مدار الساعة - "حركة طالبان انتصرت"، بهذه الكلمات أقرَّ الرئيس الأفغاني أشرف غني، الذي فرّ إلى خارج أفغانستان، بأن بلاده عادت لحكم الحركة بعد 20 عاماً من الحرب عليها ومليارات الدولارات التي أنفقتها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي "الناتو" لإقصاء الحركة وبناء دولة جديدة.
وفور سيطرة الحركة على المقار الحكومية الرئيسية في العاصمة، كشفت أنها ستعلن "إمارة أفغانستان الإسلامية"، فما هو تاريخ صعود وهبوط ثم عودة هذه الحركة إلى سُدة الحكم؟
البداية.. طلابٌ يحلمون بتطبيق الشريعة الإسلامية
تأسست حركة طالبان، وتعني "الطلاب" بلغة البشتو، في أوائل التسعينيات في جنوب أفغانستان بقندهار بعد انسحاب القوات السوفييتية من أفغانستان، وانهيار النظام الشيوعي فيها.
والبشتو هي اللغة الأولى لما يُقدر بنحو 55% من سكان أفغانستان، وفقاً لليونسكو. كما يتم التحدث بلغة البشتو في أجزاء من باكستان وإيران، وكلتاهما تحُد أفغانستان.
وقد اجتذبت الحركة في الأصل أعضاءً ممن يسمون بالمقاتلين أو "المجاهدين" الذين صدوا، بدعم من الولايات المتحدة، القوات السوفييتية في الثمانينيات في شمال باكستان.
كما يُعتقد أن الحركة التي يغلب عليها عرقية البشتون ظهرت لأول مرة في المعاهد الدينية، التي كانت تتلقى تمويلاً من دولٍ خليجية، وتحديداً السعودية، كما جاء في تقرير لموقع BBC.
كان الوعد الذي قطعته طالبان -في مناطق البشتون المتاخمة لباكستان- هو استعادة السلام والأمن وتطبيق الشريعة الإسلامية، بمجرد وصولهم إلى السلطة كقوة تغيير اجتماعية حقيقية خلال الحرب الأهلية التي أعقبت الحقبة السوفييتية.
وشهدت أفغانستان حرباً أهلية في عام 1978 بين المقاتلين الإسلاميين المناهضين للشيوعية والحكومة الشيوعية الأفغانية (بمساعدة القوات السوفييتية في 1979-89)، مما أدى إلى الإطاحة بالحكومة في عام 1992، أي بعد 17 عاماً من الاقتتال بين الجبهتين.
انقسم المجاهدون سياسياً إلى حفنة من الجماعات المستقلة، وظلت جهودهم العسكرية غير منسقة طوال الحرب. ومع ذلك، تحسنت جودة أسلحتهم وتنظيمهم القتالي تدريجياً، بسبب الخبرة والكمية الكبيرة من الأسلحة وغيرها من المعدات الحربية التي تم شحنها إلى المتمردين عبر باكستان والولايات المتحدة ودول مسلمة أخرى تعاطفت معهم.
كما سافر عدد غير محدد من المتطوعين المسلمين -الذين يطلق عليهم شعبياً "الأفغان العرب"، بغض النظر عن عرقهم- من جميع أنحاء العالم للانضمام إلى المعارضة.
وفي غضون عامين من سقوط الحكومة الانتقالية، سيطرت طالبان وحدها على معظم أنحاء البلاد، وأعلنت إمارة إسلامية في عام 1996 هدفها تطبيق الشريعة الإسلامية كما تفسّرها، ومقاومة أي احتلال أجنبي، في حين تراجعت مجموعات المجاهدين الأخرى -من خارج الحركة- إلى شمال البلاد.
ومع ذلك، استمرت المقاومة ضد طالبان، لا سيما بين المجموعات العرقية غير البشتونية -أي الطاجيك والأوزبك والهزارة- في الأجزاء الشمالية والغربية والوسطى من البلاد.
وبحلول عام 2001، سيطرت طالبان على جميع مناطق شمال أفغانستان باستثناء جزء صغير.
سياسات داخلية متشددة
خلال السنوات الخمس التي قضتها الحركة في السلطة، فرضت طالبان نسخة صارمة من الشريعة الإسلامية.
مُنعت النساء في الغالب من العمل أو الدراسة، وكن يُحجزن في منازلهن ما لم يكنّ برفقة ولي أمرٍ ذَكَر.
انتشرت عمليات الإعدام والجلد في الأماكن العامة، وتم حظر الأفلام والكتب الغربية، كما تم تدمير القطع الأثرية الثقافية التي يُنظر إليها على أنها "تدعو للكفر".
ويتّهم المعارضون والدول الغربية الآن طالبان بالرغبة في العودة إلى أسلوب الحكم هذا في المناطق التي تسيطر عليها بالفعل – وهو ادعاءٌ تنفيه الجماعة.
3 دول فقط تعترف بحكم طالبان
رفض الرأي العام العالمي إلى حد كبير السياسات الاجتماعية لطالبان -وربما أكثر شيء كان الاستبعاد شبه الكامل للمرأة من الحياة العامة (بما في ذلك التوظيف والتعليم)، والتدمير المنهجي للآثار الفنية غير الإسلامية (كما حدث في مدينة باميان في عام 2001)، إلى جانب تنفيذ عقوبات جنائية قاسية.
وكانت الحركة أقدمت على تدمير منحوتات قديمة من الحجر الرملي كانت في يوم من الأيام أطول تماثيل بوذا في العالم في تلال مدينة باميان، في حادثة استنكرها المجتمع الدولي.
أمضى رجال الحركة آنذاك 3 أيام في زرع المتفجرات حول التماثيل، ثم تم مد الأسلاك على طول الطريق إلى مسجد قريب حيث انفجرت العبوات الناسفة وسط صيحات "الله أكبر"، حسب تقارير إعلامية.
ولم يعترف بطالبان وقت تسلمها الحكم في التسعينات سوى المملكة العربية السعودية وباكستان والإمارات العربية المتحدة، حسب ما نشرت موسوعة Britannica.
أحداث 11 سبتمبر تقلب الطاولة
ولكن كل هذا تغير في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، إذ استقطبت الحركة أنظار العالم بعدما اجتاحت القوات المدعومة من الولايات المتحدة في الشمال العاصمة كابول في نوفمبر/تشرين الثاني تحت غطاء الضربات الجوية الأمريكية الشديدة وذلك لإيواء طالبان زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وبعض قادة التنظيم ورفضها تسليمه للولايات المتحدة.
تلاشت حركة طالبان إلى مناطق نائية إثر الحرب الأمريكية، حيث بدأت حرباً دامت 20 عاماً ضد الحكومة الأفغانية وحلفائها الغربيين من الولايات المتحدة وقوات الناتو.
لماذا كانت طالبان أقوى من القوات الأفغانية؟
على مدى العقدين الماضيين، أنفقت الولايات المتحدة أكثر من تريليون دولار في أفغانستان. ودربت الجنود والشرطة الأفغانية وزودتهم بالمعدات الحديثة.
اعتباراً من فبراير/شباط 2021، بلغ عدد قوات الجيش الأفغاني 308 آلاف، وفقاً لتقرير مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو أعلى بكثير من العدد المقدر لمقاتلي طالبان، والذي تراوح بين 58 و100 ألف.
لكن رغم كل هذه الأرقام، أثبتت طالبان أنها الأقوى على الأرض لتقديمها نفسها على أنها المقاومة ضد أي احتلال، وهو ما يتوافق مع الهوية الأفغانية.
من هو مؤسس الحركة الملا عمر؟
المعلومات المتوافرة عن حياة الملا محمد عمر مقتضبة وغير معروفة، وتشير مصادر بريطانية إلى أنه من مواليد الخمسينات أو ستينات القرن الماضي.
ينتمي لعرقيّة البشتون أيضاً وتحديداً فرع غيلزاي، ويقال إنه ولد بالقرب من قندهار في أفغانستان.
يُعتقد أنه كان أمياً أو أنه تلقى الحد الأدنى من التعليم – بصرف النظر عن دراساته الإسلامية.
حارب مع المجاهدين ضد السوفييت أثناء الحرب الأفغانية (1978-1992)، وخلال تلك الفترة، فقدَ عينه اليمنى في انفجار.
وبعد الانسحاب السوفييتي، أنشأ الملا عمر مدرسة صغيرة في قرية صغيرة في ولاية قندهار ودرّس فيها. قاد بعدها مجموعة من طلاب المدارس الدينية للسيطرة على عدة مدن في فترة منتصف التسعينيات، بما في ذلك قندهار وهيرات وكابول ومزار الشريف. وأخيراً في عام 1996، اعترف مجلس الشورى بالملا عمر على أنه "أمير المؤمنين".
ولكن بعد الإطاحة بطالبان مطلع الألفية الثالثة، اختبأ الملا عمر في مكان شديد السرية لدرجة أن موته، في عام 2013، لم يتم الإعلان عنه إلا بعد عامين من قِبَل ابنه.
من يموِّل طالبان؟
حسب أشهر المتداول، فإنّ طالبان تجني أموالها من تصدير الأفيون والهيروين، وتقدر الأمم المتحدة أنه في عامي 2018 و2019 وحدهما، حققت الحركة أكثر من 400 مليون دولار من خلال تجارة المخدرات غير المشروعة، والتي تمثل ما يصل إلى 60٪ من دخلها وفقاً لمسؤولين أمريكيين.
أما مصادر الدخل الإضافية التي تم إدراجها في تقرير محلل السياسة الاقتصادية في مركز دراسات أفغانستان حنيف سوفيزادا، فتشمل التعدين والضرائب والتبرعات.
يُعتقد أيضاً أن بعض الدول تقوم بتحويل الأموال مباشرة إلى طالبان.
بدوره، قال جيدو شتاينبرغ من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية لموقع دويتشه فيله: "لديهم حليفان؛ أحدهما حليف غير محتمل: وهو إيران، إذ دعم الحرس الثوري طالبان في السنوات الأخيرة من أجل هزيمة الأمريكيين. لكن الأهم من ذلك الحليف الثاني باكستان، التي تقاتل مع طالبان".
الآباء الروحيون لطالبان
ويوجد تسلسل هرمي واضح داخل الجماعة الإسلامية، فالملا هبة الله أخوندزاده هو القائد الأعلى للجماعة منذ عام 2016، والسلطة النهائية في جميع الشؤون السياسية والدينية والعسكرية.
يدعم أخوندزاده 3 نواب وعدداً من الوزراء الذين يشرفون على مجالات مثل الجيش والاستخبارات والاقتصاد.
أما مجلس الشورى المعروف باسم "شورى كويتا"، فهو أعلى سلطة استشارية في المجموعة ويتألف من 26 عضواً.
يقع مقر الفرع السياسي لحركة طالبان الذي يمثل الجماعة دولياً في العاصمة القطرية تحت قيادة الملا عبدالغني برادر، أحد المؤسسين المشاركين للحركة والذي قاد مفاوضات السلام مع الولايات المتحدة إلى جانب عبدالحكيم حقاني.
مفاوضات للسلام والعودة للحكم مجدداً
وكانت الآمال في التوصل إلى سلام عن طريق التفاوض انتعشت في عام 2013، عندما أعلنت حركة طالبان عن خطط لفتح مكتب لها في قطر، لكن انعدام الثقة من جميع الأطراف ظل مرتفعاً واستمر العنف.
وأخيراً، تم التوصل إلى اتفاق في أواخر فبراير/شباط 2020، إذ وافقت طالبان على بدء محادثات مع الحكومة المركزية في غضون 10 أيام من توقيع الاتفاقية ومنع تنظيم القاعدة وداعش من العمل في أفغانستان.
من جانبها، تعهدت الولايات المتحدة بسحب قواتها من البلاد في غضون 14 شهراً.
وبحلول منتصف شهر آب/أغسطس 2021، وبمجرد انسحاب القوات الأمريكية من المدن المركزية، استولت طالبان على جميع أنحاء البلاد تقريباً، بما في ذلك العاصمة كابول.
العد التنازلي للانسحاب
في العام الذي أعقب اتفاق السلام بين الولايات المتحدة وطالبان في فبراير/شباط 2020 -والذي كان تتويجاً لسلسلة طويلة من المحادثات المباشرة- بدا أن طالبان تحول تكتيكاتها من الهجمات المعقدة في المدن وعلى المواقع العسكرية إلى موجة من الاغتيالات المستهدفة، إذ استهدفت صحفيين وقضاة ونشطاء سلام ونساء في مناصب السلطة.
وعلى الرغم من مخاوف المسؤولين الأفغان بشأن ضعف الحكومة أمام طالبان دون دعم دولي، أعلن الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، في أبريل/نيسان 2021 أن جميع القوات الأمريكية ستغادر البلاد بحلول 11 سبتمبر، أي بعد عقدين من أحداث مركز التجارة العالمي.
وقد باتت جماعة طالبان اليوم أكبر وأقوى من حيث العدد من أي وقت مضى منذ الإطاحة بها في عام 2001، مع ما يصل إلى 85 ألف مقاتل، وفقاً لتقديرات الناتو الأخيرة.
ورغم تخوفات المراقبين الدوليين من أنواع حرب أهلية في أفغانستان، فإن الحركة تمكنت من السيطرة على العديد من المدن الرئيسية بلا اقتتال، بينما كانت القوات الحكومية تستسلم بسرعة تفادياً لسقوط أي ضحايا.
فاتورة الحرب
قضت الحرب التي استمرت لعقدين من الزمن على 47,245 مدنياً أفغانياً و66 ألفاً من قوات الأمن الأفغانية ونحو 52 ألفاً من مقاتلي طالبان منذ عام 2001 حسب تقرير نشرته وكالة أسوشيتد برس AP.
وعلى الجانب الآخر، خدم حوالي 150 ألف جندي بريطاني في أفغانستان، وقتل منهم 457 جندياً، كما أرسل الجيش الأميركي نحو 800 ألف جندياً لقي 2448 منهم حتفهم، حسب تقرير لصحيفة Wall Street Journal.
وعود بدعم المرأة والأقليات في المحاولة الثانية
ويبدو أن حركة طالبان قررت التغيير من سياساتها الداخلية مقارنة بالمرة الأولى، إذ صرحت بأنها تريد "نظاماً إسلامياً حقيقياً" لأفغانستان من شأنه أن يدعم حقوق المرأة والأقليات بما يتماشى مع التقاليد الثقافية والقواعد الدينية.