بقلم الدكتور علي منعم القضاة
القراء الأعزاء أسعد الله أوقاتكم بكل الخير، حيث كُنتُم، وحيث بِنتُم، نتذاكر سويا في شذراتي العجلونية، ففي كل شذرة منها فكرة في شأن ذي شأن، ننطلق من عجلون العنب والذهب، عجلون الحب والعتب، لنطوف العالم بشذراتنا، راجياً أن تروق لكم.
إن شفتك بضحك عليك، وإن ما شفتك راحت عليك
لا ينكر عاقل في الأردن أن الجهود قد تضافرت في معركة الكرامة، ولا ينبغي لعاقل أيضاً أن يدعيها لنفسه، ولكن واقع الحال يقول: إن ميليشيات فتح في حينها لم تكن تقدر على الصمود ساعة في وجه العدوان الغاشم، لو كانت من تدير المعركة أو منفردة فيها؛ لأن تشكيلاتها القتالية كانت على شكل خلايا مقاتلة وليست تشكيلات نظامية؛ لذلك لا يجوز أن نحمل ما يكتب حولها بحسن نية أبداً؛ بل يجب أن توضع النقاط على الحروف، وأن يوضع حدٌ لمن يريد أن يعكر صفونا، بعد مضي عقود من الصفاء والمودة وعلاقات الجوار والنسب والمصاهرة والشراكات في المال والعمل.
نعم يجب أن يكون الجزاء من جنس العمل، وأن تكون الإجابة بطريقة الكتابة نفسها، لا حرج في ذلك ولا ضير أن نقول لكل كاتب فيما يقول؛ إن لكل مقام مقال ولكل حادث حديث، ونقول لمن لا يحترم مشاعر الناس وتاريخهم الذي مازالت الشواهد عليه قائمة، والشهود عليه على قيد الحياة، عليك يا هذا أن (تلزم حدك وتعرف حجمك)، فلا ينبغي النظر إليه والتعامل معه بحسن نية، ولا بطريقة غير التي يفهمها، لأنه إذا كتب عنك، كتب بمنتهى الصلافة، وإذا ما تمعر وجهك غضباً؛ قال إني أمازحك، ولا أقصد الإساءة، ومع ذلك نحن نعلم وهو يعلم حقيقة الأمر، فالتاريخ لا ينسى، ويجب أن لا نتعامل مع الأشياء مجردة من ماضيها؛ سواء أكان الشيء مريحاً أم قبيحاً.
اصنع ما شئت
جاء في الحديث الشريف: (إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى: إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت)، إن التلاعب بالألفاظ، والالتفاف على الكلمات لا ينطلي إلا على الأغبياء، وإن ادعاء أو افتراء أن ياسر عرفات هو الذي اتخذ القرار بالحرب في معركة الكرامة، هو تجن على كل القيم والمبادئ والأخلاق والتاريخ، وفيه استخفاف بالأردن ملكاً وحكومة وشعباً، إذ لا يعقل أن يتخذ شخص ما قرار حرب في دولة ذات سيادة، إلا أن يكون سيدها وصاحب القرار فيها؛ ولوكان قائد المعركة ضابطا في الجيش العربي وأصوله التي هي أصولنا جميعاً، من غربي النهر لما جاز له أن يتخذ قرارا دون الرجوع إلى القيادة العليا في البلد؛ ولو كان الراحل عرفات حياً يرزق لما تردد في قول الحقيقة، ما زال بعض أبطال معركة الكرامة على قيد الحياة من الجانبين، متعهم الله بموفور الصحة والعافية، ويمكن التواصل معهم، فهم شهود عيان. لذا نقول لكل من سولت له نفسه الافتراء والتدليس على الناس في تاريخ أردننا التليد؛ كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت).
التاريخ حِكَمْ وعِبَرْ
قال بعض الحكماء: إسداء المعروف إلى الكرام يعقب خيراً، وإلى اللئام يعقب شراً، ومثل ذلك مثل المطر، يشرب منه الصدف فيعقب لؤلؤاً، وتشرب منه الأفاعي فتعقب سماً، وكذلك الحال في المطر العذب الزلال الذي تصبه السماء في البحار، إلا أن ماء البحر يبقى مالحاً أجاجاً.
وقال حكيم آخر: دخلت البادية فإذا أنا بعجوز بين يديها شاة مقتولة، وإلى جانبها جرو ذئب. فقالت: أتدري ما هذا؟ فقلت: لا. قالت: هذا جرو ذئبٍ أخذناه صغيراً، وأدخلناه بيتنا، وربيناه، فلما كبر فعل بشاتي ما ترى؟؟!!! وأنشدت قائلة:
بقرت شويهتي وفجعت قومي
وأنت لشاتنا ابنٌ ربيبُ
غُذيتَ بدرها ونشأتَ معها
فمن أنباك أن أباك ذيبُ
إذا كان الطباعُ طباع سوءٍ
فلا أدبٌ يفيد ولا أديبُ