د. جواد العناني
اكتسبت كلمة «الحروب أو مفردها الحرب» معاني وصفات كثيرة لم نكن نسمع بها قبل عقدين من الزمان، فهنالك الحرب الفضائية، والحرب الإلكترونية ، وحرب الفضاء السايبري، وحرب العملات، وحتى الحروب العسكرية صارت الآن تعتمد على التكنولوجيا الالكترونية بواسطة التفجير عن بعد، والطائرات بدون طيار «درونز»، والصواريخ العابره للقارات. لم تعد بطولات عنتر تجدي في زمن تدار به الحرب دون أن يلتقي الأعداء المتحاربون وجهاً لوجه.
وقد علمنا عبر وسائل الإعلام خلال الأسابيع الماضية عن التدخل في وكالة الأنباء القطرية حيث بُثّت تصريحات على لسان أمير قطر، وعن اختراق حساب «تويتر» لوزير خارجية البحرين، وحساب «فيسبوك» لسفير دولة الإمارات في واشنطن. وقد اثارت هذه الهجومات المتزامنة السؤال الكبير «هل بدأت حرب إلكترونية إعلامية تستهدف صناع القرار في المنطقة العربية، وما هي وسائل الدفاع الممكنة حيال هذا التطور الخطير؟
ولنبدأ أولاً بالاعتراف، أن تفاوت القدرات المعرفية والتكنولوجية في مجال التراسل الإلكتروني بين الدول العربية لا يعني الكثير، إذ أن هذه الدول جميعها مستورد ومستهلك للبرامج الإلكترونية، وأدواتها، إلا القليل. ولنعترف أيضاً أن خمسة وتسعين في المئة من المحتوى على المواقع الإلكترونية مكتوب باللغة الإنجليزية، وأقله باللغة العربية. فهواتفنا النقالة، والمودمز التي تستخدمها، والشبكات وغيرها كلها مستوردة مما يعطي من يبيعنا إياها تفوقاً علينا.
وكذلك فإن المستشارين والخبراء الذين يبنون لنا البرمجيات الدفاعية والمعلوماتية وغيرها، هم شركات أجنبية، أو وكلاء لها. ولذلك، يبقى لدى المصدرين والمطورين للتكنولوجيا اليد العليا في القدرة على فك الرموز ومعرفة المفاتيح المرورية للدخول إلى هذه المخازن بشكل اسهل وأطوع.
وبحسب «ديلي سكويب» التي نقلت تصريحات لهنري كيسنجر، وزير خارجية الولايات المتحدة في عهد الرئيسين نيكسون وَ فورد»، فإن العالم مقبل على حرب عالمية ثالثة تقودها نيابة عن الغرب الولايات المتحدة وإسرائيل حيث تستهدفان كلاً من إيران وروسيا، مما يمكن إسرائيل من احتلال سبع دول عربية. وسنكون الحرب مدمرة، ولكن أمريكا ستنتصر، وستفرض نظاماً واحداً على العالم.»
ومع ان الكلام يذكرني بتنبؤات الطبيب الفرنسي (مات سنة 1566م) «نوستراداموس» والذي عرف بقدرته على قراءة المستقبل،والذي تنبأ ببروز نظام إسلامي يقوده إمام بعمامة سوداء سيدخل في حرب طاحنة مع أوروبا. وسوف تكون حرباً مدمرة تنتهي بهزيمة المسلمين. وللقارئ ان يختار أن يصدق أو لا يصدق.
وبحسب كيسنجر فإن التفوق التكنولوجي للغرب كبير جداً، حتى أن روسيا وإيران اللذين خدعهما الغرب بأنهما قويتان، سيجدان نفسيهما ضحية سهلة للتفوق الغربي.
ولكن المؤكد أن الحرب الإلكترونية قد بدأت من سنوات. وستكون هذه الحرب أقل كلفة بكثير من الحروب التقليدية. فبواسطة التفوق الإلكتروني، فإن القراصنة الذين يصعب حتى الآن تحديد اماكنهم، قادرون على اختراق الأنظمة المشغلة لكل الخدمات الأساسية للدول كالنظم الكهربائية، والمائية، وخطوط النقل الجوية والبحرية، وحتى إشارات المرور. وهم قادرون على إرسال فايروسات إلى داخل هذه الأنظمة لتفجيرها، وتفجير مخزوناتها من المعلومات والأسلحة، والنفط، والمياه، وصوامع الحبوب ومستودعات الغذاء.
هذه حرب رخيصة ، ومدمرة، ويستطيعون ايضا اختراق الأنظمة المصرفية، والانظمة المالية والاستثمارية، ويستطيعون الحصول على المعلومات المخزنة في دوائر التسجيل المدنية وسرقة المعلومات الشخصية للناس.
وإذا حصل مثل هذا الأمر بأكلاف قليلة، فأي بلد يستطيع إدارة هذه الفوضى العارمة؟وإذا استمرت الحرب، فإن الخطوة اللاحقة تكون تدمير السلاح والصواريخ والقواعد والمطارات العسكرية.
والحرب الاقتصادية تأخذ ابعاداً اخطر إذا استخدمت فيها وسائل التجسس الصناعي والحصول على معلومات عن المخترعات، والاسرار التجارية، وغيرها. وماذا عن اختراق المعلومات الاقتصادية والمصرفية والمالية، حيث يمكن إشاعة الفوضى في حسابات المصارف وقروضها، وكفالاتها، وسجلاتها، واستثماراتها.
وهنالك ايضاً خطر إدخال معلومات خاطئة ومغلوطة على نظم المعلومات، مما يجعل المسؤولين في الدول المعرضة لهذا الهجوم يتخذون قرارات خاطئة في الوقت الغلط، وهذا يزيد الإرباك، ونحن نرى في الحروب الطائفية والعرقية استخداماً مكثفاً للمعلومات المفبركة والمبثوثة عبر شاشات الهواتف النقالة وأجهزة الحواسيب.
إن فجوة التكنولوجيا الكبيرة التي تفصل العرب عن باقي دول العالم، وبخاصة المتقدم منه، تلزم علينا أن نتوحد في هذا المجال، وأن نتعاون لتحسين قدراتنا فيه، وأن نبدأ بإعداد الأطفال والشباب والشابات على إتقان استخدام تطوير المعرفة الإلكترونية والوصول إلى مرحلة الإبداع.
لم تعد الفضاءات الالكترونية ملكاً لأحد، ولا تعترف بحدود او سيادة، بل هي عابرة لكل هذه الحواجز، وعلى العرب أن يعرفوا انهم جميعاً مستهدفون، ولذلك صار لزاماً ان نتعلم من بعضنا البعض، وأن نتبادل المعلومات، ونطور بشكل جماعي قدراتنا الإنسانية والمعلوماتية حتى لا تكون فرصة العبث بحياتنا ومصيرنا قليلة الكلفة، وسهلة الإنجاز.
وأنا واثق أن كثيراً من العرب، قد تحولوا من مشككين في إمكانية توحيد كلمة العرب ومواقفهم تجاه أي قضية إلى هازئين وساخرين من كل متفائل بإمكانية حدوث ذلك. في زمن الدهشة والسخرية وتقليل قيمة الذات، مطلوب منا إنجاز كبير نفخر به، والمجال الإلكتروني قد يكون الأقوى حظاً.
الدستور