مدار الساعة - ماذا يمر على مخيلتك عندما تسمع عبارة "قصر ملكي"؟ ربما الحدائق الغنّاء أو الجدران والأعمدة المطلية بالذهب أو الملابس الفاخرة أو الغرف الفسيحة التي تدخلها الشمس من كل جانب.. ربما تتسم القصور الملكية اليوم بمواصفات كهذه، لكن الأمر كان مختلفاً تماماً في العصور الوسطى، حيث كانت السلالم والساحات والحدائق تعج بالأوساخ والقاذورات والنفايات البشرية.
القصور الملكية.. تاريخ مثير للاشمئزاز
روائح مقرفة تجبر هنري الثامن على الترحال
بالرغم من أن هنري الثامن كان ملكاً عنيداً تمكن من فصل كنيسة إنجلترا عن الكنيسة الكاثوليكية، إلا أن الروائح المقرفة التي انتشرت في قصره تمكنت من هزيمته.
في عام 1535 على سبيل المثال، تنقل ملك إنجلترا لمدة عام كامل بين أكثر من 60 قصراً ومسكناً أرستقراطياً ومؤسسة دينية في محاولة إيجاد محيط صحي للبقاء فيه.
وفي حين أن تنقلاته تلك كانت هامة على الصعيد الدبلوماسي؛ إذ كان يعقد التحالفات ويتأكد من ولاء رعاياه من خلال زيارته لأماكن مختلفة، إلا أن محاولة إيجاد مكان نظيف للبقاء فيه كانت هدفاً آخر لهذا الترحال.
فقد كان لابد من إخلاء القصور مثل هامبتون كورت باستمرار حتى يتسنى للعمال تنظيفها من النفايات المتراكمة.
في ذلك الوقت لم يمتلك الإنجليز نظاماً فعالاً للصرف أو للتخلص من كافة أنواع النفايات، وبعد إقامة مأدبة ما في أحد القصور الملكية تنتشر الرائحة الكريهة في المكان على الفور بعد أيام من انتهاء المأدبة بسبب تعفن بقايا الطعام التي لا يتم التخلص منها بحكمة.
فضلاً عن الروائح الناتجة عن تراكم النفايات البشرية في الغرف الموجودة تحت الأرض، بالإضافة إلى فضلات الحيوانات والحشرات المتحلقة فوق الجثث.
وبسبب تدني معايير النظافة في العصور الوسطى كانت هذه الروائح الكريهة أمراً شائعاً في معظم أرجاء البلاد، لكن من المثير للاهتمام أن القصور الملكية كانت أكثر قذارة من المنازل البسيطة وذلك بسبب كثرة أعداد زائريها وصعوبة إجراء تنظيف شامل لها بشكل يومي.
ملابس لم تغسل، قمل وكلاب تملؤها البراغيث
إذا ذهبت إلى أحد المتاحف الباريسية ورأيت لوحات لأفراد عائلة الملك لويس الرابع عشر وهم يرتدون ملابس أنيقة ومطرزة، يجب أن تحمد الله أن تلك اللوحات لا تستطيع تصوير روائح هذه الملابس التي لم تغسل قط!
أما تشارلز الثاني ملك إنجلترا، فقد كان يسمح لكلابه المكسوة بالبراغيث أن تنام على سريره وتتجول في القصر كما يحلو لها مما جعل القصر بأكمله كريه الرائحة.
حتى في عهد كاثرين العظيمة لم يكن الوضع أحسن حالاً، فقد انتشر القمل في أثاث القصر، الأمر الذي جعله مثيراً للاشمئزاز وفقاً لما ورد في موقع History.
لكن ما السبب؟
عدم وجود خيارات عملية للتخلص من النفايات أو مياه الصرف في ذاك العصر كانت عاملاً أساسياً لانتشار الفضلات بهذه الطريقة، فضلاً عن أن الصحة والنظافة لم تكن أولوية بالنسبة لكثيرين.
تقول إليانور هيرمان، مؤلفة كتاب The Royal Art of Poison ، عن القصور الملكية: "كان البراز والبول في كل مكان" .
مضيفة: "بعض رجال الحاشية لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن وعاء للتخلص من الفضلات، فاستخدموا السلالم والردهات بل وحتى المدافئ لهذا الغرض".
حتى رجال الحاشية في القصور الفاخرة، مثل قصر اللوفر في باريس، لم يمتنعوا عن التبول والتبرز على الأدراج وخلف الأبواب.
معركة الملك لمحاربة الفضلات والأوساخ والقاذورات
وفقاً للمؤرخ أليسون وير، مؤلف كتاب هنري الثامن: الملك وبلاطه، فإن هنري الثامن خاض معركة ضارية ضد الأوساخ والقاذورات والفضلات.
كان الملك ينام على سرير محاط بالفراء لإبعاد البراغيث والحشرات، وتم تحذير الزائرين من "مسح أو فرك أيديهم على أي من أقمشة الملك وإلا سيواجهون العقوبة".
ولمنع الخدم ورجال الحاشية من التبول على جدران الحديقة، رسم هنري علامة X حمراء كبيرة في المناطق التي يكثر فيها أولئك من التبول عادة.
وكان الطهاة في القصر يعملون عراة أو بملابس متسخة، فأصدر الملك أمراً بمنع هذه السلوكيات كما أمر بشراء ملابس نظيفة لهم.
وفي حين امتلك هنري الثامن نظام مرحاض متطوراً نسبياً لنفسه، إلا أن الأمر كان مختلفاً بالنسبة للخدم الذين كانوا يتبولون بأحواض، والمقرف أنهم كانوا يستخدمون ذلك البول للتنظيف!!
ملوك لم يستحموا طوال حياتهم وآخرون اكتفوا بالاستحمام مرتين
كان هنري الثامن يستحم كثيراً ويغير قمصانه الداخلية بشكل يومي لكن هذا السلوك لم يكن شائعاً في العائلات الملكية إجمالاً؛ إذ كان يعتقد أن الاستحمام أمر غير صحي.
يشاع أن لويس الرابع عشر قد استحم مرتين فقط في حياته، كما فعلت الملكة إيزابيلا ملكة قشتالة، كما يقول هيرمان.
أما ماري أنطوانيت فقد كانت أفضل حالاً؛ إذ كانت تستحم مرة واحدة في الشهر.
وقيل إن الملك البريطاني جيمس الأول في القرن السابع عشر لم يستحم أبداً، مما تسبب في امتلاء الغرف التي كان يتردد عليها بالقمل.
فرساي.. قصر الفضلات
في عام 1682 نقل لويس الرابع عشر بلاطه بشكل دائم إلى قصر فرساي الضخم المُذهّب.
حيث بات يتواجد حوالي 100 ألف من أفراد العائلة المالكة والأرستقراطيين والمسؤولين الحكوميين والعاملين وضباط الجيش في فرساي والمساكن المحيطة به، الأمر الذي شكل كارثة صحية.
بالرغم من سمعة فرساي كقصر فخم، إلا أن الحياة فيه لم تكن أفضل حالاً من الحياة في أشد الأحياء فقراً وبؤساً في باريس من الناحية الصحية.
فقد كانت السيدات يرفعن تنوراتهن ليتبولن في مكانهن، بينما يتبول بعض الرجال على الدرابزين في وسط الكنيسة الملكية. وفقاً للمؤرخ توني سبافورث، مؤلف كتاب فرساي: سيرة ذاتية للقصر، فقد رمى أحدهم ذات مرة نفايات بشرية من النافذة وتصادف أنها سقطت على رأس ماري أنطوانيت بينما كانت تمشي في فناء داخلي.
وبالتأكيد، أدت طريقة العيش غير الصحية هذه بلا شك إلى وفيات لا حصر لها في جميع الأسر الأوروبية الملكية.
عربي بوست