الفساد هو إساءة استخدام السلطة أو الوظيفة العامة لتحقيق كسب غير مشروع لا يقف عند حدود استنزاف الموارد المالية وضياعها بل يتجاوز ذلك إلى إضعاف الهياكل التنظيمية، وتعزيز سياسات تداخل الصلاحيات و المسؤوليات وتداخل العام بالخاص.
في ظلال جائحة كوفيد١٩ أدت الأزمة الصحية إلى تنامي ظاهرة الفساد في غالبية دول العالم على المستويين المالي والإداري وإلى تضخم إنفاق الأموال المخصصة وإساءة إستخدام التمويل لسلسة أعمال وبرامج ومشاريع أغلبها لا وجود لها في الفضاء الإفتراضي بعدما تحايلت العديد من المؤسسات في تقاريرها بأن أعمالها تمارس بشكل رقمي وهي لم تقدم أصلاً.
وقد خلص مؤشر مدركات الفساد لعام 2020 الصادر عن منظمة الشفافية العالمية، والذي يقيس تطور الفساد في القطاع العام وفقاً للخبراء ورجال الأعمال، إلى أن البلدان التي كان أداؤها جيداً من حيث الاستثمار بشكل أكبر في الرعاية الصحية، كانت "أكثر قدرة على توفير تغطية صحية شاملة وأقل عرضة لانتهاك المعايير الديمقراطية".
وتابع التقرير أن الافتقار إلى الشفافية في الإنفاق العام يزيد من مخاطر الفساد والاستجابة غير الفعالة للأزمات و قد يكون من الصعب تطبيق شفافية الميزانية، خاصة في أثناء الاستجابة لحالات الطوارئ مثل COVID-19 عندما تكون السرعة والكفاءة مهمة في أثناء الأزمة. ومع ذلك، فإن الشفافية هي المفتاح لضمان إنفاق الموارد العامة بشكل مناسب والوصول إلى المستفيدين المقصودين. لهذا السبب، يجب، وفق التقرير، أن تكون هناك إجراءات قوية وشفافة لتخصيصات الميزانية والعقود العامة وعمليات التدقيق قبل وقوع الأزمة.
يقول توماس ستيوارت "لقد قضت المحاسبة التي تحبها منذ زمن طويل ولم تدفن بعد" فخلال الجائحة غابت الرقابة الداخلية ونظم التدقيق والتحري في المؤسسات العالمية و الإقليمية والمحلية فترة طويلة عن متابعة المراجعة الداخلية للعديد من مؤسساتها ومدى تطبيق السياسات والأنظمة والقوانين والتعليمات لحماية أصولها ومتلكاتها، بسبب وضع ضوابط على الحركة وحظر التجوال وتقليص ساعات العمل للتعامل مع الجائحة والحد من انتشارها بين الشعوب.
فماذا لو عادت أجهزة الرقابة الداخلية والتدقيق إلى الميدان وعملت على التأكد بأن الأهداف المحددة للمؤسسات قد تم انجازها وفقا للخطط والسياسات المرسومة، وماذا لم طُلب الكشف عن البنية الرقمية وأنظمة الإتصال والتواصل للمؤسسات وأعداد الزائرين لها ومدى تفاعلهم مع المحتويات علاوة على إعداد تقرير الشفافية و الإفصاح عن الاتفاقيات و ميزانيات المؤسسات وأعداد المستفيدين والفئات المستهدفة ومدى انعكاس البرامج على المجتمعات علاوة على كيفية تنفيذ الموزانات المالية للمؤسسات وآليات صرفها.
أخيراً وبكل تأكيد سيكون واقع حال غالبية نظم الإدارة والإشراف والمتابعة التقليدية في العديد من الدول وخصوصاً النامية يندى لها الجبين نتيجة ضعف القيم والإلتزام وضعف فكرة المصلحة العامة أو إعلاء المصلحة العليا.