مدار الساعة - لا شكَّ في أن كثيراً من الناس عندما تُذكر أمامهم جملة تدخين السجائر فإنهم غالباً ما يفكرون في المخاطر الصحية التي تسببها لجسم الإنسان، وينسون التفكير في جزء آخر منسيٍّ من المخاطر، وهو كيف يمكن لهذه السجائر أن تُلحق الضرر بالبيئة التي نعيش فيها جميعاً.
أضرار السجائر على البيئة
تتسبب السجائر في تلوث كبير بالبيئة، يبدأ من خلال عمليات تصنيعها، وينتهي بإطلاق ملوثات سامة في الغلاف الجوي، ولكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد، بل يتجاوزه ليتسبب بآثار خطيرة تطال أيضاً الحيوانات والنباتات.
في هذا التقرير سنكتشف ما هي الأضرار التي تلحقها صناعة واستهلاك السجائر بالبيئة.
1 – إزالة الغابات
إن المكونين الرئيسيين في صناعة السجائر هما التبغ والأوراق، بالنسبة للتبغ فإن معظم التبغ في العالم يأتي من الدول التي تمتلك غابات مطيرة مثل الصين والهند والبرازيل، والتي تعتبر من أكبر الدول المنتجة له في العالم، وفقاً لمؤشر Statista العالمي.
وبناءً عليه، فقد ساهم إنتاج التبغ في إزالة الغابات بشكل كبير في المناطق التي يزرع فيها؛ لكونه يحقق أرباحاً عالية.
من بين الأمثلة، فإن قرية تابورا بدولة تنزانيا في القارة الإفريقيّة والتي تحتل المرتبة التاسعة في قائمة أكثر منتجي التبغ في العالم، كانت في يوم من الأيام قرية مُغطاة بالغابات، أما اليوم فأصبح من النادر رؤية شجرة في هذه القرية، والسبب هو اعتماد مزارعيها على إنتاج التبغ.
من ناحية ثانية، يقول موقع Conserve Energy Future إنّ كل 300 سيجارة يتم تصنيعها يحتاج المُصنِّعون في المقابل إلى نحو 6 آلاف متر من الورق للف والتعبئة، وهي كمية تأتي من شجرة واحدة كبيرة الحجم.
إضافة إلى ذلك، يتعين على العديد من الدول المنتجة حرق كثير من الأخشاب المستخدمة في إشعال النار لتجفيف أوراق التبغ.
كما علينا أن لا ننسى أن لإزالة الغابات آثاراً مضاعفة إضافية على البيئة، مثل تقليل توافر النباتات للبحث عن الطعام، وفقدان التنوع البيولوجي، وتآكل التربة، وزيادة درجات الحرارة العالمية.
2 – توليد كميات ضخمة من النفايات السامة
تتطلب العملية الكاملة لزراعة التبغ ومعالجته ونقله استخدام كمية كبيرة من المواد الكيميائية والمواد السامة الأخرى، كما تولد عملية الإنتاج كميات هائلة من النفايات، مثل المبيدات والأسمدة الكيماوية الضارة.
إحدى المواد المستخدمة بشكل معتاد في عملية الإنتاج باسم الألديكارب، وهي مادة مُبيدة للآفات، وتعرف بأنها شديدة السُّمية للإنسان والنباتات والحيوانات ويمكن أن تتسرب إلى المجاري المائية وتسبب تسمم التربة لعدة سنوات.
كما تشمل النفايات السامة الأخرى المتولدة من إنتاج السجائر: (الديثان، الإيميداكلوبريد، ثنائي كلوروبروبين، كلوربيريفوس، بروميد الميثيل).
في وقت مبكر من عام 1995، تم الإبلاغ عما يقرب من 2300 مليون كيلوغرام من نفايات التصنيع يتم توليدها من عملية تصنيع السجائر سنوياً، إضافة إلى 209 كيلوغرامات من النفايات الكيميائية.
3 – تلوث الهواء من خلال الزراعة والإنتاج والاستهلاك
تضيف المُعالجة الصناعية وتدخين السجائر كميات هائلة من ملوثات الهواء إلى الغلاف الجوي.
ويبدأ تلوث الهواء من مزارع التبغ حيث تنبعث من الآلات المُستخدمة غازات الاحتباس الحراري من الوقود الأحفوري المحترق لإنتاج الطاقة.
كما أن هناك حاجة أيضاً إلى حرق الأخشاب بالأفران الخاصة في عملية المعالجة، مما يؤدي إلى إطلاق مواد كيميائية ضارة في الغلاف الجوي.
في حين أنّ دخان السجائر يتسبب في تلوث الهواء أيضاً من خلال إطلاق ثاني أكسيد الكربون والميثان والمواد الكيميائية الضارة الأخرى الموجودة في السجائر.
وعلى الرغم من أن الميثان وثاني أكسيد الكربون ليسا مُميتين للمدخنين، فإنهما يتسببان في زيادة التلوث الجوي.
يبعث التدخين على مستوى العالم ما يقرب من 2.6 مليار كيلوغرام من ثاني أكسيد الكربون و 5.2 مليار كيلوغرام من الميثان في الغلاف الجوي كل عام.
4 – تلوث التربة من خلال الزراعة ورمي أعقاب السجائر
إن النسب العالية من مبيدات الآفات والأسمدة والمواد الكيميائية الأخرى المستخدمة في زراعة التبغ تُدخل كميات كبيرة من الملوثات الخطرة على الأرض والتربة.
تتراكم هذه المواد الكيميائية وتعيق في النهاية خصوبة التربة وتجعل الأراضي غير مناسبة لدعم أي محصول آخر.
من ناحية أخرى، فإن معظم المكونات الموجودة في أعقاب السجائر غير قابلة للتحلل وتستغرق سنوات حتى تتحلل.
ورغم أنّ فلاتر السجائر مصنوعة من أسيتات السليلوز البلاستيكية القابلة للتحلل الضوئي، فإن تفكيكها بواسطة ضوء الأشعة فوق البنفسجية ولكنه يستغرق فترة طويلة لتتحلل.
وبالتالي تبقى مكونات الفلاتر في التربة فترة طويلة تصل إلى 10 سنوات حسب تقدير الباحثين، وطالما أنها موجودة في التربة، ستظل التربة ملوثة.
5 – تلوث المجاري المائية
أصبحت أعقاب السجائر بشكل متزايد، أحد أكبر المخاوف في ما يتعلق بإلقاء القمامة، لاسيما أنه من الشائع العثور على أعقاب سجائر متناثرة في كل مكان على الأرض حولنا، وغالباً ما تجد هذه الأعقاب طريقها نحو الممرات المائية عندما تغسلها مياه الأمطار أو عندما ينتهي بها الأمر على طول الشواطئ أو في الأراضي الرطبة.
وتشير منظمة حفظ المحيطات Ocean Conservancy إلى أن أعقاب السجائر هي أكثر النفايات شيوعاً في العالم التي ينتهي الأمر بعدد هائل منها في المحيطات والأنهار.
في عام 2008، على سبيل المثال، تمكن البرنامج الدولي لتنظيف السواحل التابع لمنظمة حفظ المحيطات، من إزالة نحو 3.2 مليون عقب سجائر من المجاري المائية والشواطئ، وكان هذا ما يقرب من ضعف كمية جميع النفايات الأخرى.
6 – التأثير على الحياة البحرية
عندما تتلوث المجاري المائية بفلاتر السجائر فإنها تلحق ضرراً بالغاً بالحيوانات البحرية؛ بل تلوث أيضاً المياه الجوفية.
على سبيل المثال تأثرت الأسماك، بشكل خاص، بالسجائر، فعندما تجد الفلاتر طريقها نحو المحيطات والبحار، فإن الأسماك تلتهمها، لأنها تشبه الطعام.
فتبقى الفلاتر داخل الأسماك، مما يقلل من سعة معدتها وبالتالي يؤثر بشكل كبير على عاداتها الغذائية.
وبالمثل أيضاً، لا يسلم البشر، بأي حال من الأحوال، من تناول المواد الكيميائية عن طريق تناول الأسماك المصابة.
7 – التأثير على الحيوانات الأليفة
عندما تكون الحيوانات الأليفة مثل الكلاب والقطط في الهواء الطلق، فإنها تفعل أشياء كثيرة مثل استنشاق القمامة والشوارع، وهذا الأمر يعرّض هذه الحيوانات لخطر ابتلاع أعقاب السجائر الملقاة على الأرض، والعواقب الأسوأ قد تصل إلى حد وفاة هذا الحيوان.
في حين أن هناك أعراضاً أخرى أخف قد تصيب الحيوان مثل جعله عرضة للإصابة بالربو أو مضاعفات الرئتين الأخرى.
في حين أنّ الماشية أيضاً ليست مستبعدة من هذه المخاطر، فكما قلنا سابقاً فإن المواد الكيماوية الموجودة في مخلفات السجائر تتسرب إلى التربة عند تحللها، مما يؤدي إلى تسمم النباتات التي تتغذى عليها الماشية.
8 – التسبب بحرائق الغابات
لا شك في أن حرائق الغابات التي تحدث بالعالم سنوياً بسبب أعقاب السجائر، لا تعد ولا تحصى.
في المتوسط هناك أكثر من 60 ألف حريق يشعلها الإنسان سنوياً، تعتبر السجائر أكبر المسببات شيوعاً لها، وفقاً لما ذكره مركز مكافحة الحرائق الوطني المشترك في الولايات المتحدة الأمريكية NIFC.
علاوة على ذلك، فإن حرائق الغابات هذه تضر بالبيئة، وتتسبب في فقدان التنوع البيولوجي سواء في الحياة البحرية أو البرية، كما تتسبب في تلوث الهواء وخسائر كبيرة بالغابات.
أبسط حل هو تقليل عدد المدخنين في المجتمع، إذ سيؤدي هذا إلى تقليل الطلب على التبغ، مما سيؤدي في النهاية إلى تقليل زراعته، وكذلك تقليل أعقاب السجائر.
ومع ذلك، هناك استراتيجيات أخرى أكثر استهدافاً يمكن استخدامها، على سبيل المثال، توفير مزيد من الأماكن للمدخنين؛ للتخلص من أعقاب السجائر الخاصة بهم، من شأنه أن يقلل من مشكلة إلقاء القمامة.
إضافة إلى أنّه من المهم أيضاً أن تدرك أن الحل الأكثر موثوقية للمشكلة هو اتخاذ خطوات للتحرك نحو عالم خالٍ من التدخين رغم صعوبة الأمر.
عربي بوست