مدار الساعة - تعدين البيتكوين وغيرها من العملات المشفرة يتطلب قدراً هائلاً من الكهرباء وينتج عن ذلك انبعاثات كربونية يعتبرها البعض أحد أسباب التغير المناخي وكوارثه، فما قصة الاتجاه لتقليل تلك الآثار، وما دلالات ذلك؟
ويثير حجم الطاقة الكهربائية المستخدمة في تعدين العملات المشفرة قلقاً كبيراً حول العالم، حيث تعادل الطاقة المستخدمة في عملية تعدين هذه العملات احتياجات منزل واحد لـ5 ملايين عام، وهذا كان أحد أسباب شن الصين، المركز الرئيسي لتلك العملات في وقت من الأوقات، حربا شعواء عليها.
والسبب الثاني للمخاوف المتزايدة بشأن العملات المشفرة مرتبط بحجم الانبعاثات الكربونية الناتجة عن توليد تلك الكهرباء، إذ يعتمد المتعاملون في تعدين البيتكوين وأخواتها، بشكل رئيسي، على محطات طاقة تعمل بمواد أرخص سعراً كالفحم في توليد الكهرباء ضغطاً للنفقات.
هل الضرر الناتج عن البيتكوين حتمي؟
تناولت مجلة Forbes الأمريكية قصة العلاقة بين تعدين البيتكوين وأخواتها من جهة وبين التغير المناخي من جهة أخرى، في تقرير بعنوان "هل الضرر الذي تلحقه العملات المشفرة بالبيئة ضررٌ حتمي؟"، رصد طبيعة تلك العلاقة وكيفية جعلها أقل ضرراً بالبيئة.
ومصطلح التغير المناخي معنيّ بوصف التغييرات طويلة المدى في الأحوال الجوية لكوكب الأرض. وتتمثل هذه التغييرات في الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة وهطول الأمطار بغزارة مسببة فيضانات قاتلة، ويحدث هذا التطرف في الطقس بصورة متسارعة وربما في نفس الأماكن، مما يؤدي إلى موجات طقس حار وعواصف، وارتفاع منسوب المياه، والنتيجة باختصار هي نقص الغذاء. ومن أجل حصر ارتفاع حرارة الكوكب في نطاق 1.5 درجة مئوية، يجب خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 7,6% سنوياً في المتوسط بين عامَي 2020 و2030 وفقاً للأمم المتحدة.
وتنطوي البيتكوين وغيرها من العملات المشفرة على مشكلات تتعلق باستهلاكها للطاقة وتداعيات ذلك على البيئة، لكن ربما تكون هناك طريقة ذكية لتوجيه هذه العمليات إلى مسارات تعود بالنفع على كوكب الأرض في نهاية الأمر، بحسب تقرير فوربس.
وتتصاعد نقاشات حادة حول التأثيرات البيئية للعملات المشفرة، مثل البيتكوين. فالعملات المشفرة تستهلك كميات هائلة من الطاقة. ويتنامى هذا الاستخدام باطراد حتى أصبح استهلاك العملات المشفرة السنوي للطاقة استهلاكاً مقارباً لاستهلاك دولٍ بأكملها، مثل فنلندا وماليزيا والسويد.
وكل ذلك مع أن البيتكوين ليست الصناعة الوحيدة التي تستهلك قدراً كبيراً من الطاقة على نحو يماثل دولاً بأكملها، فعلى سبيل المثال تستهلك صناعة الخرسانة قدراً أكبر مما تستهلكه الهند من طاقة سنوياً، كما أن الطاقة التي يستهلكها كلا القطاعين تأتي مصحوبة بملوثات للبيئة، ومنها انبعاثات الكربون.
وصحيح أن معاملات البيتكوين أيضاً تستهلك قدراً كبيراً من الطاقة، فالمعاملة الواحدة تستهلك في المتوسط أكثر من 1700 كيلووات في الساعة من الكهرباء، وهو ما يقرب من ضعف كمية الطاقة الشهرية التي يستهلكها منزل من المستوى المتوسط في الولايات المتحدة.
كيف تعمل مناجم البيتكوين؟
ومع ذلك، توجد طرق أخرى لإجراء معاملات البيتكوين باستخدام قدر أقل بكثير من الطاقة. لكن ما أدى إلى تفاقم المشكلة، هو أن بعض مناجم تعدين البيتكوين تعاونت مع محطات متعثرة لتوليد الطاقة بالوقود الأحفوري، ما أدى إلى زيادة إجمالي انبعاثات الكربون.
تعمل مناجم تعدين البيتكوين الكبيرة أيضاً على نقل مواقعها، فبعد أن حظرت الصين، التي كانت مركزَ صناعة البيتكوين في السابق، كلّاً من التعدين والمعاملات الخاصة بالعملات المشفرة مؤخراً، انتقلت قطاعات كبيرة من العاملين في تعدين البيتكوين إلى أماكن أخرى مثل ولاية تكساس الأمريكية ومقاطعة ألبرتا الكندية.
ويقترح بعض الناس استخدام الغاز الطبيعي العالق (غير قابل للاستخدام سواء لأسباب طبيعية أو اقتصادية) بدلاً من حرقه، وهو ما قد يجعل البيتكوين محايداً بدرجةٍ ما في كمية استهلاكه وإنتاجه للكربون.
في المقابل، فإن الاستعانة في عمليات تعدين البيتكوين بموارد طاقة غير باعثة للكربون، مثل الطاقة النووية والمائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية، قد تساعد في تقليل انبعاثات الكربون المرتبطة بالتعدين نفسه.
كما يمكن أن يعطي ذلك دفعةً مالية لمحطات الطاقة التي سيُصبح في استطاعتها بيع الكهرباء بسعر أعلى لمستخرجي البيتكوين بدلاً من الاعتماد على شبكات الطاقة الكهربائية ضعيفة الإقبال وقليلة التكلفة. وقد يجعل هذا النوع من محطات الطاقة/المناجم الهجينة كثيراً من المشروعات غير الاقتصادية مفيدةً للاقتصاد.
بالإضافة إلى ذلك، فإن مناجم البيتكوين، في حال تشغيلها بذكاء، يمكن أن تقدم هي نفسها فوائد مباشرة لشبكة الكهرباء، علاوة على الخفض الإجمالي لانبعاثات الكربون.
هل يمكن أن تفيد البيتكوين شبكة الكهرباء؟
في تقرير جديد لا يزال طي السرية، وقد جاء بتكليفٍ من شركة Lancium العاملة في مجال تكنولوجيا البيانات الخاصة بالطاقة المتجددة، يوضح كاتب هذا المقال، جوشوا رودس، الذي يعمل مستشاراً في مجال دراسات الطاقة، أن هناك سبلاً جديدة ذكية لإجراء العمليات ذات الأحمال الكبيرة على شبكة الكهرباء، مثل إدارة مراكز البيانات أو مناجم البيتكوين، بطرقٍ تجعلها مفيدة للشبكة في نهاية المطاف.
وتقوم الدراسة على محاكاةٍ لنموذج تشغيل "مجلس الموثوقية الكهربائية" في ولاية تكساس الأمريكية (ERCOT)، وهي الشبكة التي تخدم معظم ولاية تكساس، حتى عام 2030 في ظل سيناريوهات متعددة: 1) حالةٌ أساسية يستمر فيها استهلاك الطاقة الكهربائية بدون مركز بيانات، مع التوسع في عمليات تعدين البيتكوين.
2) حالةٌ تستهلك فيها مراكز البيانات/مناجم البيتكوين 5 غيغاوات من الطاقة الكهربائية استهلاكاً غير مرن (الشبكة قيد التشغيل دائماً) بحلول عام 2030.
3) حالةٌ تستهلك فيها مراكز البيانات/مناجم البيتكوين 5 غيغاوات من الطاقة استهلاكاً معتدلاً بحلول عام 2030.
4) حالةٌ تستهلك فيها مراكز البيانات/مناجم البيتكوين 5 غيغاوات استهلاكاً مرناً جداً بحلول عام 2030.
ويضيف السيناريو غير المرن حملاً أساسياً كبيراً على النموذج. أدى هذا النمو إلى استهلاك المزيد من سعة محطة الطاقة مقارنة بالحالة الأساسية، ويشمل ذلك المزيد من طاقة الرياح والغاز الطبيعي والطاقة الشمسية. كما نتج عن هذا الاستخدام المتزايد للطاقة 7.9 مليون طن متري إضافية من انبعاثات الكربون الزائدة على الحالة الأساسية بحلول عام 2030.
على خلاف ذلك، كانت الحالات ذات الاستخدام المرن للطاقة هي الأكثر إثارة للاهتمام. فقد اعتمدت الحالتان ذات الاستخدام المرن على كمية أكبر من طاقة الرياح وكمية أقل من طاقة الغاز الطبيعي عن سيناريو الحالة الأساسية وسيناريو الحالة غير المرنة. ويرجع هذا التغير إلى أن مراكز البيانات/مناجم البيتكوين كانت مبرمّجة لتقليل استهلاكها للطاقة بنسب معينة عندما تصل أسعار الكهرباء إلى مستويات معينة. وفي المجموع، شهد السيناريو الثالث تقليص مراكز البيانات/مناجم البيتكوين لحمولتها بنحو 14% في العام.
ويتيح التشغيلُ المرن لمراكز البيانات/مناجم البيتكوين في الحالتين الأخيرتين للنموذج الاعتمادَ على مستويات مختلفة من التقنيات عن تلك المستخدمة في الحالة الأساسية والحالة غير المرنة. ومن ثم، اعتمد النموذج بالفعل اعتماداً أكبر على مصادر الطاقة المتجددة مستنداً إلى مرونة تشغيل مراكز البيانات/مناجم البيتكوين للتعويض عن التقلبات في الإنتاج المتجدد للطاقة. كما أدت هذه المرونة إلى تقليص انبعاثات الكربون مقارنة بالحالة الأساسية.
لكي يؤدي الحمل الإضافي إلى انخفاض إجمالي انبعاثات الكربون، يجب تعويض استهلاك الطاقة الإضافي بمزيد من الطاقة الخالية من الكربون. وبناء على ذلك، كانت كمية الطاقة المولدة من الرياح والطاقة الشمسية في حالتي التشغيل المرن لمراكز البيانات/مناجم البيتكوين أكبر من نظيرتها في الحالة الأساسية، كما كانت كمية الطاقة المتولدة من الغاز الطبيعي أقل.
من حيث المفهوم، يتشابه تشغيل مراكز البيانات/مناجم البيتكوين المرنة مع التشغيل الكهربائي لوسائل النقل أو التدفئة مدعومةً بالقدرة على التحكم في الأوقات التي تعمل فيها أجهزة الشحن والسخَّانات. ومع ذلك، يُتوقع أن توفر مراكز البيانات/مناجم البيتكوين مستويات كبيرة من الأحمال المرنة المركَّزة في عدد أقل من المواقع، وهو ما قد يسهل إدارتها.
الخلاصة أن تعدين العملات المشفرة، مثل بيتكوين، والتعاملات المرتبطة بها ينطوي على تحديات بارزة تتعلق باستهلاك الطاقة وانبعاثات الكربون، لكن الدراسات الجديدة أخذت تكشف عن طرق محتملة لتقليص هذه المشكلات إذا كان مستخدمو عملات البيتكوين على استعداد للعمل بطريقة تعتمد على مصادر الطاقة الأقل بعثاً للكربون.