انتخابات نواب الأردن 2024 اقتصاديات أخبار الأردن جامعات دوليات برلمانيات وفيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

كل هذي الجراح

مدار الساعة,مقالات مختارة
مدار الساعة ـ نشر في 2021/10/10 الساعة 02:05
حجم الخط

عندما تقام حفلة لدينا لأحد المطربين المشهورين.. أهلاً أهلاً, فتقاطرت الحشود.. ومن ضمن الفيديوهات التي شاهدتها, أن امرأة صرخت عند مخرج المطار باسم المطرب, ثم سقطت على الأرض..

يقال إن الحفلة لم تقم بمراعاة البروتوكول الصحي, أنا لا يهمني البروتوكول الصحي.. أنا يهمني بروتوكول الرجولة..

الذين حضروا الحفل كانوا في عمر معاذ الكساسبة، هل يا ترى هل حضر معاذ حفلات لمشاهير المطربين؟.. معاذ كان يعرف بروتوكول الرجولة جيداً, حلق في طائرة تحمل أطنانا من القذائف, ورمى.. وأشعل النار في أوكارهم, وحين جاءت لحظته الأخيرة مشى للشهادة بخطى واثقة, هو الموت الذي كان خجلا منه.. وضم وطناً من الورد والحب والحياة, ثم اشتعلت النار.. لست أدري من هو الذي اشعل الآخر معاذ أحرق النار أم هي النار أحرقته...؟ معاذ أسس بروتوكول الشرف والرجولة، وكم نحتاج لهذا البروتوكول..

راشد الزيود النقيب الوسيم, هو الآخر استشهد ولم يكن أكبر في العمر من الذين يحضرون تلك الحفلات... راشد يحب الرقص.. ولكن على أنغام الرصاص والاقتحام والنار... ليس على أنغام المطربين طبعاً, جاءت الطلقة الغادرة ولم يتأخر عن حتفه أبداً, وصعد شهيداً.. مثل زهر اللوز في أول انبلاج له, مثل الرشفة الأولى من العسل.. مثل صباحات (بني حسن).. تفوح رائحتها بالقهوة والحياة, وكان منه بوجهه الأغر وزنده الحر وعسكريته القاسية, أن صاغ صفحات من بروتكول الشهادة والرجولة لهذا الجيل, كي يتعلم أن الأوطان لها مهر واضح محدد وهو الدم...

ومعاذ الحويطات.. هذا الذي يشبه ما خطته يد تيسير السبول قبل أكثر من خمسين عاماً: (بدوياً خطت الصحراء لا جدوى خطاه)... كان في مثل أعمار من حضروا هذه الحفلات... لكن هذا الأسمر الصحراوي المغرق في البداوة, احتفاله لم يكن فيه صوت طبل ولا جيتار ولا موسيقى الباند.. قرر أن يحتفل بالشهادة والوطن والعسكرية على صوت انفجار, هدم المبنى الذي كان على سطحه.. وصعدت روحه إلى عليين نقية عذبة مطهرة من الدنس, صعد وقد أكمل بروتوكولات الرجولة كلها.. صاغها بدمه العذب, ووضعها للجيل الحالي.. كي يقرأها ويتعلم منها.. أن الرصاص في لحظة يكون نغماً, والحياة وتراً... والخطى العسكرية إيقاع من لا إيقاع له...

راشد ومعاذ والحويطات.. هؤلاء غادروا الدنيا, وهم في عمر الورد بل أصغر.. غادروها ولم تكتمل الأحلام بعد, لم يشاهدوا طفلاً من أطفالهم يكبر.. لم تمنحهم الدنيا شيباً في الرأس ولا ايغالاً بالعمر.. لماذا اختاروا الدم والبارود, كانوا أكبر من بروتوكولات الصحة, كانوا أكبر من تمايل البعض على أنغام موسيقى الحفلات الصاخبة.. كانوا أكبر من كل هذا الذي يحدث وسيحدث.

سيقولون عني إني ضد الفرح, إني ضد حرية الناس... أنا لست كذلك أبداً أنا.. أنا فقط أسأل.. كل هذه الجراح النازفة فينا وتنصرف فئة من الشباب لحضور الحفلات؟...

الأردن صدقوني لا يحتاج لبروتوكولات صحية, بقدر ما يحتاج لإعادة نشر بروتوكولات الرجولة وتعميمها أكثر.

Abdelhadi18@yahoo.com

الرأي

مدار الساعة ـ نشر في 2021/10/10 الساعة 02:05