ليسَ أوفى بمطالب العقل من عقيدة الإسلام، وهي الأكثر وضوحاً وبساطة فيما يملأَ العالم من عقائد ذات أسرارٍ وظُلمات.
والذين حاولوا كتابة هذه العقيدة في اضمامة شافية كثيرون. ومعظم ذلك مرجوع فيه الى كتاب الله الكريم.
ولقد وقعتُ في «طبقات الشافعية الكبرى» لتاج الدين السبكي (الجزء الثامن من طبعة دار «هجر» بتحقيق الدكتور عبدالفتاح الحلو والدكتور محمود الطناحي) على نصّ «العقيدة المرشدة» لفخر الدين بن عساكر فوجدتها مثالاً على القول الجامع في بابها، وها هو ذا نصّها كاملاً:
«إعلم، أرشدنا الله وإياك، أنّه يجب على كل مكلّفٍ أن يعلم أن الله عزّ وجلّ واحدٌ في مُلكه، خلق العالم بأسرِهِ، العلويّ والسفليّ والعرشَ والكُرسيَّ والسماوات والأرض، وما فيهما وما بينهما. جميع الخلائق مقهورون بقدرته، لا تتحّرك ذرّةٌ إلا بإذنه، ليسَ معه مدبّرٌ في الخلق، ولا شريكٌ في المُلك، حيٌّ وقيوم «لا تأخذه سِنةٌ ولا نوم» «عالِمُ الغيب والشهادة» «لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء» «يعلم ما في البرّ والبحر وما تسقط من ورقة إلاّ يعلمها ولا حبّة في ظلماتِ الأرض ولا رطب ولا يابس إلاّ في كتاب مُبين».
«أحاط بكل شيء علماً» «وأحصى كل شيء عدداً» «فعّال لما يُريد» قادرٌ على ما يشاءُ، له المُلْكُ والغَناء، وله العِزُّ والبقاء، وله الحكم والقَضاءُ، وله الأسماءُ الحسنى.
لا دافعَ لما قضى، ولا مانع لِما أعطى، يفعَلُ ما مُلْكِهِ ما يريد، ويحكم في خلقه بما يشاء، لا يرجو ثواباً ولا يخافُ عقابا، ليس عليه حقٌ ولا عليه حكم، وكلُّ نِعمة منه فضل، وكل نِقمة منه عَدْل، «لا يُسألُ عما يفعل وهم يُسئلون».
موجود قبل الخلق، ليس له قبل ولا بعد، ولا فوق ولا تحت، ولا يمين ولا شمال، ولا امام ولا خلف، ولا كُل ولا بعض، ولا يُقال: متى كان، ولا أين كان، ولا كيف كان، ولا مكان.
كوّن الأكوان، ودبّر الزمان، لا يتقيّد بالزمان، ولا يتخصص بالمكان، ولا يشغله شأن عن شأن.
ولا يلحقه وهم، ولا يكتنفهُ عقل، ولا يتخصصُ بالذهن، ولا يتمثل في النفس، ولا يُتصور في الوهم، ولا يتكيّف في العقل.
لا تلحقه الأوهام والافكار «ليس كمثِلِه شيء وهو السميع البصير».
***
هذا هو نص «العقيدة المرشدة» كاملا كما ورد في «طبقات الشافعية الكبرى» وهو «إجمال» ربما استغرق تفصيله الصفحات الطوال، ونحن نأتي به هنا بصفة كونه انموذجا من نماذج شتى لتصوّر المسلمين لخالقهم العظيم سبحانه وتعالى، هذا التصوّر المستضيء بالقرآن الكريم المستظِل بآياته البيّنات.
***
وعلى أن كاتب هذا النص أشعري، إلا انه يشتمل على ما لا يخالفه فيه مسلم في الارض مهما يكن مذهبه إلا الغلاة او اهل الباطن او من تُزَنّ عقولهم برِيب التفلسف.
ومن ينقب في كتب كبار الأئمة يجد مشابه من هذا النص في «العقيدة الطحاوية» و»عقيدة العِز بن عبدالسلام «العقيدة الواسطية» لابن تيمية وفي «الفقه الأكبر» للامام ابي حنيفة وفي كثير غيرها، وهي كلها مسارح للعقول السليمة والأفهام القويمة ومُسترادات للبصائر، فمن أبصر فلنفسه ومن عَمِيَ فعليها.
الرأي