كتب: ا.د. احمد ملاعبة
الأستاذ المبدع أسعد العزوني في كتابه رسالة من لندن يضع القارئ بين حيرة المصطلحات والعبارات و واقعية المكان فيدخل القارئ في زمن التيه مبكرا،
أركان هذا التيه فيها روعة السرد بين سراديق الحروف وروعة المعاني وحبكة الرسالة.
الاعلامي العزوني أسعد عرف أن الكلمة ليست منظومة او مجموعة من أحرف يجمعها في شكل مصفوفة متسلسلة او متتالية ولكنه كان يحولها إلى رسمة جميلة ليبرز أمام القارىء مشهد صعب التكرار.
يتناول الكتاب "رسالة من لندن" في مجملة سلسلة قصصية اختارها من محاكاته لمعترك الحياة عاشها واقعا وكتبها نصا على هيئة حوار مشبعا بالأفكار.
نصوصا تحمل في بطونها ذوات معاني التي لها مدلولها الفكري والسياسي حيث تبرز وعي شخصيته منذ ريعان و يفاعة شبابه.
بين سطور النصوص يظهر أنه سياسي ملهم ويبرز ذلك من خلال الحوارات التي يطرحها في رسائله الهادفة حيث تجده احيانا هينا لينا في نقاشه مع الآخرين وأحيانا مزمجرا كالأسد في الدفاع عن قضيته الأولى القضية الفلسطينية.
لقد تعرفت لسوء حظي على الأستاذ اسعد العزوني متأخرا وبدأنا مشوارا أدبيا وحضاريا توثيقيا او "زمكانيا" فكانت النصوص التي نكتبها هي نتاج خبرة وعمل ميداني امتد من نهر اليرموك والباقوره شمالا وحتى القريقرة في وادي عربة جنوبا
اهم محطات هذه الرحلة هي الأودية العملاقة على ضفاف البحر الميت الشرقية
تبدأ من وادي سويمة شمالا حتى وادي نميره ووادي الصافي جنوبا والتي ألهمتنا بجمالها ورونق واقعها إلى أن انتهينا وقبل أشهر من كتابة كتاب الأودية العملاقة وهو قيد النشر والذي فيه طرح يتفق تماما مع ما كان يسرده في كتاب "رسالة من لندن"
قلقيلية ونابلس وطولكرم والقدس ويفند الروايات المغلوطة التي تم انزالها ظلما على ذاكرة المكان واحداث الزمان.
منذ بداية الكتاب "رسالة من لندن" يدخلك أسعد بين مذاق ورائحة الطعام الفلسطيني من الملوخية والمقلوبة والمسخن والمفتول التي عشق رائحتها وطعمها المضمخ بالتراب الفلسطيني الذي أنتج بيارات البرتقال والتفاح ودروب الباذنجان واكوام القثاء والخيار وغيرها من الخيرات الكثير ليضعها في قدر واحد بعيدا عن موائد كثيرة تضمنتها كل رسالة من رسائله ولربما هذا السبب في هذا البناء الفلاحي الأصلى الذي اعطاه منذ الطفولة بلاغة في الكتابة وجهامة في العلم وبسطة في الجسم.
التوراتيون و الناطوريون ومساحات البكاء المضطرب عندهم .. لم تؤثر في ثوابت وحقائق أسعد وبقي مؤمنا أن فلسطين هي كنعانية عربية تعاقبت عليها حضارات كثيره.
تلمس العزوني منابع الإلهام وعاين القدرات الخاصة التي تمتع بها منذ الطفولة، تلك القدرات التي هيأته ليكون ما هو عليه اليوم، مبينا انه قدم في الكتاب رسالة مميزة وبحثا ونصا إبداعياً أثبت انه أنموذجٌ لرجل عصامي صادق، لم ينشغل للحظةٍ عن الاهتمام بقضايا وطنه وأمته و مستقبلها المأمول.
موشيه واسحاق وجلسات الحوار والنقاش في مجالس الضيافة وفي مكاتب المعامل المصانع ربطها العزوني بعمل نوعي يصلح أن يكون أوراقا لمؤتمر أو عمل فني رغم انه قد يسبب الضجة والضوضاء لا تعجب البعض.
إنتظر اسعد الى اليوم العاشر من أيلول كي يصل الى بغداد لانتصار ان تصله رسالة مفعمة بالحقيقة والفهم العميق من الدكتور اسحق الذي غادر الى بريطانيا للبحث عن وطن ولكنه رضخ بمحض ارادته ليخاطب أسعد حيث كان يدرس في بغداد برسالة حملت عنوان الكتاب رسالة من لندن.
وانا اكتب هذه الكلمات في "رسالة من آبل الزيت" سأنتظر رسالة من العزوني اسعد يبعثها لي في العاشر من ايلول القادم ويقول لي أن القدس الشرقية والغربية توحدت وعاد إليها فاتحا منتصرا ولن يعود ثانية الى بغداد ثانية كي ينتظر رسالة من دكتور اسحق ولا موشيه كارشين ولا من غيرهم من اي مكان من فلسطين.
المبدع أسعد العزوني ننتظر منك المزيد من الرسائل الهادفة التي تلامس شغاف القلب وتقر مهج العيون.