انتخابات نواب الأردن 2024 اخبار الاردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للاردنيين احزاب رياضة أسرار و مجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مقالات جاهات واعراس مناسبات مجتمع دين ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة كاريكاتير طقس اليوم رفوف المكتبات

ثورة على الظلم

مدار الساعة: وكالة اخبارية مساحتها الكلمة الصادقة
مدار الساعة ـ نشر في 2021/08/10 الساعة 02:50
مدار الساعة,

لم يخلق الله هذا الكون عبثاً، بل إنه تعالى قدّر أن يكون الإنسان بكرامته وحريته التي تفوّق بها على جميع المخلوقات وهو أفضل كائن حيّ يدب على الأرض، فمنحه العقل الذي يفكر به ويتفكر بآلاء الله التي أوجدها لخدمة الإنسان، ومن ظهر آدم وبطن حواء جاءت هذه المليارات من البشر، وقبل ذلك لم يكن على الأرض إنسيّ، حتى أورثها الله للبشر لامتحان الطاعة وإعمار الأرض والتعاون على الخير ومحاربة الشرّ، وبعث من كل أمة رسولا يهديهم للطريق القويم، حتى جاء مولد النبي الأعظم محمد بن عبدالله القرشي، الذي أضاءت لمولده السماوات والأرض، فعاش يتيما وتوفي عظيما، ولا يزال حياً بسيرته ما دامت الأرض والسماوات.

فما هي الفاصلة ما بين تحقيق الحق الذي أنكره دهاة العرب وبين دحر الظلم تحقيقا لمصلحة الناس وهديهم للطريق الصحيح في زمن الظلام والتخلف والقتل لأتفه الأسباب والظلم واحتقار الإنسان لأخيه الإنسان وعدم صون كرامة المرأة ونهب مال الأخ والجار والاستقواء على الضعيف؟

إنها الهجرة النبوية من مكة، التي ولد فيها سيد ولد آدم ومن ظهر أشرف سادات العرب، الى يثرب ثم طيبة حتى سُميت بالمدينة المنورة لأنها أنارت بنور الله وأشرقت بقدوم محمد الذي ما زال يختلف عليه أقوام من نسل عدنان وغيرهم من بني الأحمر والأصفر.

الهجرة النبوية كانت ثورة على ظلم ذوي القربى الذين كانوا يرون الحق والصدق والأمانة متمثلا برجل من أصلابهم لأربعين عاما وهم يبجلونه ويعظمون شأنه ويأتمنونه على أموالهم وعلى رأيهم، حتى جاءته البشرى بالنبوة من فوق سبع سماوات بالوحي الشريف، وأخذ يدلهم على درب الهدى والتقى ويحثهم على أن يعودوا الى دين الله الذي أُرسل الى أبيهم إبراهيم عليه السلام ودعوته لهم عند الله وهو يرفع مع ابنه اسماعيل قواعد البيت الحرام، ويتركوا عنهم منكرات لا تليق بالبشر، فكيف يتعبد إنسان أكرمه الرب بالعقل والتمييز وبالنطق والتفكير والبصر لحجر نحتوه بأيديهم، كما نحت قوم إبراهيم أصنامهم من قبل، بل ويرون اليهود قريبا منهم لا يسجدون للأصنام، فكذبوه وحقّروه وآذوه ونكلوا به وبمن آمن به ثم اتفقوا أخيرا على قتله.

من هناك خرج النبي محمد الى يثرب بعدما قدم مسبقا دعوته عبر السفير الأول مصعب بن عمير الى قبائل الأوس والخزرج وتم منحه حق اللجوء الديني قبل السياسي، و الذي قُبلت دعوته وأعلنت نصرته من غرباء عنه بعد ظلم أهله وعشيرته، فترك وطنه الذي أحب مهاجرا لبلدة لم يعهدها من قبل، واستقبله أهلها بالحداء والغناء «طلع البدر علينا من ثنيات الوداع»، ومع ذلك لم يتركه جيش ابليس من قومه، بل أزجلوا العطايا لمن يلحق به ويقتله، كل ذلك من أجل جملة واحدة «لا إله إلا الله»، وقبلها قدموا له عروضا لا يرفضها أي «مواطن» في هذا الزمن، قالوا له سنعينه ملكاً علينا ونمده بالمال والذهب، فقط اتركنا وأصنامنا التي لا تشرب ولا تبول.

إن حياة النبي محمد كمواطن كانت أربعين عاما قضاها في التفكر وبث روح التنوير الاجتماعي الذي يظن البعض اليوم أنهم رواده، ولكن حياته كنبي لم تتعد ثلاثة وعشرين عاما، قلبت كل نواميس الكون على رؤوس أهل الجاهلية من قومه وأقوام أُخر فحارب لله وصالح لله ودعا لله وأعطى لله وحب في الله، ولم يجبر أحدا على دين الإسلام الذي هو دين إبراهيم وذريته من الأنبياء، وتصدى مع أنصاره ومهاجريه لظلم عشيرته وأحلافهم من اليهود الذين خانوا العهد معه كعادتهم، الى أن فتح مكة دون سيف ولا دم، حتى دانت له رقاب الأباطره والأكاسرة، ليصبح اليوم دين الله لا تغيب عنه شمس.

إذاً الهجرة لم تكن قرارا لمصلحة ذاتية ومعارضة تهدف الى تبادل الأدوار، بل كانت نصرة لتثبيت حق تقرير المصير وإخراج الناس من الظلم والجور، ولأن محمدا كان دعوة النبي ابراهيم وبشارة سيدنا عيسى كما يحققها القرآن الكريم الذي هو الدستور الأعظم على الأرض، فإنه لم يكتف بإخراج قومه من الظلمات الى النور، بل بعث برسائله الى أبعد منهم الى هرقل عظيم الروم والى كسرى عظيم فارس يدعوهم الى الحق بكلمة الله وتوحيده، وعندما جاءته نزعات الموت لم يكن يملك مالا ولا زادا، وهو الذي كان باستطاعته أن يملك خزائن الأرض، ويقتل من يشاء ويعين من يشاء كيفما يشاء، ولكنه أسس لدولة العدل والقضاء والاحتكام للعقل والقرآن الذي لم يتغير حرف منه طوال الف واربعمائة وثلاثة واربعين عاما، وأبقى للبشر دين الرحمة لا الصواريخ العابرة للقارات والقتل على الهوية والعرق والدين. هذا محمد وهذا دينه.

Royal430@hotmail.com
الرأي

مدار الساعة: وكالة اخبارية مساحتها الكلمة الصادقة
مدار الساعة ـ نشر في 2021/08/10 الساعة 02:50