مدار الساعة - تحت عنوان "اتفاق السنوار ودحلان؟" كتب د.أحمد جميل عزم مقالا في يومية الغد جاء فيه:
بينما لا توجد حتى كتابة أسطر هذا المقال معلومات رسمية عن لقاءات قيادة حركة "حماس" في غزة مع القيادي المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان، أو أحد مساعديه، في مصر، والتوصل لاتفاقات بينهم، يوجد عدة كتاب وسياسيين قريبين من "حماس"، ولديهم اطلاع، أكدوا حدوث اللقاء، وقدموا تفاصيل لاتفاقات وترتيبات. وإذا ما صحّت الأنباء المسربة، فإنّ الأمر يشكل مؤشرا بأنّه سيجري فرض دحلان على المشهد، بغض النظر عن المواقف الشعبية والرسمية الفلسطينية، وأنّ "حماس" ستسّهل فكرة "القيادة البديلة".
أبرز من أكد اللقاءات القيادي في "حماس" أحمد يوسف، أحد الدعاة الدائمين للتعاون مع دحلان، والذي دخل في جدل علني في الإعلام مع قيادات في "حماس" كانت ترفض الالتقاء مع دحلان. كذلك قدّم الكاتب فايز أبو شمالة، تفاصيل أثارت استغراب واستنكار حتى قياديين في "حماس" مثل النائب عن كتلة "حماس" في المجلس التشريعي، في غزة، عاطف عدوان، وطلب الانتظار لمعرفة التفاصيل بعد عودة وفد "حماس" من القاهرة. ولكن ما بات مؤكداً على ما يبدو أنّ وفد "حماس" التقى دحلان أو فريقه أو كليهما، في لقاء أو أكثر، برعاية مصرية. وبات مرجحاً أن انفتاح مصر على "حماس" وتغيير الاتجاه من الهجوم عليها، إلى الحوار معها، ليس بعيداً عن دحلان.
يجدر قبل تحليل ما يجري، تذكر أنّ (كل) الانقسام الراهن بين "حماس" و"فتح"، وانشطار الضفة الغربية عن غزة، سببه وبدايته هو الصراع بين حركة "حماس"، وتحديداً التيار الذي يمثله وفد "حماس" في مصر، وتيار دحلان، فمن يلتقون الآن، هم من قاموا بالانقسام، أو على الأقل هذا ما كانت تقوله "حماس" التي قالت في الماضي إنّ خلافها مع "فتح" ينحصر بخلافها مع دحلان وتياره. والفارق الأساسي الآن هو شعور "حماس" بالأزمة الخانقة، والأهم التباعد بين دحلان والرئاسة الفلسطينية، وبحثه عن أي منفذ للعب دور على الأرض، بعيداً عن نشاطاته الإعلامية والدبلوماسية محدودة المعنى. لذلك يطرح دحلان على "حماس" الآن تقديم من قاتلهم وقاتلوا "فتح" لأجله. أمّا "حماس" فمن الواضح أنّ تحولها لحركة سياسية تقليدية، حساباتها برغماتية، تقوم على البقاء وفقط البقاء، وتحقيق النفوذ والوجود والسلطة، هو قرار لا رجعة عنه، ولا غضاضة لدى الحركة أنّ تقدم تنازلات وتراجعات وتغييرات كثيرة، وأن تجرب ذلك مرارا. بدءا من تقديم وثيقة جديدة من الدوحة، تخاطب الإدارة الأميركية وتنشد الانفتاح عليها، وصولا للحديث من القاهرة، مع خصوم الدوحة، خصوم الأمس، وكل هذا لا يتعلق بتحقيق حل جذري للقضية الفلسطينية أو بناء جبهة للنضال الوطني، بل لحلحلة أزمة السلطة في غزة، وبأي ثمن، شريطة أن لا يعني هذا ترك القيادة هناك.
إن دخول دحلان في ترتيبات لها علاقة بمعابر غزة، وبالكهرباء، وتطبيع وضع "حماس" (ربما "حماس" غزة فقط) عربياً، قد يعكس دعماً من دول عربية لإعطاء دحلان صفة سياسية رسمية في الشأن الفلسطيني، وتحديداً في غزة، رغم أنه لا يمتلك أي منصب حكومي أو سياسي رسمي. وربما ترى "حماس" في هذا نافذة للخروج لا من مأزق الحصار في غزة وحسب، بل ومن مأزق الهجمة الراهنة عليها، أو على الدوحة، بسبب علاقة الأخيرة بحماس، فيكون لديها خيارات أخرى سوى الدوحة.
ستستغل "حماس" أي فرصة للتخلص من دحلان ودوره في المستقبل، وهو سيفعل ذلك لو سنحت له الفرصة. وسيبقى الطرفان إذا حدثت تفاهمات حقاً ينتظران لحظة نهاية مرحلة تبادل المصالح القصيرة المدى.
لقد بدأت السعودية ومعها دول عربية أخرى بمساع لإعادة ترتيب الإقليم، والخيار المنطقي للقيادة الفلسطينية، بينما تحاول أن تنأى بنفسها عن الخلافات العربية البينية، أن تسعى لتكون جزءا من أي تصورات جديدة للمنطقة، دون أن تصبح جزءا من لعبة المحاور. قد كانت السعودية، هي مِن أول من رعى اتفاقيات لتطبيع العلاقات بين "حماس" و"فتح"، وسيكون من المنطقي البحث عن هذا الدور السعودي والعربي، لترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، بعيداً عن تسويات جزئية، والتفافية، لذلك ربما تشكل العودة الجادة لاتفاقات مكة بين "حماس" و"فتح" خيارا منطقيا للمرحلة الراهنة.