مدار البساعة - ابن البلد - لا يقف ملف الإصلاح في الأردن، ولا يتوقف دوران عجلته، ولا تتراجع النيّة بإنجازه لطالما يقود جلالة الملك رؤية تنويرية لا تحدها حدود، ولا تعيقها تحديات، ولا سقف لطموحها، الذي يرسم مستقبلاً يليق بالأردن ويحقق تطلعات شعبه.
ولعل الإصلاح، يصبح في الملمات والمنحنيات السياسية، القاسم المشترك الذي تتجمع على حاجته الموالاة والمعارضة مع إسقاط مختلف التصنيفات، وترتفع راية المناداة به اتجاه الحكومات، التي لم يخل كتاب تكليف سامي لأي منها، على مدار الاثنين والعشرين عاماً الماضية، من تأكيدٍ ملكي على ضرورة تحقيقه أو على الأقل توفير البنى التشريعية والهياكل التنظيمية لاستيعابه.
ولا بد لكل منصفٍ بمواقفه، وراغبٍ بالإصلاح بتوجهاته، ومتطلّعٍ لأردنٍ حديثٍ متقدّم بآماله، أن يتفق على قاعدةٍ وطنيةٍ بأن جلالة الملك هو السبّاق قبل كل الحكومات والقوى السياسية بطرح رؤية إصلاحية قائمة على الحوار والتشاور والتوافق الوطني، أطرها جلالته بأوراق ملكية أصر أن يمنحها صفة "النقاشية" بمعنى أنها في عهدة الأردنيين اليوم للاستناد عليها والالتقاء حول الثوابت فيها وتعريضها لنقاشٍ وحوارٍ يفضي في نهايته لتحويل مضامين هذه الأوراق لرؤية تنفيذية يتفق عليها الجميع.
هناك سر في الحكم الهاشمي نراه اليوم ملموسا في ملف الإصلاح، وهو أن التوجيه أو الرؤى الملكية أو الاستجابة لمطالب الأردنيين يضعها جلالة الملك في قالب "أوراق نقاشية، لجان ملكية، تكليف للحكومات" ما يعني هنا أن نكون منصفين بأن جلالته يضع الإطار الحاضن للنقاش ويترك لنا مساره ونتائجه، وهو ما قد يشكّل رداً على أصوات ترى في تشكيل اللجان موضة، دون فهم بأنها مقصود ملكي لقواعد (الشورى، التمثيل، التشاركية التعددية والتوافق)، خصوصاً وإن كانت متعلقة بمطلبٍ وطني جمعي لا يجدي أن يقع تحت مظلة أي من السلطات، التي تطالها مطالب الإصلاح، وبالتالي فمفهوم اللجنة ليس ترفاً بقدر ما هو تأصيل وترشيد للحوار وتحديد قنواته.
وفي الخطوة الملكية الأخيرة، فإن كثيرين ذهبوا نحو زوايا في تقييم تشكيل اللجنة، دون الالتفات لأبرز العناوين الكامن في اسم اللجنة "اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية" والتي هي لجنة "تحديث" لا "لجنة إصلاح" لكون الإصلاح عملية سياسية ليست جديدة على الأردن، فالمطلوب واستمرارا لعملية الإصلاح المستمرة هو تحديث المنظومة السياسية والحاضنة للإصلاح لضمان أن يكون لدينا بيئة تشريعية وقانونية مرنة في مواكبة تطلعات الأردنيين.
الإنصاف يقتضي منّا أيضاً أن نتروى في فهم الاختيار الملكي لدولة سمير الرفاعي لترؤس هذه اللجنة، التي تأتي في مرحلة مفصلية من عمر الدولة وهي تدخل مئويتها الثانية وسط متطلبات محلية وتطوراتٍ إقليمية ودولية وازنة، فالرفاعي ورغم تجربة حكومته القصيرة نسبياً، إلا أن السنوات التي تليها وانخراطه في الجهد والنقاش الوطني والحوار العام عبر لقاءات مباشرة نفذها في مختلف مناطق المملكة خلال العام 2014، وانخراطه بالعمل السياسي التشريعي عبر عضويته الفاعلة في مجالس الأعيان منذ المجلس الـ26، والتي أكسبته رؤية تراكيمة بنى عليها ليكون مساهماً في مختلف قضايا الشأن الوطني.
الرفاعي، كما يعرف كل من يتتبع المشهد الوطني، من أكثر الشخصيات السياسية تفاعلا ودخولاً في الحوارات العامة سواء عبر مظلات الحوار المؤسسية أو عبر وسائل الإعلام، بسلسلة من المقالات التي يؤطر فيها موقفه السياسي أو رؤيته أو عبر الاشتباك من خلال منصات التواصل الاجتماعي، التي لم يغب عنها الرفاعي في كل القضايا الوطنية.
وللأمانة الوطنية، فإن حراك الرفاعي منذ مغادرته الدوار الرابع يؤكد أن الرجل لا يؤمن بالتقاعد السياسي، ولا بالابتعاد عن الأضواء في الظروف الصعبة والملمات، ولا التحول إلى شخصية تبحث عن الوجاهة الشعبية أو الاجتماعية، بل أن حضوره وحراكه يجيب على سؤال دائم يطرحه الشارع في الأزمات: أين نخب الدولة؟.
قد يختلف البعض مع الرفاعي حول وجهة نظره السياسية أو نهجه الاقتصادية أو مقاربته في السياسة الخارجية أو رؤيته في التنمية، والتي جميعها اليوم أكثر عمقاً ووضوحا عن الفترة التي كان فيها رئيسا للحكومة في العام 2010، و هو ما يدفعنا لعبارة يرددها عارفون بالرفاعي بأن سمير اليوم ليس سمير سابقاً، كتدليل على نضوج رؤيته الشاملة كشخصية وطنية عامة تمرست في مختلف المفاصل وعاصرت تحديات مر بها الأردن ما بعد 2010، وهي حكماً استفادت منها جميعا النخب بما فيهم الرفاعي.
لنكن اليوم كما نتوافق على الإصلاح، متوافقون على الإيجابية تجاه القادم، وأن نغادر مربع الانتقاد الذي لن يقود إلا لمزيد من التمترس حول المواقف حتى لو كانت شخصية ولن ينفع الحوار بقدر ما يقسمه بين ضدين.
اللجنة التي عهد جلالة الملك للرفاعي رئاستها من الشخصيات الوطنية الممثلة للأطياف السياسية والأكاديمية والإعلامية والشبابية والنسائية وحتى بأبعادها الجغرافية، والأهم فيها أصحاب رؤى مختلفة تجاه ماهية الخطوات الإصلاحية ونوعها، وبالتالي فستكون اللجنة وعاء الحوار وحاضنة الاختلاف وصاحب الصفة المؤسسية لتأطير التوافقات، لكنها في نهاية المطاف ستقدم من خلال أعضاءها طرحاً وطنياً توافقيا لا يمثلهم كأعضاء ولا رئيس، بل يمثل المشارب الفكرية والسياسية التعددية في الشأن العام.
دعونا نفسح المجال للعمل، ولا نتخندق خلف بوابات النقد، واسمحوا للرفاعي، ابن المدرسة لا الطبقة، أن يدير الحوار بين أعضاء اللجنة، فهو ليس صاحب الطرح الوحيد ولا مالك القرار الأوحد، بل هو كما أعضاء اللجنة لديه طرح، ويدير الحوار ويضبط مساره ويعزز تعدديته، حتى يقدم لنا مخرجا، هو الحَكَم، لا أن يكون الحُكم مسبقاً ومحبطاً ونقديا،،،،،أرجوكم لندع الوطن يعبر نحو ما نريد وما تصبو له قيادتنا الحكيمة.