك، فلم يكن الحبّ يوماً حراماً أو عيباً، كما أنّ المرأة لها ذاتها الشفيفة والرقيقة التي يجب أن نحترمها، من احترام ديننا الحنيف لها ومعاملة نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لزوجاته معاملةً كريمةً ونبيلة من نبيٍّ يؤمن بمواطن الضعف والقوّة عند الإنسان، ويعزز قيم التسامح والوسطيّة والمحبّة مع الجميع.
هل في مخبوء الكاتبة السهيل شيءٌ من قصّة أو وجدان حواري في مجموعة تحمل كلّ هذا الإحساس الجميل مع الحياة والذات والمحيط الإنسانيّ؟!...تجيب السهيل بأنّ لديها مجموعتين قصصيتين تعكف عليهما قبل أن تدفع بهما نحو الطباعة، وفيهما بالطبع رومانسيّة جميلة وعاطفة نظيفة، منهما مجموعة رأتْ أنها تقع بين كونها للكبار والصّغار؛ فالكاتبة حائرة في تصنيفها؛ "لأنّ عالم الطفولة يأتيي فجأةً حتى وأنا أكتب للكبار!".
ولأنّ المخزون العاطفي والإنساني لديها يؤهّلها لكتابة نصوص مسرحيّة، لتوافر الحوار والقضايا الإنسانيّة والذّاتية التي تدافع عنها، تقول السهيل إنّها جرّبت فعلاً أن تكتب في هذا المجال، في مسرحيّة "سلمى والفئران الأربعة"، التي مثّلتها الراحلة دلال عبدالعزيز وكتب مقدّمتها الفنان الراحل عبدالمنعم مدبولي فيما أخرجها الفنان أسامة عبدالرؤوف، مؤكّدةً أنّها كانت تجربةً ناجحةً وقُدّمت على مسرح فيصل ندى بمصر، وذلك يدعوها إلى أن تعيد التجربة، مكاشفةً بأنّنا جميعاً نتخوّف أو نتهيّب من الإنتاج في موضوع مسرح الطفل بما فيه من منطلقات ومبادئ تحافظ عليها في كلّ أعمالها والنصوص التي تكتبها، وبالتأكيد كما تقول هناك فرق واضح بين الكتابة للكبار والكتابة للأطفال في مواضيع الإبهار والجرأة والمواضيع قيد الطرح أو العمل المسرحي.
الشعوب العربيّة:: في نهاية اللقاء، كان لا بدّ وأن نقرأ شيئاً من سياسة من وجهة نظر الكاتبة السهيل؛ خاصةً وأنّ الأديب لا بدّ وأنّ يغمّس من صحن السياسة مهما حاول الابتعاد عنها، وفي هذا الموضوع، تقول السهيل إنّها تأمل مثل أيّ كاتبٍ عربي أن يعمّ الخير والسلام وتتخلص البلدان من همومها السياسيّة والاقتصاديّة وأن يزدهر الإنتاج والعطاء فيها، وتتخلّص من عوامل اليأس والإحباط المجتمعيّ، متأملةً أن يكون القادم أفضل وأن تنعم الشعوب بالراحة والاستقرار والرخاء وتحقيق الأحلام.