مدار الساعة - أكدت دائرة الإفتاء العام في فتوى صادرة عنها أن خدمة الناس، وخاصة رواد المساجد في رمضان وغيره من أعمال البر التي رغَّب فيها الإسلام وحضَّ عليها، وهو من التعاون على البر والتقوى، وهو سبب في محبة الله تعالى للعبد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ) رواه الطبراني.
وجاء في إجابة الدائرة على تساؤل وردها مفاده "أن من يشتغل في خدمة المصلين هل يُحَصّل مثل أجورهم"، إن الإمام المناوي رحمه الله قال تعليقاً على الحديث (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس): "بالإحسان إليهم بماله وجاهه، فإنهم عباد الله، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله، أي أشرفهم عنده أكثرهم نفعاً للناس بنعمة يسديها أو نقمة يزويها عنهم ديناً أو دنيا، ومنافع الدين أشرف قدراً وأبقى نفعاً" "فيض القدير" (3/ 481).
ونوهت الدائرة إلى أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد بين أن من قام على خدمه المتعبدين من صائمين أو مصلين له مثل أجرهم وزيادة، فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ، فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، قَالَ: فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ، أَكْثَرُنَا ظِلًّا صَاحِبُ الْكِسَاءِ، وَمِنَّا مَنْ يَتَّقِي الشَّمْسَ بِيَدِهِ، قَالَ: فَسَقَطَ الصُّوَّامُ، وَقَامَ الْمُفْطِرُونَ، فَضَرَبُوا الْأَبْنِيَةِ وَسَقَوْا الرِّكَابَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالْأَجْرِ) رواه مسلم.
وذكرت الفتوى قول الإمام القسطلاني رحمه الله تعليقاً على قوله صلى الله عليه وسلم (ذهب المفطرون اليوم بالأجر): "وهو أجر ما فعلوه من خدمة الصائمين بضرب الأبنية والسقي وغير ذلك لما حصل منهم من النفع المتعدي، ومثل أجر الصوام لتعاطيهم أشغالهم وأشغال الصوام، وأما الصائمون فحصل لهم أجر صومهم القاصر عليهم ولم يحصل لهم من الأجر ما حصل للمفطرين من ذلك" "إرشاد الساري" (5/ 88).
وأوردت الفتوى القول: عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمُوا يُثْنُونَ عَلَى صَاحِبٍ لَهُمْ خَيْرًا، قَالُوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ فُلَانٍ قَطُّ، مَا كَانَ فِي مَسِيرٍ إِلَّا كَانَ فِي قِرَاءَةٍ، وَلَا نَزَلْنَا مَنْزِلًا إِلَّا كَانَ فِي صَلَاةٍ، قَالَ: فَمَنْ كَانَ يَكْفِيهِ ضَيْعَتُهُ؟ حَتَّى ذَكَرَ: مَنْ كَانَ يَعْلِفُ جَمَلَهُ أَوْ دَابَّتَهُ؟ قَالُوا: نَحْنُ، قَالَ: (فَكُلُّكُمْ خَيْرٌ مِنْهُ) رواه أبو داود في مراسيله.
وشددت دائرة الإفتاء أن ما يقوم به هؤلاء الشباب من خدمة لمصلي العشاء والتراويح في المساجد الكبيرة عمل مبرور، نرجو أن يثابوا عليه ثواب المصلين، خاصة إذا علمنا أنهم يصلون التراويح بعد انتهاء الناس منها.
وختمت بالقول: إضافة لذلك فإن تأخير صلاة العشاء عن أول وقتها استحبه بعض العلماء -كالحنفية وغيرهم-إذا كانت تصلى جماعة، واستدلوا بما روي عن ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قال: أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً بِالعِشَاءِ، حَتَّى رَقَدَ النَّاسُ وَاسْتَيْقَظُوا، وَرَقَدُوا وَاسْتَيْقَظُوا، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فَقَالَ: الصَّلاَةَ -قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ-: فَخَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ الآنَ، يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ: (لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصَلُّوهَا هَكَذَا) رواه البخاري. والله تعالى أعلم