انتخابات نواب الأردن 2024 اقتصاديات أخبار الأردن جامعات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب رياضة مقالات مختارة مقالات مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

عمان

مدار الساعة,مقالات مختارة
مدار الساعة ـ نشر في 2021/09/19 الساعة 00:03
حجم الخط

.. كنا زمان نتمنى، أن نجد ليلى على درجات الكلحة في عمان.. كانت أمنياتنا صغيرة جدا وحميمة جدا، كنا نتمنى ألا تتأخر عبلة عن موعدها.. وأتذكر أني تمنيت يوما، أن أمشي مع صبية.. من العبدلي حتى الساحة الهاشمية, دون أن ترصدنا العيون..

عمان تغيرت.. الناس تستمتع بالشجر والحدائق, بالمتاحف.. بالعروض الفنية والتراث, نحن صرنا كلما شاهدنا قطعة أرض فارغة, وعليها إعلان بيع.. صرنا نقف ونتجادل حول المساحة والسعر, وفي النهاية نختم حديثنا بجملة: (اخ لو انها الي بس)..

صارت عمان مجرد لوحة للأراضي، وصارت الناس لا تعرف التواريخ.. ولا تعرف الأماكن, ولا تتذكر المناسبات الوطنية, بقدر ما تعرف لمن هذه الأرض, ومن الورثة في هذه القطعة.. ومن اشترى هذه القطعة..

لدي في الكرك قطعة أرض، رخيصة جدا.. لو بعتها فلن يكفي ثمنها لشراء (سكوتر).. ولكن آثار أبي فيها، فما زال الوتد الذي وضعه موجودا، (والسنسلة) الحجرية التي بناها بكفه موجودة أيضا, ما زالت ذكرياتي حين كنت طفلا.. أصعد أعلى التلة مرسومة في الذهن.. والغريب أن كل ما امتلكته في الكرك, وما سأمتلكه.. لا يعادل ثمنه متر أرض في عمان..

هنا تتحدث الملايين وفي الكرك تتحدث الذكريات فقط, وهذا سؤال نطرحه لمن خططوا ورسموا اقتصاد الدولة، لماذا صارت أراضي عمان مقياسا للجاه والثروة والقوة.. بالمقابل أراضي أهلي في الكرك مجرد لوحة ذكريات.. المخجل في الموضوع أن ثمن متر (الموكيت) هنا أكثر من ثمن متر أرضي في الكرك..

هل تغير وجدان الناس, أم أن المال فرض ايقاعه عليهم.. في بريطانيا الصورة مختلفة جدا فالأرض التي تقع خارج العاصمة أغلى في الثمن، وفي أوروبا أيضا هكذا الحال.. إلا لدينا صار عنوان العاصمة مرتبطا بحجم ما تملك من دونمات فيها.

على كل حال.. ما زلت محافظا على أرضي، مازال الوتد موجودا.. وما زالت (السنسلة) التي بناها أبي موجودة, وذكرياتي في موسم الحصاد موجودة.. وما زلت أتمنى أن يعود القمح لكي ينبت من جديد.. وأنام بين السنابل, وأسبح فيها.. على الأقل هناك قيمة الأرض مرتبطة بالذكريات، وهنا مرتبطة بالملايين..

عمان لا تحتاج لأنفاق ولا جسور، تحتاج لمن يعيد روحها إليها.. فعنوانها العسكر والبندقية، عناوين عمان امتزاج عرق الشركسي برضا الشامي بعنفوان البدوي.. عناوين عمان, هي الحجر الذي قاوم الإلغاء والتهميش والإلحاق.. وأصر أن تبقى عاصمة عربية حرة..

أرخت عمان جدائلها بين الكتفين فاهتز المجد وقبلها.. نريد لعمان أن يقبلها المجد وحده.. لا أن يصبح سعر المتر فيها هو القبلة وهو الجديلة.

Abdelhadi18@yahoo.com
الرأي

مدار الساعة ـ نشر في 2021/09/19 الساعة 00:03