د. جواد العناني
حسب تقارير البنك الدولي وتقديراته، فإن حجم الدمار المادي الذي لحق بسوريا منذ اندلاع الأحداث فيها قبل ما يقارب ست سنوات يبلغ (250) مليار دولار.
وبحسب تلك التقارير، فإن سوريا التي لو قدر لها الا تقع بين فكي تلك الاحداث الدامية، كانت ستنمو بمعدل قد يصل 4% سنوياً على الأقل ، وبمعنى آخر، فإن ناتجها المحلي الإجمالي كان سيصل الى (110) بلايين دولار بالأسعار الجارية مقابل أقل من (45) بليوناً في نهاية عام 2016. وتقول مصادر الأمم المتحدة، أن سوريا بحاجة إلى (180) بليون دولار من الإنفاق على التنمية لكي تستعيد الحالة التي كانت عليها قبل ست سنوات.
أما العراق، فإن الوضع المالي فيها صعب جداً، ولظروف مختلفة، فالحكومة المركزية بحاجة إلى اعادة تنظيم مؤسساتها وتفعيلها لكي تضمن ان الصادرات النفطية ستعود الى الخزينة العامة، بدلاً من أن تؤول إلى الميليشيات المختلفة، والتي تقوم بتسريب كميات كبيرة منها إلى جهات خارجية تدعم هذه الميليشيات وترعاها.
والعراق بالطبع قد مر بسنوات طويلة من الحروب اكثر مما مرت به سوريا، فمنذ عام (1980) ، والعراق في حرب دائمة إما مع الجارة ايران، او في حالة حرب في الكويت، او في حالة عقوبات اقتصادية ساهمت في تدمير البنى التحتية والفوقية، وأخيراً ومنذ عام 2003، وهو عام الغزو الأمريكي وحلفاء أمريكا للعراق وإسقاط نظامها السياسي والعراق في حالة تهديم دائمة للمؤسسات، والنظم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والمصرفية. ومنذ استلام رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي وهو يبذل جهداً مقدراً لإخراج العراق من أزمته وسط تركة ثقيلة من الفساد، والتغول على الدوائر، والشرذمة، والحرب ضد الارهاب.
ومع أن التقديرات عن حجم التمويل المطلوب لإعادة العراق إلى معدلات نمو إيجابية حقيقية غير متاحة بشكل واضح، إلا أن هذه المبالغ لن تقل بأي حال من الأحوال عن (300) بليون دولار من أجل جعل العراق قادراً على معاودة الانتاج، والربط بين اجزائه، وإعادة الزخم الى العمل المؤسسي في القطاعين العام والخاص.
الحد الأدنى المطلوب لإعادة إعمار سوريا والعراق يساوي حوالي (480) بليون دولار، وهو رقم سمعناه أثناء زيارة الرئيس دونالد ترامب الى المملكة العربية السعودية. ومع ان المعارضين للرئيس الامريكي داخل الولايات المتحدة يشكون في امكانية تنفيذ هذه الاتفاقات، ويقولون إنها مجرد إعلانات للنوايا اكثر مما هي التزامات تعاقدية، إلا أن السؤال الذي يبقى في الاذهان هو: ومن اين سندبر الاموال المطلوبة لإعادة بناء سوريا والعراق؟.
لن تأتي هذه الأموال إلا إذا اعيد في البداية إحياء انتاج النفط والغاز في البلدين، وضمان تصدير هاتين المادتين بالطرق والوسائل الآمنة لتنفيذ عقود البيع، ولهذا، فإن ضمان سلامة آبار النفط والغاز، وسلامة الموانئ ، أو الأنابيب تبقى الشرط الاساسي للدخول في عقود طويلة الاجل مع المشترين.
وإذا نجح العراق في رفع صادراته من النفط إلى أكثر من (4) ملايين برميل يومياً، ونجح في تصدير غاز بمعدل بليون ونصف البليون قدم مكعب في اليوم، فإن حصيلة دخله من هاتين المادتين سوف ترتفع وفق الاسعار الحالية إلى حوالي (90) مليار دولار سنوياً. وينطبق التحليل الى حد ما على سوريا رغم ان دخلها سيكون اقل من ذلك.
كان العراق يمتلك انتاجاً صناعياً في مجالات مختلفة، وبلغت نسبة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي عام (2016) ما قدره (64%)، ولهذا، إن انعاش قطاع النفط سيعيد الزخم للصناعة، أما قطاع الزراعة فيساهم بنسبة (5ر3%) فقط من الناتج المحلي الإجمالي، ويستطيع العراق أن يتوسع في قطاع الزراعة وزيادة انتاجه من الحبوب واللحوم والتمور بشكل سريع.
أما بالنسبة لسورية، فإن الزراعة كانت تشكل فيه نسبة (17%) والصناعة حوالي (27.5%)، والباقي خدمات، وبالإمكان العودة إلى زخم الانتاج الزراعي بسرعة، أما بالنسبة للصناعة فإنها بحاجة إلى إعادة بناء، ولو منح اصحاب الصناعات السابقين الحق في إنشاء مصانعهم مقابل اعفاءات كاملة من الضرائب والرسوم لمدة (5) سنوات ، فإن الصناعيين كفيلون بإعادة هذا القطاع الحيوي.
إن لدى كلتا الدولتين القدرة والطاقة على إعادة بناء قطاعات النفط والغاز والزراعة والصناعة فيهما، وهذه القطاعات الثلاثة كفيلة بأن تكون الركائز الأساسية لإعادة بناء الدولتين.
ولكن من أجل ان توضع البرامج الصحيحة، وتستعاد ثقة المستثمرين من اهل البلدين او من الوطن العربي او من العالم، فإن الأمن والأمان يصبحان الشرط السابق لضمان هذه العملية، ومطلوب كذلك حل سياسي يضمن لكل مكون من مكونات هذين البلدين الحقوق الأساسية والحريات المطلوبة للتنقل وإبداء الرأي، والعبادة والاستثمار والتملك في منأى عن الأذى أو التهديد.
صحيح ان التقديرات الاولية للأموال المطلوبة لإعادة هذين الاقتصادين إلى طبيعتهما تبدو كبيرة وشبه مستحيلة، ولكن الواقع ان ثروة هذين البلدين وإمكاناتهما هما العماد الاول لهما، وكلاهما يقدر على استعادة امكاناته الانتاجية بالتدريج الى أن يحقق مداخيل تمكنه من أن يدعو الآخرين إلى المشاركة معه في استكمال البناء والإعمار.
قال لنا الاقتصادي والفيلسوف البريطاني «جون ستيوارت ميل» ان الشعوب الخارجة من حروب تبدي إرادة وطاقة في البناء والإعمار بعد الحروب تتجاوز حدودها العادية بكثير، فالرغبة واللهفة لاستعادة طبيعة الامور ترفع من نسبة «الأدرينالين» في جسم الامة، ويحفزها على العمل الخلاق والمتواصل.
الدستور