مدار الساعة - يضطر لبنانيون ممن أودعوا أموالهم في المصارف اللبنانية أن يبيعوا الشيكات التي يمتلكونها بنصف سعرها، مقابل الحصول على النصف الثاني، وسط قيود شديدة فرضتها الحكومة أعاقت تحكّم مُودعي الأموال في حساباتهم المصرفية كما يحلو لهم.
من بين هؤلاء رجل أعمال لبناني يدعى جمال، وكان قد انتابه يأس شديد من استرداد أمواله من حسابه المصرفي، حتى اضطر إلى الموافقة على صفقة تتضمن أن يبيع شيكاً بنصف قيمته الاسمية، وفقاً لما ذكرته صحيفة Financial Times البريطانية، الثلاثاء 12 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
جمال قال إن "أحدهم أخذ 50% من أموالي، هذا صحيح، لكنني كنت غاية في السعادة لأنني تمكنت من إخراجها من البنك". وكان بيع هذه الشيكات جزءاً من صفقة لشراء عقار في دبي، ويرى جمال أنه حصل على صفقة رائعة.
كانت قيود البنوك على عمليات السحب والتحويلات الأجنبية قبل عامين قد تسببت في ازدهار بالسوق السوداء لشيكات تمثل جزءاً من مليارات الدولارات العالقة داخل النظام المصرفي اللبناني، التي يطلق عليها "الدولارات المحلية" أو "لولارات".
تسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية بلبنان في هبوط أسعار شيكات الدولارات المحلية إلى 15% من قيمتها الاسمية، في إشارة إلى انهيار الثقة في بنوك الدولة.
يقول سامي عطا الله، المدير المؤسس لمؤسسة مبادرة السياسة في بيروت: "المودعون لا يثقون في النظام المصرفي أو في أن الحكومة ستعوضهم أو ترد أموالهم".
هذه التجارة في الشيكات تفسر أيضاً بشكل جزئي سبب تقلّص الودائع والقروض في النظام المصرفي، فقد انخفضت ودائع العملاء المقيمين وغير المقيمين في القطاع المصرفي، بالدولار والليرة، من 170 مليار دولار بداية عام 2019 إلى 131 مليار دولار، في يوليو/تموز الماضي، وفقاً للإحصاءات المصرفية.
في الوقت نفسه، انخفضت قروض المقيمين وغير المقيمين إلى النصف في الفترة نفسها، من 59 مليار دولار إلى 31 مليار دولار، بحسب الصحيفة البريطانية.
يساهم في خدمة هذا السوق مجموعة من التجار، وقدر أحد هؤلاء التجار أرباحه بنحو 150 ألف دولار، منذ أكتوبر/تشرين الأول عام 2019، وهو يوفّق بين المشترين والبائعين بمساعدة مجموعات الوسطاء على الواتساب، وعادةً ما يتاجر في آلاف وعشرات الآلاف من الدولارات.
شخص مطلع على السوق قال إن الصفقات الأعلى قيمة التي تتراوح قيمتها بين مئات الآلاف إلى ملايين الدولارات، تُبرم بين رجال الأعمال المهمين من ذوي النفوذ.
تقول ديانا منعم، المديرة التنفيذية لمجموعة الضغط الإصلاحية "كلنا إرادة"، إن تجارة الشيكات في نهاية المطاف هي أحد أعراض فشل الدولة في إدارة الأزمة من خلال سَن قانون مراقبة رأس المال وتوحيد أسعار الصرف.
لكن ما حدث هو أن هذا "التقاعس المتعمّد من جانب الحكومة والبرلمان تسبب في تكبُّد صغار المودعين أكبر الخسائر".
يُشار إلى أن تقريراً للبنك الدولي، صدر في يونيو/حزيران 2021، قال إن الانهيار الاقتصادي في لبنان من بين أسوأ الأزمات المالية في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.
توقع التقرير أن ينكمش الاقتصاد اللبناني بنسبة تقترب من 10% عام 2021، وذلك حسب ما نقله تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.