أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات وفيات برلمانيات جامعات أحزاب رياضة وظائف للأردنيين مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مستثمرون مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

لا تلعن الزمن .. لكن اسأل الناس لماذا سكتوا؟ .. قصة مياه الشرب في اتفاقية أوسلو

مدار الساعة,أخبار ثقافية,سلطة المياه,الضفة الغربية,قطاع غزة,حزب العمال
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة - "بعد 28 عاماً من توقيع قيادة منظمة التحرير لاتفاقية أوسلو مع قادة الاحتلال، وطوال هذه الأعوام كانت البيئة عامة والمياه الفلسطينية خاصة كبش فداء ينحره الاحتلال بجرأة على مذبحه ويُريق دماءه دون أن يطرف لهم جفن، بل نراهم يتمادون مع مرور الوقت أكثر فأكثر مخلِّفين دماراً بات يهدد قدرتنا على البقاء، ومنذراً بالقضاء على قدرة أرضنا على الإنتاج، وبإمكانية مياهنا على إرواء عطشنا وعطش الأرض الجافة اللاهثة المستغيثة بحدة، ما من أمل في المستقبل القريب لاستعادة حقوقنا المائية، فموازين القوى مختلَّة بسفور بين الجانبين، ولا يوجد ما يمكنه أن يجبر دولة الاحتلال على تغيير موقفها والتوقف عن استنزاف المياه وتدميرها، أجراس إنذار نقرعها بقوة ونحذر من الاستمرار في انتهاج الأسلوب الحالي في العيش والاستسلام لتعديات الاحتلال على بيئتنا ومياهنا، حتى لا نفيق بعد عدة سنوات فنجد أنه لم يعد لنا ما يعيننا على العيش هنا!".

في الثالث عشر من سبتمبر/أيلول من عام 1993، وقف آنذاك ياسر عرفات ممثلاً عن منظمة التحرير يصافح إسحاق رابين ممثلاً عن الكيان المحتل أمام الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، الذي وقف بإيماءة جسد لا تخفى على أحد (يفتح يديه وكأنه يضم كلا المتصافحين، في إشارة أبوية تشي بحرصه الشديد على إتمام هذا الاتفاق حتى النهاية مهما كان كارثي النتائج على الفلسطيني، وبتغافل مقصود للخديعة التي تُمارس ضد أصحاب الأرض) صفق الحضور بحدة ولفترة طويلة، وكأنهم لا يصدقون أن اتفاقاً كهذا ستتم الموافقة عليه فعلاً، وسيُوَقَّع ويُكتب له أن يرى النور!
"لإسرائيل المقامة على 77% من أراضي فلسطين التاريخية الحق التام في العيش بسلام وأمان" مقابل إقامة سلطة حكم ذاتي انتقالي فلسطيني (السلطة الفلسطينية) على أراضي الضفة وغزة، والتي ستنسحب منها إسرائيل، على أن تتم تسوية جميع القضايا العالقة عبر المفاوضات، وتتعهد منظمة التحرير بنبذ الإرهاب والعنف ضد إسرائيل!".
بتوقيعها على اتفاقية أوسلو أخرجت منظمة التحرير المناطق المحتلة سنة 1948 من دائرة الصراع والتفاوض، دون أن تعترف دولة الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني بما تبقى من فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة)، أو يثبت في الاتفاق ما يشير إلى الضفة والقطاع كأراضٍ محتلة، أو يوجد أي تعهد إسرائيلي بالانسحاب منها، أو ما يشير إلى حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، أو إقامة دولته المستقلة ولو على جزء من فلسطين. الاتفاقية ألزمت الفلسطينيين بوقف كل أشكال المقاومة المسلحة، وحصرت حلولها لجميع المشاكل الناجمة عن الاحتلال بالمفاوضات فقط والوسائل السلمية.
كيف بدأت أزمة المياه في الضفة وغزة؟
قبل أن يولد الكيان المحتل، احتلت المياه موقعاً استراتيجياً في خطط وأولويات قادته، بدأها هرتزل في أعقاب مؤتمر بازل عام 1897، ثم الوكالة اليهودية عام 1919 التي اعتبرت جبل الشيخ الأب الحقيقي للمياه في فلسطين، ثم وايزمان في رسالته لمؤتمر السلام في باريس، الذي ذكر أنه لا إمكانية لإقامة وطن قومي يهودي بدون مصادر مياه نهر الأردن والليطاني، ثم في مذكرة بن غوريون إلى حزب العمال البريطاني عام 1941، التي ذكر فيها أن أهم أنهار إسرائيل هي الأردن والليطاني واليرموك. كما تمسك الاحتلال بمنطقة الجليل الأعلى ومصادر المياه فيها خلال مشروع التقسيم عام 1947.
يقول د. شداد العتيلي (مسؤول ملف مفاوضات المياه في منظمة التحرير الفلسطينية) في مقال له في الجزيرة نت، بعنوان "اتفاق أوسلو.. قفزة لم تتضح أبعادها بعد": "يتضح من المعلومات والسجلات المتوفرة أن نسب استهلاك الفرد الفلسطيني واليهودي قبل عام 1948 من المياه للأغراض المنزلية والزراعية كانت متساوية، غير أن الوضع تغير بعد ترسيم خط الهدنة سنة 1949، إذ بدأت إسرائيل تضع العقبات للحد من تطوير الآبار والينابيع الفلسطينية، وعملت على استغلال مصادر المياه الفلسطينية، فازدادت هوة الاستهلاك المائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين لصالح الإسرائيليين".
خطوات الاحتلال لسرقة المياه
عام 1964 بدأ الاحتلال في تجفيف بحيرة الحولة، وتحويل مياه نهر الأردن إلى صحراء النقب. وبعد أن وقعت الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال عام 1967، شرع المحتل يصدر جملة من الأوامر العسكرية تفرض سيطرته الكاملة على المياه الفلسطينية، وتمنع الفلسطينيين من حرية التصرف في مواردهم المائية بين البحر والنهر، وما تحت الأرض أيضاً، متجاهلة تماماً احتياجاتهم المائية. كما يمنعهم من صيانة شبكات المياه بين القرى والمدن ليدخلوا في دوامة تلوث المياه وفقدان كميات كبيرة منه، بسبب تسربه من الشبكات المهترئة.
في عام 1978 وبعد اجتياح جنوب لبنان أسس الاحتلال ما عُرف بالنطاق الأمني الذي أحكم قبضته على المصادر المغذية لنهر الأردن داخل الأراضي اللبنانية، وأصبح له الحق في منابع لا تقع ضمن نطاق الأراضي التي يحتلها.
وجاءت اتفاقية أوسلو عام 1993 لتُثبِّت الوضع السابق الذي كان قائماً، وتؤكد على سيطرة الاحتلال على المياه وتَحكُّمه بمواردها واستخداماتها وتوزيعها، رغم اعتراف الاحتلال بحق الفلسطينيين في الماء الذي جاء في أحد نصوص الاتفاقية كالتالي: "تعترف اسرائيل بالحقوق المائية للفلسطينيين في الضفة الغربية، وسيتم التفاوض حول تلك الحقوق للتوصل إلى تسوية بشأنها في اتفاقية الحل النهائي".
وبذلك، فرضت دولة الاحتلال على الجانب الفلسطيني تأجيل موضوع المياه إلى مفاوضات الحل الدائم، وفي الوقت ذاته عاجلت إلى تقليص الحصة الفلسطينية بنسبة تتجاوز 21%، بذريعة تراجع كمية الأمطار السنوية، دون أن يتم التوصل إلى اتفاقيات.
لم يُترجم الاعتراف إلى واقع عملي يُنصف الفلسطينيين ويعيد أياً من حقوقهم المسلوبة، بل أبقاهم خارج دائرة السيطرة على مياههم، فاستمر الاحتلال في فرض قيود صارمة توجب الحصول على ترخيص مسبق لكل كبيرة وصغيرة، فيما يتعلق بمسألة المياه من ضابط المياه لدى حكومة الاحتلال، فبعد أن صادر الآبار القديمة، منع الفلسطينيين من حفر آبار جديدة إلا بعد موافقته وضمن شروط مُذلة منها: أن لا يزيد عمق البئر الجديدة عن 140 متراً، وألا تتجاوز كمية المياه المستخرجة عن 100 متر مكعب في الساعة.
بين حصة المواطن وحصة المستوطن
واستمر يستنزف المياه في وقت تتذبذب فيه كميات الأمطار، الأمر الذي تسبب في عجز سنوي في الخزانات الجوفية بـمقدار40 و50 مليون متر مكعب في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، أدى إلى معاناة يومية وتضييق على المواطن الفلسطيني وتهديد لقطاع الزراعة والثروة الحيوانية وازدياد ملوحة المياه.
يقول سهيل خليلية، مدير وحدة مراقبة الاستيطان في معهد (أريج) في القدس: "تتوزع حصة الفرد الفلسطيني ما بين 80-90 لتراً من الماء في الضفة الغربية وقطاع غزة، مقابل 370 لتراً من المياه يومياً للمستوطن الواحد في مستوطنات الضفة الغربية، وفي المناطق التي لا ترتبط بشبكة مياه تنخفض حصة الفرد الفلسطيني فيها إلى 30-50 لتراً، أما في الأغوار فيتدنى معدل حصة الفرد من 20-25 لتراً فقط مقابل 420 لتراً للمستوطن! الاحتلال يسيطر بشكل مطلق ولا يتعامل مع الفلسطيني على أن له حقاً في هذه المياه، بل يتم التعامل معه على أنه مستخدم يتم تزويده بخدمة المياه، مشكلة أخرى كانت ولا تزال تواجه المياه، وهي الكمية الكبيرة لتسريب المياه وفقدانها في المناطق الفلسطينية بسبب قِدم شبكات المياه، التي يمنع الاحتلال من إصلاحها، الأمر الذي يؤدي إلى نقصان المياه الواصلة للفلسطينيين".
في ورقة بحثية صادرة عن معهد الدراسات البيئية والمائية التابع لجامعة بيرزيت يقول الدكتور عصام الخطيب وآخرون: "هناك صعوبة في توصيل شبكة المياه العامة لجميع القرى والمدن، لأسباب سياسية تحول دون ذلك، حيث يمنع الاحتلال الفلسطينيين من إقامة شبكات مياه جديدة، أو حفر آبار ارتوازية، إضافة إلى التكاليف المرتفعة لإنشاء شبكات جديدة من المياه، واعتماد ذلك بشكل أساسي على الدول المانحة، وارتباطه بالاستقرار السياسي".
يعقّب سهيل خليلية قائلاً: "تعاني مناطق كثيرة في الضفة الغربية من انقطاع متكرر للمياه يعود لأسباب سياسية يقف الاحتلال خلفها، ففي موضوع الزراعة والرعي مثلاً، يهدف الاحتلال من قطع المياه إلى أن يضطر المزارع إلى التوقف عن زراعة أرضه وريِّها، فشراء المياه مكلف جداً يفوق طاقة المزارع، الأمر الذي يدفعه في النهاية للرحيل عنها، وهو ما يجعل من الأرض لقمة سائغة للمستوطنين".
بعد توقيع اتفاقية أوسلو ازداد عدد المستوطنات بشكل مطَّرد، وارتبطت قضية المياه ارتباطاً وثيقاً بالاستيطان، فلو تتبعنا الخرائط المائية، سنلاحظ أن دولة الاحتلال قد قامت بغرس المشاريع الاستيطانية فوق الأحواض المائية، ويلاحظ المتتبع أن مسألة السيطرة على المياه قد بدأت من بدايات الاحتلال الأولى حين سارع لزرع مستوطناته فوق الأحواض المائية، التي أخذت تنهب مياهها بمعدلات خيالية، الأمر الذي أدى إلى جفاف الآبار والينابيع التي تزود الفلسطينيين بالماء، وفي الوقت ذاته تُلقي المستوطنات مخلفاتها العادمة على سطح الأرض، دون أن تعبأ بما تسببه من تلوث لما فوق الأرض وما تحتها.
ما البديل الذي يقترحه الاحتلال للفلسطينيين عن المياه الفلسطينية المسلوبة؟
"يخوض اليهود اليوم معركة المياه ضد العرب، ومصير الكيان اليهودي في فلسطين يتوقف على نتيجة هذه المعركة"، بن غوريون.
في نوفمبر/تشرين الثاني 1967، أصدرت السلطات "الإسرائيلية" الأمر العسكري رقم 158، الذي نصَّ على أنه لا يُسمح للفلسطينيين بإنشاء أية تمديدات مياه جديدة بدون الحصول أولاً على تصريح من الجيش "الإسرائيلي"، ومنذ ذلك الحين أصبح استخراج المياه من أي مصدر جديد، أو تطوير أية بنية تحتية جديدة للمياه يتوجب الحصول على تصريح مسبق من الاحتلال!
مركز الدراسات الاستراتيجية التابع لجامعة تل أبيب أعد تقريراً حول "قضية المياه في إطار التسويات بين إسرائيل والعرب"، وخلص إلى أنه "لا ترتيبات أمنية بدون حل مشكلة المياه. وفي حال التوصل إلى اتفاقات سلام تتضمن انسحابات ممكنة، أوصى التقرير بأن تكون إسرائيل مطمئنة إلى الإشراف على مصادر المياه".
وفي عام 1990، يقول زيفي أورتنبيرز مسؤول سلطة بحيرة طبريا: "إذا تفاقمت مشكلة شح المياه بحيث يصبح من الصعب حلها بالطرق السلمية، فإنه لا يوجد خيار أمامنا غير الحرب".
أما رئيس الوفد "الإسرائيلي" في اللجنة العليا المشتركة للمياه في 27 أغسطس/آب 1998، مئير بن مئير، فقد قال: "ليس هناك إمكانية لحصول الفلسطينيين على كميات إضافية من المياه وفق ما نصت عليه الاتفاقيات، على الجانب الفلسطيني التفكير بجدية من الآن فصاعداً بالبحث عن مصادر مياه أخرى، كالاعتماد على تحلية مياه البحر أو استيراد المياه من إسرائيل"!
وفي مقال نشرته جريدة هتسوفيه، في 13 أغسطس/آب 1999، يقول رافائيل إيتان رئيس هيئة الأركان السابق لدولة الاحتلال: "إن السيطرة على موارد المياه هي من الأهمية والحيوية بحيث لا يمكن تركها بيد الفلسطينيين".
إذن فليشرب الاحتلال مياهنا، ولنشرب نحن مياه البحر، ونسقي مزروعاتنا بالمياه العادمة المكررة، أو نشتريها منهم بأثمان باهظة أو لنترك الزراعة ونرحل! ولنترك لهم أيضاً مياهنا التي تسيل في عيون وينابيع على سفوح جبالنا، وتتجمع في خزانات جوفية تحت تربتنا، فهل هذا هو المستقبل الزاهر الذي روَّج له عرابو اتفاقية أوسلو من الفلسطينيين؟!
كيف أثرت اتفاقية أوسلو سلباً على المياه الفلسطينية؟
"إن التخلي عن مياه الضفة معناه خنق إسرائيل والعودة إلى عهد آبار الجمع!" المتحدث باسم شركة ميكروت (الشركة القومية للمياه "الإسرائيلية").
يقول الدكتور عبد الرحمن التميمي، مدير عام جمعية الهيدرولوجيين الفلسطينيين: "تم تأجيل البت جذرياً في قضية المياه عند توقيع اتفاقية أوسلو إلى اتفاقيات الحل النهائي مع قضايا أخرى عالقة، مثل قضية القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود والترتيبات الأمنية، ودون أن يتم التطرق إلى موضوع مياه الزراعة في الاتفاق. كما لم تتضمن الاتفاقية الحق الفلسطيني في مياه نهر الأردن، في الوقت الذي أمَّن فيه الاحتلال حق النقض الفيتو لأي محادثات مستقبلية حول تلك المياه، وحقه في مصادرة جميع الآبار الفلسطينية.
كان من المفترض أن يتم نقل صلاحيات المياه للسلطة الفلسطينية عام 1999، ولكن بقيت هذه القضايا معلقة، واتخذت قضية المياه شكلاً من الإجراءات العملية التجارية التي لا علاقة لها بالحل النهائي، أدت بالفلسطيني إلى أن يفقد السيطرة بشكل تام على مياهه، ويضطر إلى شراء الماء لتلبية احتياجاته من شركة ميكروت، التي تنوب عن سلطات الاحتلال في تزويد المناطق الفلسطينية بالمياه، حتى إن حجم المياه التي تصل المناطق الفلسطينية سنوياً هو 120 مليون متر مكعب، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من خلال شرائها من شركة ميكروت، في حين أن الاحتياج الفلسطيني السنوي من المياه يصل إلى 450 مليون متر مكعب، أي ما نسبته 40-45% فقط من الاحتياج الحقيقي".
وأضاف التميمي أيضاً: "اعتادت دولة الاحتلال أن تقلص الحصة المائية للفلسطينيين مع بداية كل صيف، وتستخدم ورقة المياه عادة من أجل قضايا سياسية لتحقق هدفين: أولهما، تخفيف الضغط على المياه الموجودة في الضفة الغربية لاستخدامها لخدمة أغراض توسعة الاستيطان، وثانيهما، لدفع الفلسطينيين إلى شراء المياه من محطات التكرير على أسس تجارية في الداخل".
أما الدكتور فايز أبو شمَّالة الكاتب والمحلل السياسي فقال: "جفّ نصيب الفلسطينيين من المياه مع جفاف المرحلة الانتقالية من اتفاقية أوسلو، كان من المفترض أن يزود الكيان الصهيوني أهالي غزة والضفة الغربية بكمية مياه حددتها الاتفاقية، ورغم ضآلة الكمية المخصصة لسكان غزة والصفة الغربية، التي حددها المفاوض الإسرائيلي وفق مصالح دولته، إلا أنهم لم يلتزموا بما وقَّعوا عليه، وتناقصت الكمية المورَّدة لغزة والضفة الغربية وفق المقاصة المالية، والوفرة (كما يدَّعي الاحتلال).
بعد انتهاء المرحلة الانتقالية من اتفاقية أوسلو، سنة 1999، أصبح الاحتلال في حلٍّ من الاتفاقية، وأخذ يتصرف بالمياه على هواه، دون مراقبة فلسطينية، أو متابعة، أو محاسبة، أو اعتراض، أو احتجاج، يتصرف الاحتلال بكمية المياه التي يزود بها الضفة الغربية على هواه، في وقت لا تصل فيه أي مياه إلى قطاع غزة".
"هناك استنزاف متعمد للمياه من قبل الاحتلال (والكلام للدكتور شمالة)، حيث تصل نسبة استهلاك الفرد الإسرائيلي من المياه إلى أكثر من عشرة أضعاف استهلاك الفرد الفلسطيني. وأرض الواقع تثبت أن الذي يتحكم في القرار السياسي والواقع الميداني يتحكم في كل شيء، وعلى سبيل المثال 77% من أرض الضفة الغربية تقع تحت سيادة الاحتلال بشكل مباشر، وفي هذه المناطق تقع خزانات المياه الجوفية التي تسيطر عليها سلطة المياه "الإسرائيلية"، التي هي صاحبة السيادة في كيفية الاستفادة من مياهها!
في غزة الوضع يختلف، فمنذ هزيمة الاحتلال وانسحابه وإخلاء المستوطنين، أصبحت غزة صاحبة السيادة في مياهها وخزاناتها الجوفية، فبعد أن كان يمنع حفر الآبار الارتوازية، أصبح مسموحاً، وصار بمقدور صاحب أي عمارة، أو برج أن يحفر بئراً يزوده بالماء، ولكن دخلت هنا قضية أخرى مهمة، أن هذه المياه لم تعد تصلح للشرب! رغم أن كثيرين يستخدمونها للزراعة والتنظيف".
هل توقفت مشاكل المياه عند سرقتها المستمرة بعد اتفاقية أوسلو؟
لم تتوقف مشاكل المياه في مناطق الضفة الغربية وغزة عند سرقة مصادر المياه واستنزافها، بل تجاوزتها إلى تلويث المياه الفلسطينية وتحويل مجاريها، حيث عمد إلى تلويث ما تبقى من مياه صالحة للاستخدام والشرب بشكل مباشر أو غير مباشر.. فما بين مياه عادمة غير معالجة ونفايات صلبة (بأنواعها المختلفة من صناعية ومنزلية وغيرها) وأخرى مشعة تقذفها المستوطنات (ولا ننسى أن جزءاً كبيراً منها هي مستوطنات صناعية) في الأراضي الفلسطينية المفتوحة وفي الأودية، مثل وادي النار ووادي كانا ووادي السلقا ووادي غزة وغيرها، تُلحق أضراراً خطيرة بالبيئة لا تقتصر على ازدياد ملوحة التربة وانتشار الروائح الكريهة والأوبئة والحشرات والقوارض في تلك المناطق، بل تتعداها إلى انسداد مسامات التربة وتناقص إنتاجها، وتلاشي الغطاء النباتي على سطحها وصولاً إلى التصحر التام. هذا بشأن سطح التربة، أما إلقاء المياه العادمة والنفايات عشوائياً في مواقع مختلفة فله تأثير كارثي على المياه الجوفية، حيث تتسرب الملوثات التي تحتويها المياه العادمة والنفايات الصلبة إلى الخزانات الجوفية فتزيد من نسبة النترات والأملاح والعناصر الثقيلة السامة من زنك ورصاص وكاديميوم وغيرها، فضلاً عن العناصر المشعة في المياه التي يستخدمها الفلسطينيون للشرب.
أضِف إلى تلك الممارسات المستهترة، الاستخدام المفرط للمخصبات الزراعية والمبيدات التي تصل في نهاية المطاف إلى خزانات المياه الجوفية، فأدت إلى زيادة نسبة الأملاح والنترات في مياه الخزان الجوفي، بنسبة تجعلها غير صالحة للشرب، مثل مياه قطاع غزة. ولا يغيب عن أذهاننا خطورة النترات على الصحة العامة، وبخاصة صحة الأطفال، وحدوث ظاهرة (Methemoglobinemia)، وهي (تناقص كمية الأوكسجين المحمول لكريات الدم الحمراء).
نهايةً..
تم التوقيع على اتفاقية أوسلو، ولكن سياسة دولة الاحتلال المائية الجشعة لم تتغير.. وأكبر أكبر جريمة نرتكبها في حق أنفسنا وحاضرنا ومستقبلنا ومستقبل وطننا وأبنائنا هي أن نبقى على صمتنا تجاه الاستمرار في هذه الاتفاقية.
المطلوب الآن وقف العمل باتفاقية أوسلو، التي أثبتت فشلها في إيقاف نهب الموارد المائية الفلسطينية وتلويثها، في الوقت الذي ظننا حقاً أننا امتلكنا دولة، فإذا بها مبتورة شوهاء خيالية، قسّمتنا وشتَّتت أرجاء وطننا، فحاصرت جزءاً منهم في قطاع ضيق فقير لا يستوفي الشروط الأساسية الضرورية للعيش، وعمدت إلى قمع وتركيع الجزء الثاني، وتناست أننا وطن لا يزال محتلاً، وأن العدو الحقيقي هو الذي يحتل أرضنا ويستنزف خيراته وطاقات أبنائه.
مدار الساعة ـ