مدار الساعة - ربما تعتقد أن اللون الأزرق شائع جدًّا في الطبيعة. ولكن من بين جميع الألوان الموجودة في الصخور والنباتات والزهور أو في فرو الحيوانات أو ريشها أو جلودها، نجد أن اللون الأزرق نادر على نحو مذهل
نشر موقع «لايف ساينس» المهتم بالعلوم تقريرًا لميندي ويسبيرجر، الكاتبة الرئيسة في الموقع والمهتمة بموضوعات التغير المناخي والحفريات وسلوك الحيوانات والفضاء، تحدثت فيه عن ندرة اللون الأزرق في الطبيعة وسبب ذلك.
استهلت الكاتبة تقريرها بالقول: عندما تنظر إلى السماء الزرقاء أو إلى زُرْقة المحيط التي تبدو لا نهائية، ربما تعتقد أن اللون الأزرق شائع جدًّا في الطبيعة. ولكن من بين جميع الألوان الموجودة في الصخور والنباتات والزهور أو في فرو الحيوانات أو ريشها أو جلودها، نجد أن اللون الأزرق نادر على نحو مذهل. ولكن ما سبب ندرة اللون الأزرق؟ تأتي الإجابة من الكيمياء والفيزياء التي تفسِّر كيف تتكون الألوان وكيف نراها.
نحن قادرون على رؤية الألوان لأن كل عين من أعيننا تحتوي على ستة إلى سبعة ملايين خلية حساسة للضوء تسمى الخلايا المخروطية. وهناك ثلاثة أنواع مختلفة من الخلايا المخروطية في عين الشخص الذي يتمتع برؤية طبيعية للألوان، وكل نوع من هذه الخلايا المخروطية أكثر حساسية لطول موجي معين من الضوء: الأحمر أو الأخضر أو الأزرق. وتصل المعلومات من ملايين الخلايا المخروطية في العين إلى أدمغتنا على شكل إشارات كهربائية تنقل جميع أنواع الضوء المنعكس عن ما رأته أعيننا، وهي التي تُفَسَّر بعد ذلك إلى ظلال مختلفة من الألوان.
كيف ترى أعيننا اللون الأزرق؟
تنقل الكاتبة عن الكاتب المختص في العلوم، كاي كوبفر شميت، مؤلف كتاب «الأزرق: بحثًا عن أندر لون في الطبيعة» ما قاله لموقع «لايف ساينس» إنه عندما ننظر إلى جسم ملون مثل الياقوت المتلألئ أو زهرة الكوبية النابضة بالحياة، «يمتص الجسم جزءًا من الضوء الأبيض الساقط عليه، ولأنه يمتص بعض اللون، يكون للجزء المتبقي من الضوء لون».
وأضاف كوبفر شميت موضحًا: «عندما ترى زهرة زرقاء، زهرة الذرة على سبيل المثال، فأنت ترى الزهرة باللون الأزرق لأنها امتصت اللون الأحمر من الطيف». بعبارة أخرى، تظهر الزهرة باللون الأزرق لأن هذا اللون هو الجزء من الطيف الذي رفضته الزهرة، كما كتب كوبفر شميت في كتابه الذي يستكشف طبيعة هذا اللون المحبوب.
وتوضح الكاتبة أنه في الطيف المرئي، يمتلك اللون الأحمر طولًا موجيًّا طويلًا، ما يعني أنه منخفض الطاقة للغاية موازنةً بالألوان الأخرى. وقال كوبفر شميت: من أجل أن تظهر الزهرة باللون الأزرق، «يجب أن تكون قادرة على إنتاج جزيء يستطيع امتصاص كمية ضئيلة جدًّا من الطاقة، من أجل امتصاص الجزء الأحمر من الطيف».
ومن الصعب على النباتات إنتاج مثل هذه الجزيئات، لأنها كبيرة ومعقدة، وهذا هو السبب أن الزهور الزرقاء تمثل 10% فقط من أنواع النباتات المزهرة في العالم والتي يبلغ عددها 300 ألف نوع تقريبًا. وقال أدريان داير، الأستاذ المشارك وخبير الرؤية في معهد رويال ملبورن للتكنولوجيا في أستراليا، متحدثًا لشركة الإذاعة الأسترالية عام 2016: «إن أحد الدوافع المحتملة لتطوير الأزهار الزرقاء هو أن اللون الأزرق لافت للنظر فيما يخص الملقِّحات مثل النحل، وإنتاج أزهار زرقاء قد يفيد النباتات في النظم البيئية التي تكون فيها المنافسة على الملقِحات عالية».
ماذا عن المعادن والكائنات الزرقاء الأخرى؟
أما فيما يخص المعادن، فإن تراكيبها البلورية تتفاعل مع الأيونات (الذرات أو الجزيئات المشحونة) لتحديد أي جزء من الطيف يُمتص وأي جزء ينعكس. ويحتوي معدن اللازورد، الذي يُستخرج فقط من أفغانستان وينتج الصباغ الأزرق النادر ألترا مارين، على أيونات ثلاثي الكبريتيد، ثلاث ذرات من الكبريت ترتبط ببعضها داخل شبكة بلورية، التي يمكنها أن ترتبط أو تُطلق إلكترون واحد فقط. وأوضح كوبفر شميت: «فرق الطاقة هذا هو ما يصنع اللون الأزرق».
ويلفت التقرير إلى أن اللون الأزرق في الحيوانات لا يأتي من أصباغ كيميائية، بل تعتمد الحيوانات على الفيزياء من أجل الظهور باللون الأزرق. فالفراشات ذات الأجنحة الزرقاء من نوع مورفة تمتلك بِنى نانوية معقدة ومتعددة الطبقات على حراشف أجنحتها التي تتلاعب بطبقات الضوء، ما يسمح لبعض الألوان أن يُلغي بعضها الآخر وينعكس اللون الأزرق فقط. وهذا هو التأثير نفسه الذي يحدث في البِنى الموجودة على ريش طائر القيق الأزرق وقشور سمكة الهيبو تانج والحلقات الزرقاء المضيئة على الأخطبوط المبقع الأزرق الحلقات.
وتُعد الظلال الزرقاء في الثدييات أكثر ندرة منها في الطيور والأسماك والزواحف والحشرات. وبعض الحيتان والدلافين تتمتع بجلد مائل للزرقة، بينما بعض الثدييات العليا مثل السعدان الذهبي الأفطس الأنف لديها وجوه زرقاء. أما ميمون أبو الهول، فيتمتع بوجه ومؤخرة زرقاء. أما الفراء، وهي السمة المشتركة لكل الثدييات الأرضية، فلا تكون زرقاء ساطعة طبيعيًّا (على الأقل ليس بالضوء المرئي، إذ وجد الباحثون مؤخرًا أن فرو خلد الماء يضيء بظلال زاهية من اللون الأزرق والأخضر عند تعرضه للأشعة فوق البنفسجية (وفقًا لما ذكره موقع «لايف ساينس» سابقًا).
ما الحاجة التي دعت الكائنات للظهور باللون الأزرق؟
يرى كوبفر شميت أن «الأمر يتطلب كثيرًا من العمل لصنع اللون الأزرق، ولذلك يصبح السؤال، ما الأسباب التطورية التي دعت لتكوين اللون الأزرق، ما هو الدافع؟ والشيء المذهل عندما تغوص في عالم الحيوانات، فالسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان؛ من الذي يتلقى هذه الرسائل وهل يمكنهم رؤية اللون الأزرق»؟
على سبيل المثال، في حين أن لدى البشر ثلاثة مستقبِلات استشعار للضوء في أعينهم، لدى الطيور مستقبِل استشعار رابع للأشعة فوق البنفسجية. وأوضح كوبفر شميت أن الريش الذي يظهر للعين البشرية باللون الأزرق «يُعكَس في الواقع من ضوء الأشعة فوق البنفسجية أكثر من الضوء الأزرق». وبهذا المنطق، فإن الطيور التي نسميها القرقف الأزرق، «ربما تسمي نفسها القرقف فوق البنفسجي؛ لأن هذا ما يرونه في الغالب».
الأزرق يأتي متأخرًا في اللغة أيضًا!
تنقل الكاتبة عن كوبفر شميت قوله إنه نظرًا لندرة اللون الأزرق في الطبيعة، جاءت كلمة أزرق متأخرة نسبيًّا في لغات العالم؛ إذ ظهرت بعد كلمات أسود وأبيض وأحمر وأصفر. وأضاف أن «إحدى النظريات في هذا الصدد تقول إن بإمكانك تسمية اللون بمجرد أن تستطيع صبغ الأشياء به. وعندما تستطيع فصل اللون عن الشيء، لن تحتاج إلى تسمية اللون. وصبغ الأشياء باللون الأزرق أو العثور على صبغة زرقاء حدث بالفعل متأخرًا في معظم الثقافات، ويمكنك أن ترى ذلك في علم اللغة».
ويعود تاريخ أقدم استخدام للصبغة الزرقاء إلى حوالي 6 آلاف عام في دولة بيرو، ودمج المصريون القدماء السيليكا وأكسيد الكالسيوم وأكسيد النحاس لتكوين صبغة زرقاء طويلة الأمد تُعرف باسم إيرتيو لتزيين التماثيل، حسبما أفاد الباحثون في 15 من يناير (كانون الثاني) في مجلة «حدود في علم النبات العلمية». وكانت صبغة ألترا مارين الزرقاء الزاهية المستخرجة من اللازورد ثمينة كالذهب في أوروبا في العصور الوسطى وكانت مخصصةً في المقام الأول لتوضيح المخطوطات المزخرفة.
وندرة اللون الأزرق تعني أن الناس ينظرون إليه على أنه لون ذو مكانة عالية منذ آلاف السنين. ولطالما ارتبط اللون الأزرق بالإله الهندوسي كريشنا والسيدة مريم العذراء، ومن الفنانين الذين اشتُهِروا بأنهم يشعرون بالإلهام من اللون الأزرق في الطبيعة مايكل أنجلو وجوجان وبيكاسو وفان جوخ، وفقًا لدراسة مجلة «حدود في علم النبات».
وكتب العلماء: «الندرة النسبية للون الأزرق المتوفر في الصبغات الطبيعية هي على الأرجح سبب افتتاننا به».
اللون الأزرق في التعبيرات والمصطلحات
ويلون اللون الأزرق تعبيرات ثقافات كثيرة أيضًا؛ إذ يظهر في عشرات المصطلحات باللغة الإنجليزية: يمكنك أن تعمل ضمن فئة الياقات الزرقاء أو تتحدث حتى يزرق وجهك، وغيرها من المصطلحات والتعابير (المترجمة حرفيًّا). ويمكن أن يعطي اللون الأزرق معاني متناقضة وفقًا للمصطلح؛ فالسماء الزرقاء أمامنا يعني أن المستقبل المشرق ينتظرنا. بينما يعني الشعور بالزُرْقة شعور الضيق والكآبة، كما يوضح كوبفر شميت.
وتختم الكاتبة تقريرها مع كوبفر شميت الذي يقول إنه ربما تكون نُدرة اللون الأزرق في الطبيعة هي التي صاغت تصوراتنا لهذا اللون والأشياء التي تكتسي به. إذ «يبدو اللون الأزرق وكأنه لوحة قماشية كاملة لا يزال بإمكانك الرسم عليها. وربما لأنه نادر في الطبيعة أو ربما لأننا نربطه بأشياء لا يمكننا لمسها مثل السماء والبحر، فهو لون منفتح جدًّا على ارتباطات مختلفة».