مدار الساعة - قبل شهر من أداء اليمين، يتلقى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي معلومات يومية عن الكثير من المصاعب التي تنتظره: من الهجوم الصاروخي الأمريكي على وكلاء إيران من الميليشيات في العراق وسوريا، وهجوم بطائرة إسرائيلية مسيرة على مصنع لأجهزة الطرد المركزي قرب طهران، ومفاوضات متعثرة مع القوى العالمية في فيينا، ودعوات إلى التحقيق في دوره في الإعدامات الجماعية لسجناء سياسيين عام 1988.
حتى ولو صحت التوقعات بأن النفط الإيراني سيستأنف الصادرات في الربع الرابع من السنة، فإن هذا يعتبر وقتاً كافياً لتصاعد الإستياء في أوساط عمال الطاقةلكن الكاتب بوبي غوش يرى في مقال بموقع "بلومبرغ" إن المأزق الأكثر إلحاحاً الذي يواجه الرئيس المقبل هو من النوع الذي لا يحظى إلا بقليل من الانتباه خارج البلاد. وقد بدأت الإضرابات والإحتجاجات تجتاح صناعة النفط الحساسة، حيث سئم العمال من الأجور المتدنية والظروف غير الملائمة للعمل. وتشير الإضطرابات إلى خطورة الأزمة الإقتصادية التي تواجه رئيسي. كما أنها قد تسبب أزمة سياسية خطيرة في مستهل رئاسته.
سوء الإدارة والفساد
وفي الوقت الذي يحظر تشكيل اتحادات نقابية مستقلة، فإن النشاط العمالي قد تزايد في الأعوام الأخيرة بينما كان الاقتصاد الإيراني يختنق بسبب سوء الإدارة وانتشار الفساد والقيود الناجمة عن العقوبات الأمريكية. وتركت التعقيدات الإضافية التي تسبب بها وباء كورونا الكثير من العمال وحتى مؤسسات الدولة، تكافح لدفع الرواتب. وكنتيجة لذلك، تم تنظيم سلسلة من الاحتجاجات العمالية في الكثير من القطاعات في أنحاء البلاد.
وفي الغالب، كانت الإضرابات محدودة ومحلية. ولكن مرات قليلة هي تلك التي شهدت نزول المحتجين إلى الشوارع في تظاهرات كبيرة بما يكفي لتنبيه النظام في طهران. وعادة يرد النظام بتوجيه اللوم إلى "أعداء" غير محددين واللجوء إلى قمع المحتجين.
لكن العمال الساخطين في قطاع الطاقة يمثلون تهديداً أخطر بكثير. ولطالما أشاد النظام بالعاملين في هذا القطاع على أساس أنهم فوق كل أبطال الطبقة العاملة الآخرين. ولا يعكس ذلك أهمية الهيدروكربون للاقتصاد الإيراني وإنما الدور الحيوي الذي تلعبه في سياسات البلاد.
شل الاقتصاد
ولم تكن الجمهورية الإسلامية لتبصر النور لو لم يكن هناك إضرابات شاملة في قطاع النفط أواخر السبعينات مما تسبب بشل الاقتصاد. وفي جذور هذه الاحتجاجات كانت شكاوى العمال في ما يتعلق بالأجور وظروف العمل. وخرجت الأمور عن السيطرة بحلول نهاية 1987، عندما حاول الشاه رضا بهلوي وضع حد للإضرابات بالقوة. وبعدما أطلقت قواته النار على المتظاهرين في مناطق إنتاج النفط في الجنوب، امتدت الاحتجاجات إلى قطاعات اخرى واتخذت منحى سياسياً، مما مهد الطريق لخلع الشاه في ثورة 1979.
ولذلك، فإن أي رئيس وحتى لو كان على شاكلة المتشدد رئيسي، سيكون متردداً في اتخاذ قرار بنشر قوى أمن ضد المتظاهرين في هذه الأيام.
والاضطرابات التي يقوم بها العمال في قطاع النفط في الوقت الحاضر لا تشبه قوة الإحتجاجات التي جرت قبل 42 عاماً، لكنها تأتي في وقت من تزايد الاستياء حيال القيادة السياسية في البلاد، بما يعكس عدم الرضا الذي كان سائداً في السبعينيات. وشرعية النظام هي في أدنى مستوى لها منذ الثورة. وكان الإقبال على صناديق الاقتراع في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة الأدنى على الإطلاق، وجزء كبير من الناخبين أدلوا بأصوات غير سليمة، في مؤشر على المزاج العام.
انكماش اقتصادي
وسيرث رئيسي اقتصاداً عانى من الإنكماش في السنوات الثلاث الأخيرة، وحتى الريال الإيراني خسر 80 في المئة من قيمته بينما التضخم عند حدود 40 في المئة. وتفترض الإضرابات والإحتجاجات أن العمال لا يميلون إلى إعطاء مزيد من الوقت لتصحيح الأمور.
ويراهن الرئيس المنتخب على انتهاء مفاوضات فيينا قبل أن يؤدي اليمين. والاتفاق من شأنه رفع العقوات الأمريكية والسماح لإيران بتصدير النفط وتحرير الودائع المجمدة منذ سنوات. وفي المقابل، فإن ذلك سيمنح النظام الإمكانات من أجل معالجة مطالب العمال المحتجين.
لكن إدارة الرئيس الأمريكي لا تبدو في عجلة من أمرها على صعيد إنجاز الإتفاق ورفع العقوبات. وحتى ولو صحت التوقعات بأن النفط الإيراني سيستأنف الصادرات في الربع الرابع من السنة، فإن هذا يعتبر وقتاً كافياً لتصعيد الاستياء في أوساط عمال الطاقة. وهذا ما سيترك رئيسي في بداية عهده يواجه انتفاضة ضد النظام في أكثر القطاعات حساسية والتي يعول عليها لتحسين الوضع الإقتصادي. وفي حال امتدت الإحتجاجات إلى صناعات أخرى، فإن نظام الجمهورية الإسلامية من الممكن أن يهتز على أيدي القوى التي شهدت ولادته قبل أربعة عقود.