مدار الساعة - أشارت دراسة ألمانية إلى أن المزج بين لقاحي فايزر-بيونتيك واسترازينيكا وأخذهما معا قد يؤدي إلى تقوية المناعة أكثر من الاعتماد على أخذ لقاح واحد فحسب.
عقب موافقة وكالة الأدوية الأوروبية على ترخيص لقاح أسترازينيكا في يناير/ كانون ثان، أخذ البالغون في ألمانيا الجرعة الأول من اللقاح.
لكن فيما بعد أوصت لجنة التطعيم الدائمة في ألمانيا في أبريل/ نيسان بحصر استخدام لقاح أسترازينيكا المضاد لكورونا على الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاما عقب اكتشاف أن النساء الأصغر سنا اللائي حصلن على اللقاح تعرضن لمخاطر متزايدة تمثلت في حدوث جلطات دموية خطيرة في الدماغ.
كان هذا يعني أن عددا قليلا ممن حصلوا على الجرعة الأولى من لقاح أسترازينيكا تعين عليهم أخذ الجرعة الثانية أما من لقاح بيونتيك فايزر أو لقاح موديرنا.
واليوم أسفر هذا الأمر عن أن جميع البالغين في ألمانيا – بغض النظر على أعمارهم - يمكن تطعيمهم بلقاح أسترازينيكا مرة أخرى إذا تحدث الطبيب مع المريض بشأن المخاطر الصحية قبل أخذ التطعيم.
دراسة بريطانية: اللقاحات المختلطة أكثر فعالية
بيد أن دراسات حديثة كشفت عن أن المزج بين لقاحين مختلفين قد يمكن استخدامه ليس فقط في الحالات الطارئة.
ووجد الباحثون في مجموعة لقاحات أُكسفورد أن المرضى الذين حصلوا على جرعة من لقاح أسترازينيكا تليها جرعة من لقاح بيونتيك فايزر بأربعة أسابيع قد تمكنوا من تطوير عددا أكبر من الأجسام المضادة أكثر من الذين حصلوا على الجرعتين من لقاح أسترازينيكا.
وضمن الدراسة، أعطى الباحثون جرعات من لقاحات مختلفة لأكثر من 830 متطوعا تبلغ أعمارهم أكثر من 50 عاما. وكشفت نتائج الدراسة عن أن الذين حصلوا على جرعتين من لقاح بيونتيك فايزر استطاعوا تطوير أكبر عدد من الأجسام المضادة ثم عقب ذلك الذين حصلوا على الجرعة الأولى من لقاح أسترازينيكا ثم كانت الجرعة الثانية من لقاح بيونتيك فايزر.
وتظهر الدراسة أن هذه الأجسام المضادة تكون أكثر في المتوسط من الحصول على جرعتين من لقاح أسترازينيكا.
وشدد البروفيسور ماثيو سناب استاذ طب الأطفال واللقاحات والمشرف على الدارسة، على أن نتائج الدراسة لا تقلل من أهمية استخدام جرعتين من لقاح أسترازينيكا في محاربة فيروس كورونا.
وفي مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية، أضاف سناب "نعلم بالفعل أن إعطاء جرعات لقاحات كورونا كالمعتادة (من نفس اللقاح) له فعالية قوية ضد الأمراض الشديدة وأيضا شفاء المرضى بما في ذلك الإصابة بمتحورة دلتا".
وقال سناب إن الفترة الزمنية بين اخذ جرعتي لقاحات كورونا تتراوح في المملكة المتحدة بين ثمانية إلى 12 أسبوعا وليس أربعة أسابيع كما جرى خلال دراسة مجموعة أكسفورد للقاحات.
وأضاف أن نتائج الدراسة الموسعة التي تتناول فترة زمنية تمتد إلى 12 أسبوعا بين جرعتي من لقاحين مختلطين يُتوقع أن تظهر في يوليو /تموز.
دراسة ألمانية: المزج بين لقاحين مختلفين لكنها متطابقين أكثر فعالية
وكانت دراسة ألمانية قد كشفت لجامعة سارلاند غرب ألمانيا أن الأشخاص الذين تلقوا الجرعة الأولى من لقاح أسترازينيكا والجرعة الثانية من لقاح بيونتيك ـ فايزر كانت مناعتهم أقوى من الذين حصلوا على الجرعتين من لقاح واحد بعينه.
وقد يفتح هذا الأمر الباب أمام توجه عالمي جديد للتحصين يعتمد على أخذ جرعتين من لقاحين مختلفين لكنهما متطابقين، فما مدى فعالية الأمر؟
نتائج أولية
وتعد نتائج الدراسة التي قامت بها مجموعة لقاحات أكسفورد أولية ما يعني أنها لم تخضع لعملية مراجعة دقيقة تقييمها علميا بشكل كامل من قبل علماء مستقلين. كذلك النتائج التي خلصت إليها جامعة سارلاند تعد هى الأخرى أولية إذ لم يتم تقييمها علميا بشكل كامل وهو الأمر الذي أشارت إليه الجامعة في بيان صحافي بشأن الدراسة.
وقبل الإعلان عن النتائج بشكل رسمي، يعتزم الباحثون في جامعة سارلاند النظر في عوامل تتمثل في السن والجنس وأيضا على سبيل المثال دراسة ما هي اللقاحات المختلطة التي قد تؤدي إلى أثار جانبية خطيرة.
وعبر الفريق الذي قام بالدراسة عن تفاجئه إزاء نتائجها رغم أن التقييم الكامل لما خلصت إليه لم ينته بعد. وقالت مارتينا سيستر، أستاذة زرع الأعضاء والمناعة المعدية في جامعة سارلاند، إن هذا يعد السبب وراء "رغبتنا في مشاركة النتائج التي توصلنا إليها الآن وليس الانتظار على انتهاء عملية التقييم العلمية."
تزايد الأجسام المضادة
وشارك أكثر من 200 شخص في التجارب التي أُجريت في المستشفى الجامعي في في سارلاند خلال الشهور القليلة الماضية، إذ تلقى البعض منهم الجرعتين من لقاح أسترازينيكا وتلقى آخرون الجرعتين من لقاح بيونتيك ـ فايزر، فيما تلقت المجموعة الثالثة جرعة من أسترازينيكا ثم كانت الجرعة الثانية من فايزر-بيونتيك.
وقام الباحثون بإجراء مقارنة بشأن قوة الاستجابة المناعية للمشاركين في التجربة بعد تلقيهم الجرعة الثانية من اللقاحات بأسبوعين. وأوضحت سيستر "لم ننظر فقط في اعداد الأجسام المضادة ضد فيروس كورونا، التي تطورت داخل أجسام المشاركين، وإنما أيضا فعالية ما يطلق عليه الأجسام المضادة المعادِلة". وأضافت "هذا الأمر يخبرنا بمدى قدرة هذه الأجسام المضادة في منع الفيروس من الدخول في خلايانا".
وفيما يتعلق بتطوير الأجسام المضادة، فقد ثبت أن التطعيم بجرعتين من لقاح بيونتيك والتطعيم باللقاح المختلط بين أسترازينيكا وبيونتيك أكثر فعالية بشكل ملحوظ من التطعيم بجرعتين من لقاح أسترازينيكا وحده.
وكشفت الدراسة عن أن الأشخاص الذين حصلوا على لقاح مختلط انتجوا أجساما مضادة أكثر بعشرات أضعاف عن الأشخاص الذين حصلوا على الجرعتين من لقاح أسترازينيكا.
وقالت سيستر إنه بالنظر في الأجسام المضادة المعادلة، فإن نتائج إعطاء مزيج من لقاحين متطابقين "كان أفضل قليلا" حتى من إعطاء جرعتين من لقاح بيونتيك.
يشار إلى أن السلطات الصحية توصي بأخذ الجرعة الثانية من نفس لقاح الجرعة الأولى.
زيادة في انتاج الأجسام المضادة
وكشفت تجربة إسبانية أجريت على 663 مشاركا في معهد كارلوس الثالث الصحي في العاصمة مدريد عن نتائج مماثلة. ونشرت نتائج الدراسة الأولية في مجلة " Nature" العلمية ولم يتم إقرار نتائج الدراسة حتى الآن مثل نتائج الدراسة الألمانية فيما يعد النشر في مجلة " Nature" العلمية بمثابة نظرة عامة على ما توصلت إليه الدراسة الإسبانية وليس مراجعة هذه النتائج بشكل كامل ودقيق ومن ثم إقرارها.
وخلال التجربة، أخذ ثلثا المشاركين جرعة من لقاح فايزر-بيونتيك عقب الجرعة الأولى من لقاح أسترازينيكا فيما لم تكن المجموعة الباقية من المشاركين قد أخذت الجرعة الثانية خلال وقت إعلان النتائج. وقالت ماغدالينا كامبينس- الباحثة في دراسة "كومبيفاكس" في مستشفى "فال ديبرون" الجامعي في برشلونة بإسبانيا، إن الأشخاص الذين حصلوا على مزيج من لقاحين مختلفين ومتطابقين بدأوا في إنتاج مستويات عالية للغاية من الأجسام المضادة بعد الجرعة الثانية. وأضافت أن هذه الأجسام المضادة كانت قادرة على التعرف على فيروس "السارس-كوف-2" وإبطال مفعوله خلال التجارب السريرية.
وقال تشو شينغ، الخبير في الجهاز المناعي في جامعة ماكماستر الكندية، إن لقاح فايزر- بيونتيك يبدو قد عزز "الأجسام المضادة بشكل ملحوظ في جرعة لقاح أسترازينيكا".
وأضاف شينغ الذي لم يشارك في التجربة في مقال نشرته مجلة " Nature" العلمية أن هذا التعزيز في قوة الاستجابة المناعية كان أكثر وضوحا من الأشخاص الذين حصلوا على الجرعة الثانية من لقاح أسترازينيكا.
وبغض النظر عن أن النتائج لا تزال أولية، فإن هناك مشكلة حيال الدراسة الإسبانية أنها لم تشمل مجموعة المشاركين الذين حصلوا على الجرعتين من نفس اللقاح، فيما لم يكن إجراء مقارنة مباشرة بين المجموعتين ممكنا.
التطعيم المختلط لم يُوصى به بعد
ورغم أن النتائج الأولية واعدة، إلا أن منظمة الصحة العالمية لا تزال توصي بعدم الخلط بين اللقاحات المضادة لفيروس كورونا. وقالت المتحدثة باسم الصحة العالمية مارغريت هاريس إنه لا توجد حتى الآن بيانات كافية لتقييم وحسم ما إذا كان هذا النهج الخاص باللقاحات المختلطة آمنا على الصحة.
ورغم ذلك فإنه في ألمانيا، يتحقق التطعيم الكامل ضد الفيروس بالحصول على جرعتين من نفس اللقاح أو الحصول على جرعتين من خليط من لقاحين متطابقين. وتتبع الحكومة الألمانية الإرشادات التي يقدمها معهد باول ايرليش المسؤول عن إصدار تصاريح اللقاحات في البلاد.
وليس هذا الأمر الشائع في جميع دول العالم ففي كندا على سبيل المثال تم الموافقة على إمكانية الحصول على لقاحات مختلطة فيما لا تزال الأبحاث جارية في الولايات المتحدة حيال الأمر. وفيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، لا يزال الانتظار سيد الموقف حيال ما إذا سيتم الاعتراف باللقاحات المختلطة من خلال بطاقة التطعيم الرقمية التي يُفترض أن تسمح بالسفر بين بلدان التكتل الأوروبي، والمقرر أن تدخل حيز التنفيذ في يوليو / تموز المقبل.
جدية النظر في اللقاحات المختلطة
وفي حالة ما إذا ثبتت صحة النتائج الأولية، فإن الخلط بين لقاح أسترازينيكا ولقاح فايزر-بيونتيك سيكون طريقة جيدة وواعدة للتطعيم ضد فيروس كورونا ووقاية أفضل منه. وفي حالة عدم ثبوت صحة النتائج، فإن كلا اللقاحين متشابهان في الخصائص رغم أنهما يمثلان نوعين من لقاحات كورونا المتوافرة حاليا في السوق.
ويعتمد لقاح أسترازينيكا على "ناقل فيروسي" وهي تقنية تقليدية، إذ يتم استخدام نسخة غير ضارة من فيروس مختلف لإصدار تعليمات إلى خلايا الجسم لبناء أجسام مضادة ضد فيروس كورونا.
أما لقاح فايزر-بيونتيك فيعتمد على تقنية "الحمض النووي الريبوزي المرسال" أو (mRNA) وهي تقنية جديدة في التطعيم تعلم خلايا الجسم كيفية صناعة بروتين يحفز بدوره إطلاق ردود فعل مناعية ضد العدوى وإنتاج أجسام مضادة. ولا يملك الباحثون حتى الآن معلومات كافية حيال السبب وراء أن الخليط بين اللقاحين يؤدي إلى تعزيز المناعة.
وقالت مارتينا سيستر - أستاذة زرع الأعضاء والمناعة المعدية في جامعة سارلاند – إنها تتطلع إلى رؤية المزيد من الأبحاث في فعالية اللقاحات المختلطة وايضا التفاعل بينها. وأضافت "نعتقد أنه إذا توصلت فرق بحثية أخرى إلى نتائج مماثلة لما خلصنا إليه، فإنه يتعين النظر بجدية في المزج بين لقاح أسترازينيكا ولقاح فايزر-بيونتيك".