مدار الساعة - كانت معركة جناق قلعة، أو كما تسمى أيضاً بمعركة جاليبولي، التي اندلعت بين العثمانيين وقوات الحلفاء، في فبراير/شباط 1915، واستمرت حتى يناير/كانون الثاني 1916، واحدة من المعارك المفصلية خلال الحرب العالمية الأولى، إذ أرادت قوات الحلفاء خلالها السيطرة واحتلال الأستانة- إسطنبول حالياً.
أسباب معركة جاليبولي وأهميتها للحلفاء
بدأت القصة في 2 أغسطس/آب 1914، عندما وقّع العثمانيون اتفاقية تحالف مع الألمان ضد روسيا، أي بعد 5 أيام من إعلان بدء الحرب العالمية الأولى، وهو ما وجدته قوات الحلفاء عقبة أمامها لحماية الروس من هجوم القوات الألمانية.
وفي سبتمبر/أيلول 1914، وضع ونستون تشرشل الذي كان حينها أميراً للبحرية البريطانية خطة حملة جاليبولي، من أجل السيطرة على الطريق البحري من أوروبا إلى روسيا، من أجل تأمين الدعم لها، وأيضاً تأمين القوات البريطانية المتمركزة في الشرق الأوسط.
إضافة إلى التخلص من الخطر العثماني عن طريق احتلال مضيق الدردنيل، وهو ممر ضيق يربط بحر إيجة ببحر مرمرة في شمال غرب تركيا، ومن بعده السيطرة على الأستانة.
ولكن انشغال قوات الحلفاء على الجبهات الأخرى أجّل هذه الحملة وفقاً لما ذكره موقع البرلمان الأسترالي Parliament Of Australia.
هجومٌ بحري سريع سيكون كافياً لاحتلال الأستانة
مع توقف الحرب العالمية الأولى على الجبهة الغربية بحلول عام 1915، كانت دول الحلفاء تناقش المضي في الهجوم على منطقة أخرى من الصراع، بدلاً من الاستمرار في الهجمات في بلجيكا وفرنسا.
في الوقت ذاته جاءت مناشدات الدوق الروسي الأكبر نيكولاس للحلفاء من أجل مساعدتهم في مواجهة الغزو العثماني في القوقاز، فقرروا أنّ الوقت قد حان لإطلاق حملة جاليبولي.
وقد اعتقدت القوات البريطانيّة أنّ الحملة ستكون مجرّد هجوم بحري سريع من خلال السفن الحربية البريطانية والفرنسية، ويستطيعون من خلاله إنهاء الحملة بنجاح.
بدأ الهجوم البحري من قبل الحلفاء في الـ19 من فبراير/شباط، بقيادة اللورد الأول للبحرية البريطانية ونستون تشرشل، عن طريق قصف السفن الحربية لحصون الجيش العثماني، الذي بدوره لم يرد على القصف وانسحب بشكل مفاجئ من حصونه.
ظنّ الحلفاء أنّ خطتهم نجحت بالفعل، فدفعوا سفنهم الحربية نحو مضيق الدردنيل، ولكن ما إن دخلوا حتى تفاجأوا بحقل ألغام بحري أجبرهم على الانسحاب، وفقاً لما ذكره موقع History التاريخي.
وصل الهجوم البحري ذروته في الـ18 من مارس/آذار، عندما عاودت قوات الحلفاء الهجوم على المضيق مرة أخرى عن طريق 18 سفينة، لكنّ القصف المدفعي العثماني والألغام البحرية المتبقية تسببا في غرق 3 سفن، هي Ocean وIrresistible وBouvet، إضافة إلى مقتل نحو 700 جندي بريطاني وفرنسي، ما دفع الحلفاء للتوجه نحو حلّ آخر وهو الهجوم براً.
الهجوم البري والفرصة الأخيرة
في أعقاب الهجوم البحري الفاشل بدأت الاستعدادات لعمليات إنزال واسعة النطاق لقوات الحلفاء في شبه جزيرة جاليبولي، بمشاركة قوات بريطانية وفرنسية وأسترالية ونيوزيلندية وهندية وكندية.
كما عيّن وزير الحرب البريطاني اللورد كتشنر، الجنرال إيان هاملتون قائداً للقوات البريطانية للعملية تحت قيادته، كما أمر القوات الأخرى بالتجمع في جزيرة ليمنوس اليونانية لبدء عملية الإنزال.
في الوقت ذاته عزّز الجيش العثماني دفاعاته تحت قيادة الجنرال الألماني أوتو ليمان فون ساندرز ورئيس أركان الجيش مصطفى كمال أتاتورك، الذين بدأوا في تنظيم تواجد وحدات الجيش على طول الشاطئ، حيث يتوقع أن يتم الإنزال.
في 25 أبريل/نيسان 1915، بدأ الحلفاء يُنزلون قواتهم تدريجياً، وتمكنوا من السيطرة على موقعين، لكنّ الافتقار للمعلومات الاستخباريّة والجهل بتضاريس المنطقة إلى جانب مقاومة الجيش العثماني الشرسة كلّف قوات الحلفاء خسائر فادحة، ليبدأ الإخلاء في يناير/كانون الثاني 1916.
نتائج المعركة
قُتل خلال الحرب التي استمرت نحو 11 شهراً ما يقرب 58 ألف جندي من قوات الحلفاء، من بينهم 29 ألف جندي بريطاني وأيرلندي، و10 آلاف جندي فرنسي، و11 ألف جندي أسترالي ونيوزيلندي.
بينما قُتل من الجيش العثماني نحو 87 ألف جندي، في حين أصيب ما لا يقل عن 300 ألف جندي من كلا الجانبين بجروح، وفقاً لما ذكرته صحيفة The Guardian البريطانية.
وإضافة إلى تأخير سقوط إسطنبول التي احتلها الحلفاء بعد انتهاء معركة جاليبولي بعامين، فإن الحرب شهدت بزوغ نجم قائد عسكري وهو مصطفى كمال أتاتورك، الذي قاد معظم المعارك البرية ومُنح لقب "باشا" بعد المعركة.
لكنّ الباشا الجديد استقال من الجيش العثماني في العام 1919، ونظّم قوات التحرير التي قاتلت البريطانيين والفرنسيين واليونانيين والإيطاليين، واستطاع حينها استعادة إسطنبول وإلغاء الخلافة العثمانية، وتأسيس دولة تركيا الحديثة.
الجندي الذي كان له فضل في انتصار العثمانيين
يعتبر العريف سعيد علي تشابوك، أو كما يعرف بـ"كوجا سعيد" أحد الشخصيات البارزة في الحرب، بعد قيامه بموقف شجاع أثبت قوة إرادة العثمانيين للفوز بالمعركة.
وتقول الروايات التركية إنه عندما بدأت سفنٌ بريطانية محاولة اقتحام مدينة جناق قلعة، المطلة على مضيق الدردنيل، كان العريف كوجا سعيد حينها مسؤولاً عن الثكنة المجيدية في غرب المدينة، فأمر قواته باستهداف السفن البريطانية بالنيران العنيفة والقذائف المدفعية.
ومن أجل مساندة المدفعية لمواصلة قصف سفن التحالف كان كوجا سعيد يقوم بنفسه بحمل القذائف التي يصل وزن الواحدة منها إلى ما يقارب 276 كيلوغراماً على ظهره، وقد تم لاحقاً تسمية قريته الواقعة قرب مدينة باليك أسير باسمه تقديراً لبطولاته.
المقاتلون العرب الذين شاركوا في معركة جاليبولي
كشف المؤرخ التركي أنس ديمير الدور الهام الذي قام به العرب الذين قاتلوا الحلفاء إلى صف الجيش العثماني في معركة جاليبولي.
إذ قام ديمير بنشر أسماء بعضٍ من الشهداء التي قتلوا في المعركة، أبرزهم من مُدن حلب والباب وإدلب واللاذقية في سوريا، ومدينة غزة الفلسطينية، وبغداد العراقيّة، وذلك في كتابه "شهداء من العالم الإسلامي في ملحمة الدفاع الأخيرةـ جنق قلعة".
وذكر ديمير وفقاً لوكالة أنباء الأناضول أنّ حلب وحدَها قدَّمت 551 شهيداً، تليها الباب بـ96 شهيداً.
من جهته، أوضح المؤرخ الأسترالي جورسيل جونكو أن نحو 300 ألف مقاتل عربي كانوا يقاتلون إلى صفّ الجيش العثماني، منذ بدء الحرب العالمية الأولى، وأضاف أنّ ثلثي قوات مصطفى كمال أتاتورك في الفرقة الـ 19 كانوا من السوريين، وفقاً لما ذكره موقع Aljazeera English.
ولا تزال إلى يومنا هذا قبور الشهداء العرب موجودة وموزعة في الولايات التركية، لاسيما في مدينتي جنق قلعة وبورصة، ولكن للأسف معظم هذه القبور تحمل على شواهدها أسماء المدن التي ينحدر منها الشهداء فقط.